رحلة البحث عن حياة خارج الأرض: محاولات لا تتوقّف

منذ فترة طويلة، يعدّ كوكب المرّيخ نقطة حوريّة في مجال استكشاف الفضاء بسبب ما يشترك فيه مع الأرض وقدرته على استضافة علامات على الحياة

رحلة البحث عن حياة خارج الأرض: محاولات لا تتوقّف

(Getty)

تعتبر عمليّة استكشاف الفضاء مستمرّة منذ عشرات آلاف السنين، في محاولة الإنسان لاكتشاف أسرار الكون، ومنذ بداية وجود الإنسان، أثار هذا الكون شعورًا بالدهشة والمجهول، ليصبح البحث في أسرار الفضاء هدفًا متواصلًا، محرّكًا بالفضول الإنسانيّ، وفي الأعوام الأخيرة، سمحت التقدّمات الكبيرة في التقنيّات بإنجاز مهامّ استكشاف غير مسبوقة للأجرام السماويّة والبحث عن حياة خارج كوكب الأرض، ممّا دفع بحدود فهمنا إلى مستويات جديدة.

ومنذ فترة طويلة، يعدّ كوكب المرّيخ نقطة حوريّة في مجال استكشاف الفضاء بسبب ما يشترك فيه مع الأرض وقدرته على استضافة علامات على الحياة، حيث تمّ إرسال العديد من البعثات في الأعوام الأخيرة لتجميع البيانات وكشف أسرار هذا الكوكب الفريد من نوعه، ومن بين تلك المهامّ، تعدّ مهمّة مختبر علوم المرّيخ (MSL) التابع لإدارة الطيران والفضاء الأميركيّة، والّتي أطلقت مركبة جوّالة بمسمّى كيوريوسيتي سنة 2012، إذ لعب الفضول دورًا كبيرًا في دراسة جيولوجيّة المرّيخ والمناخ وإمكانيّة السكن، وقدّمت المركبة الجوّالة نتائج هامّة حول الماضي القديم للمرّيخ، بما في ذلك أدلّة على وجود المياه وموادّ بناء للحياة.

وتعتبر مهمّة المرّيخ 2020 واحدة من التطوّرات المهمّة في استكشاف المرّيخ، وتمّ تسليم المركبة المتجوّلة المثابرة إلى سطح الكوكب في فبراير 2021، وتهدف هذه المهمّة إلى البحث عن أدلّة على وجود حياة جرثوميّة قديمة، وجمع عيّنات لإرجاعها إلى الأرض في المستقبل، وتمهيد الطريق لاستكشاف المرّيخ بشكل بشريّ، وتمّ تجهيزها بأدوات حديثة، مثل تجربة استخدام موارد المرّيخ بالأكسجين (MOXIE)، الّتي تهدف إلى إنتاج الأكسجين من الغلاف الجوّيّ للمرّيخ. وهذه التكنولوجيا يمكن أن تمكّن روّاد الفضاء من توليد الوقود الصاروخيّ والأكسجين اللازم للتنفّس خلال المهمّات المأهولة في المستقبل.

أحد الأسئلة المثيرة للاهتمام في مجال استكشاف الفضاء بحسب باحثين، هو ما إذا كانت الحياة موجودة في أماكن أخرى خارج الأرض، ويشارك العلماء بشكل فعّال في البحث عن حياة خارج الكوكب باستخدام طرق مختلفة لاكتشاف البيئات الصالحة للسكن وعلامات النشاط البيولوجيّ، حيث استحوذ اكتشاف الماء السائل على قمر المشتري "يوروبا" على اهتمام كبير، وهو ما دفع وكالة ناسا لإطلاق مهمّة "أوروبا كليبر" للتحقيق في أمر هذا القمر الجليديّ وتقييم إمكانيّة سكنه، حيث تجري الأبحاث على دراسة تفاعلات الماء مع الداخل الصخريّ للحصول على رؤى قيمة حول إمكانيّة وجود الحياة.

وتركّزت الدراسات على الكواكب الخارجيّة، أي تلك الّتي تقع خارج نظامنا الشمسيّ، كجزء أساسيّ من البحث عن أيّ شكل من أشكال الحياة خارج كوكب الأرض، حيث شكّلت مهمّة "كبلر"، الّتي طبّقتها وكالة الفضاء الأميركيّة "ناسا" عام 2009، نقطة تحوّل في فهمنا للكواكب الخارجيّة، حيث تمّ اكتشاف آلاف الكواكب من خلال المركبة الفضائيّة "كبلر" باستخدام تقنيّة القياس الضوئيّ العابر، الّذي وفّر الفرصة للعلماء في تحديد الأحجام والمدارات لتلك الكواكب خارج نظامنا الشمسيّ، وحصلت درجات أعلى في تفاصيل هذه الكواكب البعيدة من خلال الملاحظات الّتي تمّ إجرائها باستخدام التلسكوبات الأرضيّة، ومن المحتمل أن تكون بعض تلك الكواكب ظروفها مناسبة لوجود أشكال من الحياة المعروفة لدينا.

ولعب التطوّر التكنولوجيّ دورًا حاسمًا في تيسير استكشاف الفضاء لتحقيق آفاق جديدة، على سبيل المثال، فإنّ استخدام أنظمة الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، مثل صاروخ سبيس إكس فالكون 9 وفالكون هيفي، أحدث ثورة في هذا المجال، عن طريق ارتفاع وإزالة المرحلة الأولى من الصاروخ، حيث أنّ تكلفة إطلاق الحمولات إلى الفضاء انخفضت بشكل كبير، وتمّ فتح إمكانيّات جديدة للرحلات بأسعار معقولة ويغذّي ذلك التوسّع نحو تحقيق نقل بشريّّ طويل الأمد إلى كواكب منظومتنا الشمسيّة.

بالإضافة إلى ذلك، أدّى ظهور الأقمار الصناعيّة المصغّرة المعروفة باسم كيوب سات إلى تحقيق المساواة في الوصول إلى استكشاف الفضاء، حيث تعتبر هذه الأقمار الصناعيّة الصغيرة الّتي يتراوح حجمها بين عادة 10 سم × 10 سم × 10 سم فعّالة من حيث التكلفة ويمكن نشرها في أبراج للأغراض المتعدّدة، وهي تتيح للعلماء والباحثين إجراء التجارب العلميّة ورصد بيئة الأرض والاستكشاف الفضائيّ السحيق بتكلفة محدودة، كما تسهّل هذه التكنولوجيا المبادرات التعليميّة، وتتيح للطلّاب والجامعات المشاركة الفعّالة في مهامّ الفضاء، واكتساب الخبرة العمليّة في هذا المجال.

التعليقات