"ثورة" الطبيعة: تغيرات المناخ تتلاعب بمدغشقر

جنوبٌ يغرق في الأمطار رغم أنه إلى وقت قريب كان يواجه شبح المجاعة جراء الجفاف، وشمالٌ يواجه كارثة إنسانية جراء مرور إعصار، في حين يعاني الوسط من جفاف حادّ.

(pixabay)

جنوبٌ يغرق في الأمطار رغم أنه إلى وقت قريب كان يواجه شبح المجاعة جراء الجفاف، وشمالٌ يواجه كارثة إنسانية جراء مرور إعصار، في حين يعاني الوسط من جفاف حادّ.

توليفةٌ متضاربةٌ من الأحوال الجوية تعيشها مدغشقر، مؤخرًا، منحت سكانها قناعة بأن العالم ينقلب رأسًا على العقب من حولهم.

تغيّراتٌ مناخية خلفّت تباينات فجّة بين المناطق الملغاشية، لتصبح شبيهة بمقاطعات منفصلة، بعضها يعاني الجفاف والبعض من الأمطار الغزيرة والبعض الآخر من الأعاصير.

وفي 7 آذار/ مارس الجاري، أسفر إعصار "إنداو" الاستوائي الذي ضرب المناطق الشمالية قبل أن يصل إلى سائر أنحاء البلاد، مرورًا بالعاصمة أنتاناناريفو، عن مصرع 78 شخصًا، وإصابة 250، وتضرر 394 ألف و114، كما أجبر 246 ألف و987 آخرين على النزوح جراء الانهيارات الأرضية، فيما أعلن 18 في عداد المفقودين.

حصيلةٌ ثقيلةٌ، غير أنها، في الواقع، ليست أسوأ من حصيلة إعصار "جيوفانا" الذي ضرب البلاد في 2012، وخلّف 112 قتيلا و90 ألف منكوب.

فمدغشقر، هذه الدولة الجُزرية الواقعة في المحيط الهندي قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لأفريقيا، تشهد موسمين؛ موسم بارد وجاف، من 15 نيسان/ أبريل إلى 15 تشرين الأول/ أكتوبر، وآخر ممطر وساخن، من 15 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 15 نيسان/ أبريل، تتخللهما مواسم متقلّبة.

ومع أن أنتاناناريفو متعوّدة، سنويا، على هطول الأمطار طوال شهر كانون الثاني/ يناير، إلا أنها تشهد، خلافا للمتوقع، منذ مطلع العام الجاري ندرة في الأمطار، ما فاقم المخاوف من استفحال موجة الجفاف إلى المدينة.

غير أن ما بعث ببعض الطمأنينة في نفوس سكان العاصمة هو أنّ حلول شباط/ فبراير الماضي، رافقته أمطار متفرّقة، غير أنها سرعان ما احتدّت وتيرتها لتمنح شارة انطلاق موسم الأعاصير الذي تشهده البلاد حاليا.

ولأنّ الأمطار حين تدخل دائرة الأعاصير تصبح ضارة بالنسبة للأرض والإنسان على حدّ السواء، فإنّ هطولها لم يستبعد سيناريو عودة الجفاف من جديد.

ففي 10 كانون الثاني/ يناير الماضي، سادت المدينة حالة من الذعر عقب إعلان نائب المدير التنفيذي لـ "شركة المياه والكهرباء في مدغشقر"، أن سكان المدينة مهدّدون بنقص فادح في مياه الشرب.

تصريح قلب الدنيا بالمدينة، قبل أن يحاول من الغد، وزير المياه الملغاشي، رولاند رافاتومانغا، على أثير الإذاعة الرسمية في البلاد، تخفيف وطأته، بالقول إنه تم اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لمواجهة أي طارئ.

وتعقيبا عن الموضوع، اعترفت المديرة التنفيذية للأرصاد الجوية في مدغشقر، صامويلين راهارفيلواريميزا، بأنّ بلادها "عرضة لتغيرات مناخية".

فتآكل السواحل الملغاشية أو التعرية البحرية، توضح، يعود إلى الارتفاع التدريجي لمستوى البحر مقارنة باليابسة، واستمرار موسم الجفاف منذ كانون الثاني/ يناير الماضي.

وتابعت أن "موسم الأمطار تأخّر كثيرا هذا العام، وعوض أن يبدأ بين تشرين الثاني/ نوفمبر – كانون الثاني/ ديسمبر، تأخّر إلى نهاية شباط/ فبراير الماضي"، ما يؤكّد أن البلاد تمر بتغيرات مناخية شاملة.

ولفتت راهارفيلواريميزا، إلى أن قسم الأرصاد الجوية في بلادها يتوقّع توجّها نحو ارتفاع درجات الحرارة بدرجة مئوية بحلول 2050، ما يعني أن دورات الأمطار ستتقلّص، أي أن "موسم الأمطار سيكون أقصر"، على حد قولها.

وبما أن تغيّر المناخ يؤثّر على جميع الكائنات الحية، فإن ندرة الأمطار تؤثّر سلبا على مختلف الزراعات، وتخلق نوعا من الاضطراب على دورة الحياة بالنسبة للنباتات.

ولمواجهة الأزمة، أوصت المسؤولة الملغاشية بـ "ضرورة الشروع في إنشاء غطاء غابي، وذلك عبر زرع الأشجار وتحويل بعض المناطق إلى غابات، لمكافحة ظاهرة إزالة الأشجار والتي عادة ما تسرّع من وتيرة التحوّلات المناخية".

ووفق دراسة نشرها، في 2015، "الديوان الملغاشي للبيئة" (حكومي) حول الغطاء الغابي أو المساحات المغطاة بالغابات بالجزيرة الكبيرة، في الفترة الفاصلة من 2005 إلى 2010، بلغ المعدّل السنوي لإزالة الغابات 0.4%.

ومقارنة مع الفترات السابقة، فإن المعدّل شهد تراجعا طفيفا، حيث تراوح بين 0.8% في الفترة الفاصلة بين 1990 و2000، و0.5% من 2000 إلى 2005، بحسب الدراسة.

ووفق البيانات الرسمية، قدّر الغطاء الغابي في مدغشقر، في 2010، بنحو 9 ملايين و220 ألف و40 هكتار.

وخلال الفترة الفاصلة بين 2005 و2010، خسرت الجزيرة الكبيرة، سنويا، حوالي 36 ألف هكتار من غاباتها الطبيعية، بحسب المصدر نفسه.

التعليقات