الثقوب السوداء وابتلاع الزمن

يحاط الثقب الأسود بمنطقة تسمى أفق الحدث لا يمكن لأي شيء الهروب منها، حيث يكون هناك تأثيرا قويا على أي جسم يعبر تلك المنطقة، وهو ما يعجز العلماء عن تفسيره، كونهم لا يملكون الإمكانيات والوسائل التي تمكنهم من معرفة ما يحدث تحديدا، وهذا هو

الثقوب السوداء وابتلاع الزمن

تعتبر الثقوب السوداء المنتشرة في جميع أنحاء الكون واحدة من أكثر الظواهر غموضا وإثارة لعقول العلماء، والتي لا تزال تسبب لهم الحيرة، نتيجة عدم تمكنهم من فهم جميع ألغازها، واحتوائها على الكثير من الأسرار التي ارتبطت باختصار الزمان والمكان، والعبور من زمن إلى آخر.

يمثل الثقب الأسود منطقة من الفراغ، تختل فيها الأبعاد الأربعة من الطول والعرض والارتفاع والزمان، وتتميز هذه المنطقة بجاذبيتها القوية التي لا يمكن لأي شيء مهما كان حرفيا الهروب منها، بما فيها جميع أنواع الجسيمات وجميع المجالات الكهرومغناطيسية، وقد وصفت النظرية النسبية هذا الأمر، بأن هناك كتلة كبيرة جدا انهارت بشدة على نفسها بفعل جاذبيتها، لتنضغط إلى حجم ضئيل جدا مسببا تشوها في الزمان والمكان حولها.

يحاط الثقب الأسود بمنطقة تسمى “أفق الحدث” لا يمكن لأي شيء الهروب منها، حيث يكون هناك تأثيرا قويا على أي جسم يعبر تلك المنطقة، وهو ما يعجز العلماء عن تفسيره، كونهم لا يملكون الإمكانيات والوسائل التي تمكنهم من معرفة ما يحدث تحديدا، وهذا هو أول الألغاز.

الثقوب السوداء لها أحجام مختلفة، وتقول وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” إنه كما توجد ثقوب سوداء ضخمة جدا كالثقب الموجود في قلب مجرتنا، فإن هناك ثقوب سوداء صغيرة أيضاً، تصل إلى حجم الذرة، وتنقسم الثقوب السوداء بحسب علماء الفضاء إلى ثلاثة أنواع: “الثقب البدائي”، وهو أصغرها ويتراوح ما بين حجم الذرة إلى حجم الجبل، وهناك الثقوب السوداء “النجمية” وهي الأكثر انتشارا والأكثر شهرة، والتي يصل حجم الواحد منها إلى 20 مرة حجم الشمس، والنوع الأخير هو النوع الأكبر وتسمى “الثقوب العملاقة” والتي تتواجد في مركز المجرات، حيث يعتقد العلماء أن كل مجرة من مجرات الكون تحوي في مركزها أحد هذه الثقوب السوداء العملاقة، إلا أنهم لا يعلمون كيفية ولا طريقة تشكل هذه الثقوب العملاقة، وتشير الدراسات إلى أن أقرب ثقب أسود إلى كوكب الأرض يبعد عنها ما بين 1600 إلى 20 ألف سنة ضوئية.

ويرجح العلماء أن مجرتنا “درب التبانة” تحوي ثقبا أسود في مركزها، وهو ضخم إلى حد أنه أكبر من الشمس بمقدار 4 مليون مرة تقريبا، ويرجع إليه الفضل في وجود المجرة وتماسكها، فكما أن الأقمار تدور حول الكواكب بفعل الجاذبية، والكواكب تدور حول النجوم بفعل جاذبيتها، فالنجوم والمجموعات الشمسية كلها تدور حول مركز المجرة نتيجة وجود هذا الثقب الأسود.

وعن كيفية تكون الثقوب السوداء، يوضح د. محمد عبد الوهاب الأستاذ بقسم علوم الفلك والفضاء بجامعة القاهرة، أن أي نجم يتكون من سحابة من غاز الهيدروجين وبعض الهيليوم تبدأ بالتجمع حول نفسها ثم الدوران حول نفسها، ونتيجة لهذا التكثف، يزداد الضغط في نواة النجم تدريجيا، ومن ثم يسخن الغاز الموجود بالنواة بشدة ويصبح حارا إلى الدرجة الكافية لتندمج ذرات الهيدروجين وتكون ذرات هيليوم فيما يعرف بالاندماج النووي، ونتيجة لهذا التفاعل، فإن النجم يتمكن من توليد ضغط باتجاه الخارج يمنعه من الانهيار على نفسه بفعل الجاذبية التي تنشأ في نواته، لافتاً إلى أنه عندما ينفذ وقود النجم من الهيدروجين، يبدأ باستخدام الهيليوم نفسه في تفاعلات نووية اندماجية لتكوين الكربون وصولا إلى النيكل والحديد، وبالوصول إلى هذه المرحلة يصبح النجم غير قادر على دمج أنوية هذه العناصر الكبيرة، فيبدأ  في الانهيار على نفسه، ويتحول إلى “سوبرنوفا”، والتي تتحول في الغالب إلى الثقب الأسود، فانفجار “السوبرنوفا” يعني انهيار نواة النجم على نفسها وانفجار بقية النجم، مشيراً إلى أن النجوم التي تكون الثقوب السوداء غالبا ما تكون أكبر من الشمس بثلاثة أضعاف على الأقل، وتابع عبدالوهاب: إذا ما كانت النجوم كثيفة فستتحول لنجوم نيوترونية، وهي أجسام شديدة الكثافة، وعند تكونها تبدأ الإلكترونات والبروتونات بالتحول لنيوترونات يمكنها تحمل الضغط الهائل الموجود في النواة، لكن ما زيادة كثافة النجم، فإن النيوترونات لا يمكنها الصمود أمام الضغط الهائل الذي تتعرض له، فينهار الجسم بكل ما فيه من جسيمات مكونا ثقبا أسود ذا جاذبية رهيبة.

ويضيف د. صلاح عز، أستاذ هندسة الطيران والفضاء بجامعة القاهرة: الثقوب السوداء ليست فراغا كما يعتقد البعض، بل العكس تماما هو الصحيح، فالثقوب السوداء عبارة عن تركيز هائل للكتلة، بمعنى أنها تحوي مادة ومشغولة أكثر من أي مكان آخر، لافتاً إلى أن الثقوب السوداء تكبر مع مرور الزمن، فكلما ابتلعت المزيد من الأجرام كلما زاد حجمها. وربما يكون هذا هو أحد التفسيرات المحتملة للثقوب السوداء العملاقة الموجودة في مركز المجرة. وأشار عز إلى أن السرعة التي تجذب بها الثقوب السوداء عند منطقة أفق الحدث، هي سرعة أعلى من سرعة الضوء نفسها، وبالتالي يتم امتصاص الضوء، حتى أنه يفقد خاصيته المتعلقة بأن يسير في خطوط مستقيمة لينحني تجاه الثقب الأسود.

أحد أكبر الألغاز التي يحاول العلماء فهمها، هي ما الذي سيحدث لشخص يبتلعه ثقب أسود، وهل بالفعل هذه الثقوب هي مسارات دودية تختصر المسافة والزمن؟ وهو ما يفسره د. أشرف عويس المتخصص في ديناميكا الفضاء، بأنه إذا ما سقط شخص داخل ثقب أسود، فإنه سيلاحظ تباطؤا شديدا في الوقت، وبشكل أكثر دقة، فإنه لن يلاحظ تغيرا في الوقت، على خلاف الشخص الموجود خارج الثقب الأسود، والذي سيلاحظ مرور الوقت الخاص بالشخص داخل الثقب الأسود، بمعنى أنه إذا دخل شخص إلى ثقب أسود ومر عليه دقائق، ثم ذهب لكوكب الأرض فسيلاحظ مرور سنوات كاملة، ما يفسر قدرة الثقوب السوداء على اختصار الزمن.

اقرأ/ي أيضًا| 20 عامًا تفصل الإنسان عن العيش بالمريخ

التعليقات