حتى وقت قريب، كانت الروبوتات عبارة عن آلات تستخدم بشكل أساسي في المصانع بعيداً عن الأنظار لتؤدي مهمات أساسية متكررة. لكن الأمور تتغير بسرعة. والروبوتات اليوم أصبحت أكثر ذكاء وأكثر وعياً بمحيطها. فلم لا يكون لها يد في مساعدة الناجين من الحوادث في العودة إلى حياتهم الطبيعية؟ ولم لا تساهم في تأهيل وإعادة دمج الأشخاص الذين يعانون من مشكلات جسدية أو نفسية منذ الولادة في المجتمع؟
في هذا المقال، سنحاول أن نستعرض أحدث الابتكارات التكنولوجية التي تثبت فيها الروبوتات جدارتها في مساعدة حالات كثيرة، لنفهم معاً كيف تحسن الروبوتات حياة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
كيف تجعل الروبوتات حياة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أفضل
في الواقع، تجعل الروبوتات الحياة أسهل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لأنها ببساطة تجعل العالم من حولهم أكثر سهولة في الوصول إليه والتفاعل معهُ. فهي لا تمنحهم الاستقلال والحكم الذاتي فحسب، بل تساعد أيضاً في الحد من الوصمة الاجتماعية، وربما سيكون لها الدور في إلغاء تلك الوصمة في المستقبل كما نتمنى.
بعيداً قليلاً عن الروبوتات المصممة لمساعدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، نجد أن روبوتات الاستخدام المنزلي مثلاً تساهم في تحسين حياتهم بصفة عامة. مثل الأذرع الروبوتية التي تساعد في الطهي أو الروبوتات المساعدة التي تدير الأعمال المنزلية. ومن خلال استخدام هذه الروبوتات سيتقلص الضغط البدني على الأفراد ذوي الإعاقة.
كما تلعب الروبوتات الاجتماعية دوراً حيوياً في تقديم الرفقة والدعم العاطفي. وبفضل الذكاء الاصطناعي لفهم المشاعر البشرية والاستجابة لها، يمكن لهذه الروبوتات المشاركة في محادثات هادفة مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ويمكنها كذلك تقديم تذكيرات بالأدوية والمواعيد، والمساعدة في تقليل مشاعر الوحدة والعزلة. وبالنسبة للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، يمكن للروبوتات أن تساعد في تطوير المهارات الاجتماعية والتواصلية من خلال المشاركة التفاعلية وغير الانتقادية.
بالعودة إلى الروبوتات المخصصة لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، تتعدد أشكالها من الهياكل الخارجية والكراسي المتحركة الذكية إلى آلات إعادة التأهيل والأطراف الاصطناعية. وفيما يلي بعض الابتكارات الحديثة في مجال الروبوتات والتقنيات في خدمة الإعاقة:
- هياكل خارجية للمساعدة في عمليات المشي وإعادة التأهيل.
- الأطراف الصناعية الذكية.
- أجهزة لضعاف البصر والسمع.
- المركبات ذاتية القيادة.
الهياكل الروبوتية المساعدة في المشي
هي أشبه بالبدلات الخاصة وتُعرف باسم الدروع الآلية، وتتكيف هذه الأخيرة مع حركات الجسم من خلال خوارزميات ذكية. وتأتي بإصدارات مختلفة فالبعض منها متاح للجسم بالكامل فيما يتاح البعض الآخر للأطراف فقط.
تعمل هذه الهياكل الروبوتية على تعويض الوظائف الحركية المفقودة، وعلاج مشاكل الجهاز العضلي الهيكلي، كما تساهم في مساعدة أخصائيي العلاج الطبيعي في التعامل مع المرضى الذين يعانون من إعاقات حركية وإدراكية، وتدريب المرضى في المستشفيات على الحركة.
في إسبانيا، يجري المجلس الوطني الإسباني للبحوث (CSIC) أبحاث في هذا المجال منذ 20 عام. وتعد المهندسة إيلينا جارسيا أرمادا رائدة في الهياكل الخارجية للأطفال فيه، حيث حصلت على جائزة المخترع الأوروبي لعام 2022 عن عملها في تطوير تلك الهياكل.
أما الآن، تبحث أرمادا مع رفاقها في CSIC في تطوير CP Walker 2.0، وهو هيكل خارجي لتصحيح الوضع أثناء المشي عند الأطفال المصابين بالشلل الدماغي. بالإضافة إلى Discover2Walk وهو جهاز يستهدف الأطفال من عمر السنة إلى 3 سنوات، وExo-H3 وهو جهاز يمكن ارتداؤه ليتكيف مع الساقين والساقين والوركين، من بين العديد من الهياكل الخارجية الأخرى.
الأطراف الصناعية الذكية
لقد ساعد ظهور الطباعة ثلاثية الأبعاد في تصنيع الأطراف الاصطناعية التي تلبي احتياجات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. وعند دمج تقنيات الروبوتات المبرمجة بالذكاء الاصطناعي تصبح تلك الأطراف الاصطناعية متصلة بالأعصاب! ليس هذا فحسب. بل إن الإصدارات الأكثر ابتكار منها أصبحت تنقل اليوم الأحاسيس، مثل برودة ودفء الأشياء التي يتم لمسها باليد الآلية MiniTouch.
"هيو هير" مبتكر هذهِ الأطراف الصناعية المتطورة -وهو شخص مبتور الساقين بسبب حادث تسلق- وخبير في علم الإلكترونيات الصناعية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وسبق لهير أن نال جائزة أميرة أستورياس للأبحاث التقنية والعلمية لعام 2016. وهو يعمل الآن على الجيل القادم من الأطراف الصناعية القائمة على غرسات مغناطيسية صغيرة (المغناطيسية المجهرية).
أجهزة لضعاف البصر والسمع
إذا كنت لا تجيد التحدث بلغة الإشارة، ستكون بحاجة إلى من يترجم لك عندما تتحدث مع شخص يعاني من ضعف السمع. ولكن هذا السيناريو قد يصبح من الماضي. حيث تساعد اليوم الروبوتات المصممة للتحدث بلغة الإشارة الأشخاص المصابين بالصمم والبكم. ويطلق على النموذج الأولي اسم تاتوم تي 1، وهو قادر على ترجمة النصوص الإنجليزية، من رسائل البريد الإلكتروني أو الكتب أو الإنترنت، إلى هذه اللغة البصرية والإشارية.
من جهة ثانية، ولمساعدة ضعاف البصر يتم تطوير كلاب إرشاد روبوتية. ومهمة هذه الأخيرة هي اكتشاف المساحات بفضل إمكانية الحركة المستقلة التي تتمتع بها، وبناءً على ذلك فهي قادرة على تحديد الأشخاص. وتتجنب هذه الكلاب الروبوتية العوائق باستخدام تقنيات مثل الرادارات وأجهزة استشعار إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي.
ويتم تطوير تكنولوجيا هذه الكلاب الروبوتية في أشكال عديدة حول العالم ومن بينها معهد تكنولوجيا المعلومات والفيزياء التابع للمجلس الأعلى للصناعات التكنولوجية، والذي يطور كلب الإرشاد الآلي (تيفي) نسبة إلى اختصار اسم المركز. كما ابتكر مهندس برازيلي كلب الإرشاد الآلي (ليسا)، وهو أيضًا لنفس الغرض من التحرك بأمان.
في السياق ذاته، يعكف باحثون في جامعة ستانفورد على تطوير عصا ذكية مزودة بأجهزة استشعار ونظام تحديد المواقع العالمي وكاميرا ومقياس للتسارع والسرعة. وتعتمد عملية تشغيلها على نفس الخوارزمية المستخدمة في المركبات ذاتية القيادة، لتصبح تلك العصا بمثابة عين يرى بها الضرير العالم بشكل جديد.
المركبات ذاتية القيادة
بمناسبة الحديث عن المركبات ذاتية القيادة في الفقرة السابقة، أصبحت السيارات ذاتية القيادة حقيقة من الناحية التكنولوجية، ويأمل الخبراء أن تكون حقيقة أيضاً للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية، مع دمج الصوت واللمس (ردود الفعل اللمسية) والإيماءات التي تتعرف عليها السيارة، وفقاً لدراسة تقترح تصميم هذا النوع من السيارات منذ البداية مع معايير الإدماج وإمكانية الوصول. وبذلك سيصبح التنقل بالنسبة للمكفوفين دون الحاجة إلى أشخاص آخرين أسهل وأكثر أمان.
أما بالنسبة للكراسي المتحركة، فنلاحظ أن الكراسي المتحركة الذكية تضيف وظائف لا تتوفر في الكراسي المتحركة الكهربائية. فهي قادرة على اكتشاف العوائق والمشاة، وإشعار السقوط، والإضاءة التلقائية، وعجلات صعود السلالم أو القيادة الذاتية.
في الطريق إلى جعل كل تلك السيناريوهات حقيقة، تجري جامعة ميشيغان مشروعاً لبحث نظام فولكان المستقل. كما تعمل جامعة هونج كونج للعلوم والتكنولوجيا على بناء مركبات ذاتية التوجيه. فمن ناحية، صممت كرسيًا متحركًا يصعد وينزل السلالم. ومن ناحية أخرى، تعمل على تطوير كرسي متحرك مزود بنظام ملاحة مماثل لنظام المركبات المستقلة، من بين ميزات أخرى.
كيف تحسن الروبوتات حياة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة؟ لعلها تفعل ذلك من خلال المشايات الذكية للأشخاص ذوي القدرة المحدودة على الحركة، والروبوتات القادرة على مساعدة الأشخاص على ارتداء الملابس أو غسل الشعر، وروبوتات الكراسي المتحركة وغيرها من الروبوتات التي تم ذكرها في هذا المقال. ومن خلال تلك الخدمات جميعها لا تعمل الروبوتات على تحسين حياة الأشخاص ذوي الإعاقة فحسب، ولكنها أيضًا تحسن حياة مقدمي الرعاية لهم.
التعليقات