رحلة إلى ثقب أسود.. حوار مع البروفيسور سليم زاروبي

أصدر بروفيسور سليم زاروبي، مؤخرا، كتاب فيزياء بعنوان "في البدء" باللغة العربية وهذا المميز في الإصدار، ففي علم الفيزياء تحديدا هناك قلة قليلة من المرجعيات الفيزيائية في مكتباتنا العربية.

رحلة إلى ثقب أسود.. حوار مع البروفيسور سليم زاروبي

توضيحية (pixabay)

حصل 3 علماء وخبراء في علم الفيزياء الفلكية لعام 2020 على جائزة نوبل في الفيزياء وهم البريطاني روجر بنروز والألماني رينهارد غنزل والأميركية أندريا غيز، وذلك مكافأة لأبحاثهم حول موضوع الثَّقب الأسود الموجود في مجرتنا "درب التبانة"، وكان البحث بالتعاون بينهم الثلاثة، بنروز حضّر وبحث الجانب النظري للثقب الأسود، أما الآخرين فتكمن أهمية ما عملاه بأنهما رصدا الثَّقب الأسود، صفاته ومقوماته داخل المجرة، بمراقبة حركة النجوم من حوله، كيف تتحرك؟ وذلك بأدوات وتقنيات خاصة. وجرت هذه المراقبة على مرّ عشرات السنوات، حوالي 47 عاما، إذ وجد العلماء خلال الرصد أن النجوم تسير حول مركز معين، وهذا المركز لا يعرف ما هو ولا نراه، ومن خلال المسار للنجوم، عرفوا أن هناك ثقبا أسود بحجم كبير، أكبر من الشمس بمليوني مرة، ومن خلال مسار النجوم عرفوا حجم الجسم وأن هذا الجسم هو الثَّقب الأسود.

وحسب ما حدثنا عالم الفيزياء الفلكية الفلسطيني ابن الناصرة، بروفيسور سليم زاروبي، التي تربطه معرفة شخصية ببعض هؤلاء العلماء، أكد أنهم يستحقون جائزة نوبل، مكافأة لما توصلوا له من معطيات مهمة في مجال الثقوب السوداء والثقب الأسود في مجرتنا.

أصدر بروفيسور زاروبي، حديثًا، كتاب فيزياء بعنوان "في البَدْء" باللغة العربية، وهذا المميز في الإصدار، ففي علم الفيزياء تحديدا هناك قلة قليلة من المرجعيات الفيزيائية في مكتباتنا العربية، ويستطيع القارئ العادي أن يستفيد من المعرفة الفيزيائية المحضة.

"عرب 48": هل يوجد إقبال لتعلم موضوع الفيزياء اليوم؟

بروفيسور سليم زاروبي

بروفيسور زاروبي: ثمة إقبال على موضوع الفيزياء والفلك، وهناك اهتمام كبير به ليس لأنه فلك فقط وممكن أن يكون جذابا وشيقا، بل لأن له تأثيرات وإسقاطات على حياتنا وتصرفاتنا وتفكيرنا، فهو يجيب عن أسئلة وجودية كثيرة للإنسان، حتى على نطاق العالم العربي نجد أن هناك نهضة للفكر العقلاني، العلمي، لأن هناك أيضا ثمة تطرق لكل موضوع الدين.

"عرب 48": الطلاب المميزون، اليوم، يتعلمون الطب والهايتك ومواضيع تطبيقية، ما رأيك؟

بروفيسور زاروبي: صحيح أن الطلاب الأذكياء والمتفوقين يبحثون عن مواضيع مثل الهايتك والطب وغيرها من المواضيع التي تدر عليهم مالا أوفر وتضمن لهم مستقبلا مهنيا مضمونا، ولكن نرى اليوم إقبالا أكثر لتعلم موضوع الفيزياء والفلك. عامل عام وهام نجده في البحث عن تعلم مواضيع عدّة مثل الموسيقى والفلسفة والفيزياء منها، بالسؤال ماذا سيعمل من يتعلمها مستقبلا؟ لأن المجال في أماكن البحث والنجاح يبدأ بعد اللقب الأول، ويبدأ التفكير أكثر بالمستقبل.

"عرب 48": ممكن أن تطلعنا على محطات علمية ومهنية في الفيزياء، كيف تسير، وعلى ماذا تعتمد؟

بروفيسور زاروبي: في اللقب الأول يتضح للفرد حب الموضوع ونجاحه فيه بالعلامات العالية حقًّا. وفي الماجستير يجب أن ينجح بعلامات عالية أيضا. في دراسة الدكتوراه يجب أن ينجح وينافس أفضل أشخاص في العالم في المجال، ويجب أن ينتج منتجا جديدا ينافس أفضل العلماء الذين لهم أصداء عالمية بين الباحثين. هذا يعطيه القفزة والدفعة الأولى، لكي يخرج ليقدم لمراكز البحوث العالمية لتفتح أمامه الأبواب. وفي البوست دكتوراه وهي أصعب مرحلة، يجب أن يثبت نفسه وقدراته العلمية وتميزه، ويثبت أنه قادر على وضع برنامَج بحوث لها قيمة في المجال، وفي نفس الوقت أن يكتب وينشر مقالات علمية.

"عرب 48": هل للسياسة أي دور في النجاح وعدمه؟

بروفيسور زاروبي: السياسة تؤدّي دورا هنا في البلاد بما يتعلق بالوظائف الأكاديمية وغيرها، مع أن أفرادا فتحوا المجال والآفاق قليلا من الجيل الجديد، وبشكل غير كافٍ، ولكن على صعيد علمي، عالمي ومهني، لا تؤدّي السياسة دورا. ينظرون لإنتاج الشخص وقدراته خاصة في موضوع علمي محض مثل الفيزياء، وهنا يجب على الباحث مهما كانت درجة ذكائه وتفوقه أن يعرف أي موضوع بحثي يختار، وأن يكون موفقا في اختياره، ويسأل الأسئلة الصحيحة، لأنه في النهاية من الصعب توفير الوظيفة. وبين البداية والنهاية للدراسة هناك طريق ليست مرصوفة بالورود وغير واضحة.

"عرب 48": حدثنا عن موضوع بحثك الذي قدمته؟

بروفيسور زاروبي: لدراسة الدكتوراه قدمت موضوعا جديدا، كيف نعمل إعادة بناء لصورة الكون من حولنا في معلومات ومعطيات معينة سابقة، وإعادة بنائها لنرى الكون بشكل مختلف، ويعتمد ذلك على حسابات وعمليات رياضية. في هولندا إذ كانت إحدى دراساتي للبوست دكتوراه بدأ لدي التغيير في المنحى والتوجه، بدأت في دراسة النجوم والمجرات الجديدة التي يخرجها الكون، بنيت وآخران تلسكوبا جديدا، وهو موجود منذ سنة 2004، بدأنا العمل به عام 2010 وبدأ يأخذ معطيات، ونخرج بنتائج لمراقبة ورصد هذه النجوم، ولا زلنا نعمل به وأنا منغمس ومشغول به. اليوم يوجد 3-4 أجهزة منه في عدة أماكن في العالم وهذا ساعدني لاكتساب اسما عالميا في علم الفيزياء. عالم الفلك موجود في العالم العربي منذ القدم وهناك أسماء للنجوم لا زالت تعرف باللغة العربية في عالم الفيزياء ولغة الفلك، مثل سعد الذابِح وسعد سعود والطائر والرِجِل والغول وغيرها.

"عرب 48": ما هي الثقوب السوداء، وما هو سبب قلق العالم منها اليوم وسبب الاهتمام البحثي؟

بروفيسور زاروبي: لا يوجد تأثير للثقوب السوداء ما دمنا على بعد عنها. والثقوب السوداء تكون مجرد اسم، تصرفاتها تكون مختلفة حين نقترب منها. الثَّقب الأسود جسم جاذبيته عالية جدا، يجذب كل شيء إليه ولا يُخرج أي شيء حتى الضوء، لذلك سُمي بالثقب الأسود، فحسب نظرية اينشتاين، النظرية النسبية، يعرف بأنه شرخ في الزمان والمكان. نعرف أن الوقت يمر في وتيرة ثابتة للأبد وإلى ما لا نهاية، وكذلك المكان فهو خط ثابت من ما لا نهاية إلى ما لا نهاية، ولكن هذا غير صحيح في الفيزياء الحديثة، فقد أثبت أن الزمان والمكان ارتبطا ببعضهما البعض، وأيضا بوجود المادة في الكون، فالكون هو الذي يصنع الزمان والمكان، ففي أماكن مختلفة يحدث تقعر وتحدب للمكان، ووتيرة الساعة تتغير، وفي أماكن الوقت يكون أسرع، وأماكن أخرى الوقت يكون أبطأ، والثقب الأسود يحدث شرخا بين الزمان والمكان. مثال، إذا كان شخصا ما يحمل ساعة وقريبا من الثَّقب الأسود، وشخصا آخر يحمل نفس الساعة في مكان بعيد من الثَّقب الأسود، فساعة القريب من الثَّقب الأسود تكون أبطأ، وكلما اقترب أكثر للثقب يقل دوران الوقت والساعة لديه إلى أن يقف نهائيا وكأن الوقت والزمن توقف تماما عنده، وهذا شيء غير عادي وغير طبيعي. وحسب قانون الجاذبية الأرضية إذا وقفنا على الأرض فإن الجاذبية على الرجلين تكون أكبر من الجاذبية للرأس مثلا، لأننا أقرب للأرض ومركز الجاذبية، ولكن لا يحدث لنا أي شيء ونبقى ثابتين، لأن فرق القوة بسيط ولا يؤثر علينا، بينما لو وقفنا على قرب من الثَّقب الأسود تكون الجاذبية هائلة جدا والفرق في القوة يكون هائلا حتى يفتت الأجسام والذرات، فمن ناحية نظرية كان من المفترض أن ننجذب إلى ما وراء الثقوب السوداء لزمان ومكان آخرين ونرجع بالزمن حسب قوة جاذبية الثَّقب الأسود، ولكن تتفتت الأجسام قبل أن تصل نتيجة.

"عرب 48": هل هناك أنواع للثقوب السوداء؟

بروفيسور زاروبي: نعم، هناك نوعين من الثقوب السوداء: النوع الأول يحدث عندما يموت نجم معين بانتهاء حياته. والنوع الثاني: ثقوب تكونت ربما منذ بداية الكون، كتلتها أكبر من الشمس بمليون مرة، وهي موجودة في مراكز المجرات في الكون. في مجرتنا يوجد ثقب أسود عملاق، أكبر من الشمس بمليوني مرة.

"عرب 48": كيف تعرّف النجم...؟

بروفيسور زاروبي: النجم يُعدّ كرة من غاز في مركزها طاقة معينة تنتج من اتحاد ذرتي هيدروجين تطلق غازا أثقل هو الهيليوم، وهذا يُحدِث طاقة في مركز النجم، والنجم جسم يجذب نفسه بنفسه ويحدث توازنا وثباتا، وبفعل التوازن بين طاقته الداخلية والجاذبية الخارجية التي تحاول أن تضغط إلى الداخل، وفي مرحلة معينة ينتهي هذا الوقود الداخلي فتزيد الطاقة الجاذبة لداخله إلى أن يبدأ النجم بالانفجار وينتهي ويحدث الثَّقب الأسود.

"عرب 48": هل الشمس ستنتهي أيضا كباقي النجوم؟

بروفيسور زاروبي: الشمس موجودة منذ مليار ونصف مليار سنة، بفعل التوازن الداخلي والخارجي كأي نجم آخر، والشمس يلزمها أربعة ونصف مليار سنة لتنتهي، وهي نجم صغير نسبيا ينتهي بحياة أخرى، فلا داع للخوف وستنتهي الشمس بعملية وشكل مختلفين.لن تنفجر وإنما ستنتفخ بشكل بطيء ومدمر. هناك نجوم كبيرة كتلتها أكبر من الشمس بعشرات المرات، ممكن أن تحدث ثقبا أسود، ولكن من حولنا في مجرتنا، درب التبانة، لا توجد نجوم ضخمة من هذا النوع.

"عرب 48": ما علاقة كل ذلك بجائزة نوبل التي منحت للفيزيائيين الثلاثة، وما هي مساهمتهم في دراسة الثقوب السوداء؟

بروفيسور زاروبي: قلنا إن في كل مجرة يوجد في مركزها ثقب أسود ربما أكبر بكثير من هذا الثَّقب الموجود في مجرتنا، وهؤلاء العلماء شاهدوا أيضا أن هناك كوكبا يدور دورة كاملة حول الثَّقب الأسود مثل الأرض التي تدور حول الشمس، وهُم أثبتوا أنه في مجرتنا يوجد ثقب أسود. الرصد كان بتلسكوبات عملاقة تكلفتها بليارات الدولارات، فالمؤسسات العلمية في الغرب تجمع أموالا طائلة من الحكومات للبحث عن أسئلة والإجابة على أمور غير معروفة.

الحائزون على جائزة نوبل في الفيزياء

"عرب 48": ما أهمية هذه البحوث العلمية، هل تفيدنا بشكل ملموس وآني؟

بروفيسور زاروبي: البحوث العلمية التي ليس لها أي مردود ملموس وواضح أهميتها من ناحية اقتصادية، فالمؤسسات العلمية تأخذ مبالغا طائلة مقابل هذه البحوث العلمية وأكثر بكثير من المواد التطبيقية العينية، فمقابل المواضيع التطبيقية تربح الحكومات 4 دولارات عن كل دولار تصرفه على البحث، بينما في البحوث العلمية المحضة تأخذ مقابل كل دولار 40 دولارا من المؤسسات العلمية العالمية.

"عرب 48": لماذا...؟

بروفيسور زاروبي: يحتاج الموضوع إلى صبر ويأخذ وقتا حتى تكتشف أهمية مثل هذه الاكتشافات للعالم. مثال: عندما اكتشفت الكهرباء في القرن الـ19 للعالمين البريطانيين ماكسويل وفرادي، زار المعهد وزير المالية البريطاني وعرض عليه الاكتشاف، فقال الوزير، ماذا نستفيد من ذلك؟ لم يفهموا أهمية الكهرباء إلا بعد ذلك بـ50 عاما حين أُضيء أول بيت في إنجلترا. مثال آخر: قبل 100 عام اكتشفت "نظرية الكم"، تبحث موضوعا خياليا ورياضيا بعيدا عن الواقع، تعطي أغلبها أجوبة عن أسئلة إذا كان الواقع موجود أم غير موجود، واليوم 40% من الاقتصاد الأميركي يستند على تكنولوجيات مبنية على "نظرية الكم"، وأجهزة الحاسوب والهواتف والسيارات الذكية مبنية على هذه النظرية. نحن نطرح أسئلة عن وجودنا، وهذا ما يميزنا، فعندنا فضول لمعرفة أسرار العالم، من أين جئنا؟ وهدف وجودنا؟ هذه البحوث المساهمة في معرفة ذلك ولها أبعاد وجودية وفلسفية، أبعاد مهنية وإنسانية، فاليوم الطب يعتمد على هذه العلوم لتحسين حياتنا بشكل حقيقي، والعلوم جزء لا يتجزأ من حياتنا وأكبر بكثير مما نتخيل وجودها.

"عرب 48": ما دمنا في جائحة كورونا، لا بد من سؤال حول الموضوع علميا، ما هي رؤيتك؟

بروفيسور زاروبي: ما ينقصنا في هذه الجائحة هو المعرفة العلمية لمحاربتها والسيطرة على انتشارها، في كيفية تكوين الفيروس ومبناه ومعلومات عنه بهدف السيطرة عليه، وليست كل المجتمعات والدول تستطيع توفير الحلول، ودولنا العربية مثلا تنتظر من يجد لها الحل. أعتقد أن الجائحة نتيجة مؤامرة في دول العالم أو شركات تسويق للأدوية لتسويق تطعيم لفيروس كورونا الذي لا نعرف عنه شيئا، ونجد بالمقابل كل اكتشاف جديد عن المرض يدحض معطيات نظرية المؤامرة تلك، ولكن يبقى ذلك عالقا في أذهان كثيرين بأنها مؤامرة دون شك. لا ننكر وجود المؤامرات السياسية الدولية الموجودة في العالم، فلا شك أن "صفقة القرن" مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية، ولكن في حالة فرضية المؤامرة لفيروس كورونا لا أحد يستطيع التنبؤ إلى أين سنصل وتأثير هذه الجائحة على الاقتصاد العالمي، والمبنى الاجتماعي والسياسي. أعتقد أن مصدر الفيروس طبيعي وهكذا أشارت لدلائل الآن وهو من عائلة الفيروسات التاجية ومصدرها خفاش موجود في الطبيعة، حتى في حال أن أحدا صنّع الفيروس (أنفي ذلك شخصيا) فهذا يكون بدافع إجرامي واحتمال ضئيل جدا. هناك تناقض في المعتقدات، قَبُول جزئي للجانب العلمي من الناس كقبول الحجر لحماية أنفسهم وارتداء الأقنعة واستعمال المعقمات. وفي نفس الوقت الاعتقاد أن ذلك غضبا ربانيا لمعاقبة الصينيين مثلا دون التفكير في كيف سيؤثر ذلك على مجتمعاتهم. كورونا خلقت فرصا لتحسين أوضاع معينة ولا سيما اقتصادية، فهناك برزت الشركات التي اهتمت بإنتاج الكمامات والمعقمات أو وسائل اتصال عن طريق الإنترنت وزوم. كورونا كشفت حالة يعيشها الناس من مدة كبيرة رافضة للعلم والاستنتاجات العلمية، انحسار العقلانية والتشبث بالغيبيات والشائعات، وهذا الحال في كل مكان، علنا ندرك مستقبلا ونتعلم من الأزمة أن المعرفة هي من أهم الأدوات لبناء المستقبل، والعقل والمنطق والحقائق الموضوعية هي الأساس.

"عرب 48": ما هي نصيحتك لاختيار التخصص والتعليم للأجيال القادمة؟

بروفيسور سليم زاروبي: أنصح بأن تكون اعتبارات التعليم لما يحب الفرد، وأنا من أتباع سقراط، تعلم ما تحب، وحقق نفسك فالحياة الجيدة هي بتحقيق الذات.

التعليقات