نحن الآن في بداية عصر الأنثروبوسين... كيف استولى البشر على الكوكب؟

مجموعة بحثيّة تُناقش اعتبار منتصف القرن العشرين هو بداية عصر الأنثروبوسين، والذي يشمل تغيّر المناخ وانتشار البلاستيك والتجارب النوويّة...

نحن الآن في بداية عصر الأنثروبوسين... كيف استولى البشر على الكوكب؟

تجربة نووية بالقرب من جزر مارشال في عام 1958. اقترحت مجموعة العمل منتصف القرن العشرين كبداية لعصر الأنثروبوسين (getty)

لطالما عرفنا الجدول الزمنيّ لتاريخ الأرض، والذي يبدأ من أقدم الصخور التي تعرّفنا إليها وحتّى الديناصورات وصعود الرئيسيّات، ويشمل حتّى يومنا هذا عصر الأسلحة النوويّة وتغيّر المناخ وانتشار البلاستيك والقمامة والغابات الخرسانيّة التي تسبّب بها الإنسان. باختصار، هذا هو حاضرنا.

بعد عشرة آلاف عام من بدء جنسنا البشريّ في تكوين المجتمعات الزراعيّة البدائيّة، اتّخذت لجنة من العلماء مؤخرًا خطوة كبيرة نحو إعلان فترة جديدة من الزمن الجيولوجيّ، وهو الأنثروبوسين (عصر البشر). وعصرنا الجيولوجيّ الحاليّ، الهولوسين، بدأ قبل نحو 11700 عامًا، مع نهاية آخر عصر جليديّ كبير. في الواقع، لقد أمضينا العقود القليلة الماضية في وحدة زمنيّة جديدة تمامًا، تتميّز بتغيّرات على نطاق كوكب من صنع الإنسان. ببساطة، يمكن وصف الأمر على النحو الآتي، حين كنّا موجودين عام 1920، كان من الصعب وصف التأثير الإنسانيّ، وكان الموقف الأكثر عقلانيّة هو "أنّ الطبيعة أكبر من أن يؤثّر عليها البشر" كما قال الجيولوجي ورئيس مجموعة عمل الأنثروبوسين، ولكنّ الأمور تغيّرت رأسًا على عقب منذ ذلك الوقت.

أكمل أعضاء مجموعة عمل الأنثروبوسين كذلك مؤخرًا أوّل تصويت داخليّ في سلسلة من التفاصيل، بما في ذلك تحديد الوقت الذي يعتقدون فيه أنّ عصر الأنثروبوسين بدأ، وبمجرّد الانتهاء من التصويت، ستقدّم اللجنة اقتراحها النهائيّ إلى ثلاث لجان جيولوجيّة أخرى، ستؤدّي إلى أن يكون عصر الأنثروبوسين رسميًّا، أو أن يتمّ رفضه، وسوف يتعيّن على 60٪ من كلّ لجنة الموافقة على اقتراح المجموعة، حتّى تتقدّم إلى اللجنة التالية، وفي حال الفشل في تحقيق ذلك، فقد لا يكون لدى الأنثروبوسين فرصة أخرى للتصديق عليها لسنوات قادمة. ومع ذلك، في حال نجاح هذه العمليّة، فإنّ الجدول الزمنيّ المعدّل للجيولوجيا سيعترف بأنّ تأثيرات الجنس البشريّ على الكوكب كانت ذات أهميّة وتأثير كبيرين.

كيف استولى البشر على الكوكب

إنّ الارتفاع الهائل في عدد السكّان أدّى إلى تغيّر الأرض، إذ تحوّلت الغابات الكثيفة إلى أراضٍ زراعيّة، كما ارتفعت المدن وانتشرت، بالإضافة إلى احتراق الوقود الأحفوريّ المستمرّ خلال بضعة عقود، والذي تشكّل على مدى ملايين السنين ممّا أدّى إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، وعلى إثر ذلك، وافق مندوبون من حوالي 190 دولة اجتمعوا في كندا على اتّفاقيّة شاملة للأمم المتّحدة، لحماية 30٪ من أراضي ومحيطات الكوكب بحلول عام 2030، بالإضافة إلى اتّخاذ عدد كبير من الإجراءات الأخرى ضدّ فقدان التنوّع البيولوجيّ. وتأتي هذه الاتّفاقيّة، في الوقت الذي يتراجع فيه التنوّع البيولوجيّ في جميع أنحاء العالم، بمعدّلات لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشريّة.

واتّخذت لجنة من العلماء خطوة نحو إعلام فترة جديدة من الزمن الجيولوجيّ: الأثروبوسين، أو عصر البشر، وعلى نقيض العصور السابقة التي لم تترك أيّ سجلّات مكتوبة أو ملاحظات علميّة، فإنّ هذا العصر سيكون موثّقًا على نطاق واسع من قبل البشر، ويمكن أن يكون لرفض الاعتراف بهذا العصر، أصداء سياسيّة واسعة، وكذلك في حال إقراره، إذ سيكون على اللجنة تبرير القرارين في كلتا الحالتين.

المقياس الزمنيّ الحاليّ، يقسم قصّة الأرض التي تبلغ 4.6 مليار سنة، إلى فصول ذات أسماء كبيرة وفروع أصغر، ويطلق على هذه الفصول أسماء مثل الدهور والفترات والعهود والأعمار، وفي وقتنا، ووفقًا للجدول الزمنيّ، فنحن في حقبة عمرها 4200 عامًا.

لم يكن رسم الخطوط الزمنيّة للأرض سهلًا أبدًا، إذ إنّ سجلّ الصخور مليء بالفجوات، والتغييرات على المستوى الكليّ، تحدث تدريجيًّا وببطء، ممّا يجعل من الصعب تحديد متى ينتهي أحد الفصول ويبدأ الفصل التالي، ولم تكن هناك لحظات كثيرة تغيّر فيها الكوكب بأكمله لمرّة واحدة.

شهدت الفترة المبكّرة من العصر الكمبري، أي منذ والي 540 مليون سنة، انفجار الأرض، والذي أدّى إلى تنوّع مذهل في الحياة الحيوانيّة، لكنّ نقطة البداية الحقيقيّة، كانت موضوع نزاع لعقود طويلة، وأدّى هذا الجدل الطويل إلى إعادة رسم الفترة الجيولوجيّة الحاليّة عام 2009.

بصمة الإنسانية

استغرق الأمر عقدًا من الزمان في النقاشات والرسائل والمقالات الأكاديميّة والاجتماعات في لندن وبرلين وأوسلو وغيرها، لمجموعة عمل الأنثروبوسين، وفي تصويت 29 مقابل 4 في عام 2019، وافقت المجموعة على التوصية بأنّ الأنثروبوسين بدأ في منتصف القرن العشرين، وذلك عندما بدأ عدد السكّان والنشاط الاقتصاديّ وانبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ في الارتفاع في جميع أنحاء العالم، تاركًا آثار لا تُمحى: نظائر البلوتونيوم من الانفجارات النوويّة، والنيتروجين من الأسمدة، والرماد من محطّات الطاقة.

يحتاج الأنثروبوسين، مثله مثل جميع الفواصل الزمنيّة الجيولوجيّة الأخرى تقريبًا، إلى تحديد موقع ماديّ معيّن، يُعرف باسم "السنبلة الذهبيّة"، حيث يحدّد سجلّ الصخور بوضوح من الفترة التي سبقته.

وبعد هذه "المطاردة" التي استمرّت لسنوات، انتهت مجموعة العمل من التصويت على تسعة مواقع مرشّحة لعصر الأنثروبوسين، وهي تمثّل مجموعة من البيئات التي يتمّ فيها حفر التأثيرات البشريّة: مستنقع من الخثّ في بولندا، وجليد شبه جزيرة أنتاراكتيكا، وخليج في اليابان، وشعاب مرجانيّة قبالة سواحل لويزيانا، وبحيرة كروفورد في أونتاريو في كندا.

لا يزال عدد كبير من العلماء غير متأكّدين من أنّ قطع منتصف القرن العشرين يبدو منطقيًّا. إنّه حديث يشكّل إحراجًا علميًّا على الأقلّ، خاصّة بالنسبة لعلماء الآثار والأنثروبولوجيا الذين سيتعيّن عليهم البدء في الإشارة إلى القطع الأثريّة للحرب العالميّة الثانية على أنّها "ما قبل الأنثروبوسين". وقد يساعد استخدام الثورة الصناعيّة في هذا التعريف، إلّا أنّه لا يزال يستبعد آلاف السنين من التغيّرات التي تطرأ على كوكب الأرض من الزراعة وإزالة الغابات.

دعوة للانتباه

قالت نعومي أوريسكس، وهي عضوة في مجموعة العمل هذه، إنّ تقنين الأنثروبوسين هو دعوة للانتباه للجيولوجيا، ولكن أيضًا للعالم الأوسع. وتابعت "لقد نشأت في جيل تعلمنا فيه أنّ الجيولوجيا انتهت عندما ظهر الناس…"، وأعلنت الأنثروبوسن أنّ التأثير البشريّ هو جزء من الجيولوجيا كعلم، علينا أن ندرك أنّ تأثيرنا على الكوكب أبعد من مستوى السطح". لكنّ الدكتور جيبارد من جامعة كامبريدج، يخشى أنّه من خلال إضافة الأنثروبوسين إلى المقياس الزمنيّ الأنثروبولجي، قد تقلّل بالفعل من أهميّة المفهوم. إذ تفرض القواعد الصارمة للجدول الزمنيّ المجموعة على فرض نقطة انطلاق واحدة على قصّة مترامية الأطراف. ويجادل هو وآخرون، بأنّ الأنثروبوسين يستحقّ تسمية جيولوجيّة أكثر مرونة. وقال الجيولوجي والمدير السابق لمتحف نورث كارولينا للعلوم الطبيعيّة، إملين كوستر، إنّ مصطلح الأنثروبوسين يستخدم بالفعل على نطاق واسع من قبل الباحثين عبر التخصّصات العلميّة، بحيث لا ينبغي للجيولوجيّين إجباره على تعريف ضيّق للغاية. وقال عن عمل اللجنة "لقد رأيته دائمًا ليس كمشروع جيولوجيّ داخليّ، ولكن بالأحرى كان يمكن أن يكون مفيدًا للغاية، للعالم بأسره".

التعليقات