اللاتخطيط والتمدد العمراني يهدد مسطحات مائية وخضراء.. كشمير نموذجا

ساهمت الحكومة والشعب في الوصول إلى الوضع الحالي المزري لبراري نامبال، ففي سريناغار وضواحيها على وجه الخصوص، اختفى أكثر من 50 بالمئة من المسطحات المائية خلال القرن الماضي، وفقا لدراسة أجراها العالمان همايون رشيد، وجوهر نسيم من إدارة البيئة والاستشعار

اللاتخطيط والتمدد العمراني يهدد مسطحات مائية وخضراء.. كشمير نموذجا

(Getty images)

من حين لآخر، تتذكر موغلي صديق (88 عاما) بحنين، الأيام التي كانت عائلتها تستقل فيها قاربا من بلدة "براري نامبال" في مدينة سريناغار القديمة بالجزء الخاضع للهند من إقليم كشمير، في رحلة إلى بحيرة "دال" الشهيرة في المنطقة.

كان القارب يمر عبر شبكة من الممرات المائية المترابطة قبل أن يصل إلى وجهته، ولكن الأمر اختلف حاليا، حيث ما تزال بقايا الطريق المائي موجودة، لكن رحلات القوارب توقفت منذ عقود.

تحولت "براري نامبال" من مسطح مائي مترامي الأطراف وصالح لركوب القوارب، إلى بضعة أفدنة من المياه الراكدة الملوثة المحاطة بالطرق والمباني السكنية والتجارية غير المنظمة وغير القانونية.

الحكومة والشعب ساهما في المشكلة

ساهمت الحكومة والشعب في الوصول إلى الوضع الحالي المزري لبراري نامبال، ففي سريناغار وضواحيها على وجه الخصوص، اختفى أكثر من 50 بالمئة من المسطحات المائية خلال القرن الماضي، وفقا لدراسة أجراها العالمان همايون رشيد، وجوهر نسيم من إدارة البيئة والاستشعار عن بعد التابعة للحكومة.

واستندت الدراسة إلى تحليل خريطتين من عامي 1911 و2000، حيث تقول الدراسة إن الأراضي الرطبة مثل باتامالو نامبال، وراخي خان خان بالمدينة المذكورة ، إلى جانب أنهار دودغانغا ونالا مار "فقدت بالكامل، في حين شهدت البحيرات والأراضي الرطبة الأخرى انكماشا كبيرا خلال القرن الماضي".

تعد "باتامالو نامبال" واحدة من أكبر الأماكن السكنية في المنطقة، والتي تضم أيضا مكاتب حكومية.

مدينة بارامولا (Getty images)

كما تسببت مجمعات التسوق التي بنتها الحكومة، وغيرها من المباني التي أنشأها الناس في المنطقة في تقليص حجم نهر دودغانغا إلى ممر مائي صغير.

وقامت الحكومة أيضا بردم قناة "نالا مار" الشهيرة، والتي كانت ذات يوم تشبه قنوات البندقية المائية (في إيطاليا)، لغرض بناء طريق، وهو أحد العوامل المساهمة في الموت البطيء للأراضي الرطبة في "براري نامبال".

تهديد عمراني

قال حسن مختار، خبير التخطيط والتنمية الحضرية الذي تلقى تدريبه في الولايات المتحدة، إن "تطويق المسطحات المائية من خلال إنشاءات غير منظمة أو غير قانونية تسبب في اختفاء الأراضي الرطبة والمسطحات المائية الأخرى".

وأوضح للأناضول أن "تراكم الطمي (تربة قابلة للتفتت) وانسداد قنوات التوزيع الطبيعية للمياه، تعد من الأسباب الأكثر شيوعا أيضا لاختفاء المسطحات المائية".

بدأ التوسع العمراني في هذه المناطق في سبعينيات القرن الماضي، لكنه ارتفع منذ أواخر الثمانينيات تزامنا مع اندلاع التمرد المناهض للهند.

نمت مدينة سريناغار 12 مرة من حيث عدد السكان، و23 مرة من حيث المساحة بين عامي 1901 و2011، وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة "رؤساء البلديات" عام 2011، الذي صنّف المدينة بأنها "واحدة من أسرع 100 منطقة حضرية نموا في العالم".

سوء إدارة

وقال أطهر بارفيز، الصحافي والباحث الكشميري البارز المتخصص في المواضيع البيئية، إن "الدراسات الحديثة كشفت أن الأراضي الرطبة تختفي أو تفقد مساحتها في أجزاء مختلفة من العالم، وخاصة في البلدان النامية".

وأضاف للأناضول أن "التحضر الهائل في المنطقة في العقود الأخيرة ساهم إلى حد كبير في تدهور الأراضي الرطبة وانخفاض حجمها وحتى انقراض الأراضي الرطبة الأصغر حجما في كشمير".

وأوضح بارفيز أن "كل هذا نتيجة سوء الإدارة (كما هو الحال في مناطق النزاع) حيث لا تلقى غالبية المدن الصغيرة والمناطق الريفية سوى القليل أو لا شيء من الاهتمام، من حيث إمكانية الوصول إلى البنية التحتية الصحية والتعليمية المناسبة".

ونتيجة لذلك، "استقبلت سريناغار جميع المهاجرين تقريبا من المناطق الريفية، ما خلق الكثير من الضغط على أصولها البيئية مثل الأراضي الرطبة"، يضيف بارفيز.

أبطال مجهولون

يوجد في كشمير 3813 من الأراضي الرطبة والمسطحات المائية، تساهم في دعم مصائد الأسماك والمنتجات الغذائية وإمدادات المياه العذبة وتنظيم الفيضانات وإعادة تغذية المياه الجوفية وتوفير أماكن لعيش الطيور المهاجرة والحياة البرية وتنظيم تغير المناخ العالمي.

ووفقا لدراسة أجرتها منظمة الأراضي الرطبة الدولية، تعتمد 32 ألف أسرة، بينها 2300 أسرة تعمل في صيد الأسماك، على بحيرة "وولار"، وهي أكبر بحيرة للمياه العذبة في كشمير وواحدة من أكبر البحيرات في آسيا.

وأدى فقدان المستجمعات المائية إلى تفاقم تأثير الفيضانات المدمرة التي ضربت كشمير عام 2014، والتي وصفت بأنها "الأسوأ خلال المائة عام الماضية"، حيث ظلت العديد من المناطق السكنية، وخصوصا في "باتامالو نامبال"، مغمورة بمياه الفيضانات لمدة شهر تقريبا.

ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن الأراضي الرطبة التي تشمل الأهوار والأراضي الخثية (أحواض) تعد بمثابة "الأبطال المجهولين في أزمة المناخ".

وتقول المنظمة الأممية إن تلك المسطحات المائية "تخزن كمية من الكربون أكبر من أي نظام بيئي آخر، حيث تخزن الأراضي الخثية وحدها ضعف ما تخزنه جميع غابات العالم".

وأضافت أن "النظم البيئية للأراضي الرطبة الداخلية تمتص أيضا المياه الزائدة وتساعد على منع الفيضانات والجفاف، وهو ما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أمر بالغ الأهمية لمساعدة المجتمعات على التكيف مع تغير المناخ".

وبموجب الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة "تلتزم جميع البلدان بحماية الأراضي الرطبة واستعادتها بحلول عام 2030"، حيث يلعب برنامج الأمم المتحدة للبيئة دورا خاصا في المساعدة على رصد هذا الهدف وتحقيقه.

وفي عام 2015، أعلنت الأمم المتحدة 17 هدفا للتنمية المستدامة، في خطة قالت إنها تسعى "لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع، حيث تتصدى هذه الأهداف للتحديات العالمية المتعلقة بالفقر وعدم المساواة والمناخ وتدهور البيئة والازدهار والسلام والعدالة".

صعوبات وحلول

وفي كشمير، يقول الخبراء إن "استعادة غالبية الأراضي الرطبة أصبحت صعبة للغاية بسبب الإنشاءات المحيطة بها، وما يمكن للسلطات التركيز عليه هو الحماية" فقط.

فعلى سبيل المثال، مساحة منطقة "هوكرسار" الرطبة، والتي تعد موطنا لعشرات الآلاف من السكان والطيور المهاجرة، تقلصت من 18.75 كيلومترا مربعا في عام 1969 إلى 13 كيلومترا مربعا في 2008، وفقا لدراسة أجراها شاكيل رومشو، الرئيس السابق لقسم علوم الأرض بجامعة كشمير.

وقامت الحكومة مؤخرا بإزالة الإنشاءات غير القانونية في المنطقة، وبنت سدا حولها لإنشاء حاجز بين المستوطنات السكنية القريبة والأراضي الرطبة.

كما قام الناس بزراعة مساحات كبيرة من الأراضي المستنقعية داخل وحول الأراضي الرطبة الأكبر حجما، وفي انتهاك لقوانين الأراضي، قام البعض بردم جزء الأراضي وإقامة المباني عليها، وهو ما قد يستغرق وقتا طويلا لإزالتها بالطرق القانونية.

ترى انتصار سهيل، المسؤولة بإدارة الحياة البرية، التي تشرف على ثمانية أراضي رطبة رئيسية في كشمير، أن "التحضر في جميع أنحاء العالم يضع ضغطا على الأراضي الرطبة".

وأوضحت للأناضول أنه "من الممكن بالتأكيد إبطاء تأثيرات تلك الضغوط على الأراضي الرطبة، أو القضاء عليها تماما".

وتابعت: "إزالة الطمي والرواسب الناعمة بشكل مناسب ومكافحة الفيضانات واتخاذ تدابير مكافحة التعدي على الأراضي، جميعها إجراءات تساهم في الحفاظ على الأراضي الرطبة".

التعليقات