وكالة الفضاء الأوروبيّة تفتّش عن حياة على كوكب المشتري

سيستكشف "جوس" نظام المشتري، أي الكوكب العملاق نفسه وأقماره الرئيسيّة، وهي البركانيّ آيو والأقمار الثلاثة المتجمّدة المواكبة له أوروبا وغانيميد وكاليستو، علمًا أنّ مسبارات أخرى سبق أن مهّدت الطريق لهذه المهمّة، من بينها "غاليليو" و"جونو"

وكالة الفضاء الأوروبيّة تفتّش عن حياة على كوكب المشتري

(Getty)

أعلنت وكالة الفضاء الأوروبيّة، أنّها ستطلق مسبارها الفضائيّ "جوس" في رحلة تستمرّ لمدّة ثماني سنوات، إلى كوكب المشتري. وتسعى الوكالة في هذه الرحلة إلى معرفة ما إذا كان ثمّة بيئة صالحة للحياة على الكوكب العملاق.

وأوضحت مديرة المشروع لدى مجموعة "أريان إسباس" فيرونيك لوازيل في مؤتمر صحافيّ أنّ المسبار الّذي يزيد وزنه عن ستّة أطنان، وصمّمته شركة "إيرباص" بأدواته العلميّة العشر، سيدفع إلى علوّ 1500 كيلومتر قبل نقله إلى المدار.

وسيتمكّن "جوس" من مواصلة رحلته مستفيدًا من الجاذبيّة، معوّلًا على استخدام قوّة جذب الكواكب الأخرى، بما يشبه تقنيّة المنجنيق. فهو سيحلّق أوّلًا فوق القمر والأرض، ثمّ فوق كوكب الزهرة سنة 2025، ثمّ فوق الأرض مجدّدًا سنة 2029، قبل أن يتوجّه نحو عملاق النظام الشمسيّ وأقماره الجليديّة الّتي اكتشفها غاليليو قبل 400 عام.

ويتمثّل التحدّي الآخر في تمكين "جوس" من الحفاظ على الطاقة، إذ إنّ ضوء الشمس أضعف بخمس وعشرين مرّة ممّا هو على الأرض. ومن هنا جهّز بألواح شمسيّة تبلغ مساحتها الإجماليّة 85 مترًا مربّعًا، أي ما يعادل حجم ملعب لكرة السلّة، توخّيًا لتخزين "أقصى قدر من الفوتونات".

ومن المقرّر أن يقلع صاروخ "أريان 5" من قاعدة كورو في غويانا الفرنسيّة الخميس في رحلته ما قبل الأخيرة (يحلّ مكانه "أريان 6") حاملًا المسبار الّذي يتألّف اسمه من الأحرف الأولى لعبارة "مستكشف أقمار المشتري الجليديّة" (Jupiter Icy Moons explorer).

وتبدأ عندها رحلة "جوس" الّذي يتوقّع أن يصل سنة 2031 إلى وجهته النهائيّة الواقعة على بعد نحو 628 مليون كيلومتر من الأرض. وستكون رحلة المسبار طويلة ومتعرّجة؛ لأنّه لا يمتلك طاقة كافية للوصول إلى المشتري عبر مسار مباشر.

وستتفاوت الحرارة الّتي سيكون المسبار موجودًا فيها خلال رحلته، إذ تبلغ 250 درجة فوق الصفر لدى مروره فوق كوكب الزهرة في مقابل 230 درجة تحت الصفر حول كوكب المشتري، على ما شرحت كارول لاريغودري، رئيسة مشروع "جوس" في المركز الوطنيّ الفرنسيّ لدراسات الفضاء. ممّا استلزم تجهيزه بغطاء عازل متعدّد الطبقة يكفل حفظ أدواته في درجة حرارة ثابتة.

ولدى الوصول إلى وجهته بعد أن يكون اجتاز مسافة ملياري كيلومتر، ينبغي أن يدخل "جوس" مدار كوكب المشتري عن طريق عمليّة كبح محفوفة بالمخاطر.

وسيستكشف "جوس" نظام المشتري، أي الكوكب العملاق نفسه وأقماره الرئيسيّة، وهي البركانيّ آيو والأقمار الثلاثة المتجمّدة المواكبة له أوروبا وغانيميد وكاليستو، علمًا أنّ مسبارات أخرى سبق أن مهّدت الطريق لهذه المهمّة، من بينها "غاليليو" و"جونو".

وقال المدير العلميّ لمشروع "جوس" في وكالة الفضاء الأوروبّيّة أوليفييه ويتاس إنّه "نظام شمسيّ مصغّر ستتيح دراسته تعزيز فهم كيفيّة تشكّل النظام الشمسيّ" الّذي تتبّع له الأرض.

وسيكون الطقس والمجالات المغناطيسيّة، وترابط الأقمار بعضها ببعض من المعلومات الّتي ستساعد "جوس" في مهمّته الرئيسيّة، وهي العثور على بيئات صالحة للسكن، أيّ مؤاتية لأشكال الحياة.

ويركّز المسبار على غانيميد، أكبر أقمار المجموعة الشمسيّة، والوحيد أيضًا الّذي يمتلك مجالًا مغنطيسيًّا خاصًّا به يحميه من الإشعاع. ومن المقرّر أن يدخل "جوس" مدار غانيميد سنة 2034، وهو ما سيكون سابقة.

والمعطيات المتوافرة عن غانيميد تجعله، كما أوروبا، من أفضل الأقمار الّتي يمكن درس إمكان قابليّتها للسكن. وقال عالم الكواكب في المركز الوطنيّ الفرنسيّ لدراسات الفضاء "هذا لا يعني أنّنا سنجد حياة عليه، لكنّنا نريد أن نعرف ما إذا كان وجودها عليه ممكنًا".

ويفترض أن تتيح الأدوات الّتي زوّدت إيّاها المركبة (كالكاميرا البصريّة ومقياس الطيف التصويريّ والرادار ومقياس الارتفاع ومقياس المغنطيسيّة، وسواها) تحديد مواصفات هذا المحيط لمعرفة ما إذا كان يمكن أن يؤوي أشكالًا من الحياة. وقال فرانسيس روكار "ليست لدينا فكرة" عن أيّ واحد من هذه الأشكال قد يكون وجوده ممكنًا. ولكن من خلال الاستقراء ممّا هو معروف عن الحياة الأرضيّة في البيئات القاسية، يعتقد العلماء أنّ من الممكن وجود كائنات حيّة دقيقة بدائيّة كالبكتيريا.

وستسكمل البيانات الّتي سيجمعها "جوس" بواسطة مسبار "يوروبا كليبر" التابع لوكالة الفضاء الأميركيّة "ناسا" والّذي سيرسل هو الآخر سنة 2024 لدرس القمر أوروبا.

ويشكّل "جوس" الّذي بلغت تكلفته الإجماليّة 1,6 مليار يورو، أوّل مهمّة أوروبّيّة تدخل النظام الشمسيّ الخارجيّ الّذي يبدأ بعد المرّيخ.

ويأتي إطلاق المسبار في خضمّ أزمة صواريخ فضائيّة تعانيها أوروبا، إذ لم تعد لديها تقريبًا القدرة على إجراء رحلات مستقلّة إلى الفضاء، نظرًا إلى سحب صواريخ "سويوز" الروسيّة من كورو، وتأخّر "أريان 6" وفشل رحلة "فيغا" التجاريّة الأولى.

التعليقات