اللّقلق في تونس؛ استقرار بعد زيارات موسميّة

يُعدّ اللّقلق من الطّيور المهاجرة التي بدأت تستقر في تونس، بعدما كانت زياراتها موسمية باتجاه مدينة باجة الواقعة شمال غربي البلاد، قبل أن يختار مناطق جديدة في السنوات الأخيرة كسجنان في محافظة بنزرت، والحمامات بمحافظة نابل.

اللّقلق في تونس؛ استقرار بعد زيارات موسميّة

أعشاش في كل مكان (الأناضول)

يُعدّ اللّقلق من الطّيور المهاجرة التي بدأت تستقر في تونس، بعدما كانت زياراتها موسمية باتجاه مدينة باجة الواقعة شمال غربي البلاد، قبل أن يختار مناطق جديدة في السنوات الأخيرة كسجنان في محافظة بنزرت، والحمامات بمحافظة نابل.

في مدخل مدينة باجة التّاريخية، عاصمة الشّمال الغربي التّونسي، يعترضك مجسمٌ كبير لثلاثة طيور تشابكت أجنحتها، تحرس سنبلة قمح أعلاها عش كبير، كما استوطن اللقلق محطات قديمة لنقل الحديد في مدينة سجنان والجريصة في محافظة الكاف.

رحلة سنوية من وإلى تونس

يقول خبير في البيولوجيا ودراسة الطيور، ورئيس الجمعية التّونسية لحماية الحياة البرية، الدكتور عماد الستّي، إنّ "البعض يعتبر هذا الطّائر "بشير خيرٍ" ونماء، وباتت تربطه علاقة جيدة بالمزارعين في الشّمال الغربي للبلاد.

أعشاش في كل مكان (الأناضول)

ويشير الستي إلى أن "اللّقلق طائر مهاجر يغيب في فصلي الخريف والشتاء قبل أن يعود نهاية كانون الثاني/ يناير أوائل شباط/ فبراير للتعشيش والتّزاوج".

ويضيف: "يصل الذكر أولًا لتجديد العشّ وتهذيبه وتجهيزه لفترة حضانة البيض، لتلتحق الإناث بعد أسبوعين. يعيش هذا الطائر في أزواج ولا يغير الذّكر شريكته إلا في حالة موتها، ويعود الثّنائي كل سنة إلى العش ذاته. تبيض الأنثى بين 2 و4 بيضات عادة، ويعيش منها طائران اثنان غالبًا".

ويتابع: "يتناوب الثنائي على حضن البيوض، وتستمر فترة الحضانة 34 يومًا، على أن تكون الفراخ قادرة على الطيران وبِدْء رحلة العودة خلال 55 يومًا".

ويلفت إلى أن أعداد هذا الطائر في ارتفاع من سنة إلى أخرى بحرص بلدان المنشأ؛السينغال ومالي، على عدم صيد وأكل هذه الطيور، التي كانت في حدود 300 زوجٍ بداية التسعينيات من القرن الماضي، لتصل أعدادها إلى الآلاف، يختار المئات منها الاستقرار في تونس، وتحديدا بمنطقتي باجة وسجنان.

ويفسر الستي الأمر بأن "توافر الغذاء (الفئران والضفادع والحشرات وغيرها)، فضلا عن توافر الكثير من السدود والبحيرات في شمال غربي تونس، جعل مئات الأزواج تختار الاستقرار بتونس وعدم استمرار رحلاتها".

أسطورة اللقلق المحلية

لا يتغيّر مسار الرحلة السنوية للطّائر الإفريقي، المتميز بريشٍ أبيض يكسو كامل جسمه باستثناء أسفل الجناحين والذيل، والذي يعني اسمه في العربية "كثير الحديث"، فيقال رجلٌ لق بسبب كثرة كلامه، على غرار صوت الطائر في فترة التزاوج.

ويُتعارف على هذه الطيور محليًا بتسمية "الحاج قاسم" أو "البلارِجْ".

(الأناضول)

يقول الستي إن "هذه التسّمية تتوارثها الأجيال، وقديمًا اعتقد سكان المنطقة أن غياب الطّيور في فترات محددة من السّنة يتوافق وموسم الحج، إذ كانت الطيور تقترب بلا خوفٍ من قوافل الحجاج".

كما أن "المِخيال الشّعبي (الذّاكرة الشعبية) المحلي، يربط مجموعة من الحيوانات والطيور بأساطير وقصص يصعب تصديقها، لكن ذلك لا يمنع تداولها".

ويشرح أن تسمية "الحاج قاسم" تعود، وفق رواية سكان محليين، إلى أن رجلًا ورعًا توضأ بالحليب فمسخه الله بهذا الشّكل، على غرار قصص أخرى تتعلق بحيوانات القنفد والسّحليات المنزلية التي يلعب فيها الخيال دورًا كبيرًا لتبقى في الذاكرة.

وبين مدينتي باجة وسجنان، تركزت الأعشاش بأعلى أعمدة الكهرباء وفوق الكنائس القديمة أو على عارضات حديدية شيدت خصيصًا من جانب شركة الكهرباء والغاز، لتوفير مكان للتعشيش وعدم تسبب هذه الطيور بانقطاع الكهرباء، الأمر الذي كان يتكرر حتى عام 2010.

(الأناضول)

"وقامت شركة الكهرباء والغاز، بعد مبادرات من عدد من موظفيها بمحافظة باجة، بتركيز العارضات الحديدية عام 2009، وباتت الشركة تضع موازنة تصل إلى نحو 110 مليون دينار (نحو 40 ألف دولار)".

"بشير خيرٍ" وصديق المزارعين

مجسّم طائر اللقلق الذي يتركز عند مدخل مدينة باجة تأكيد على خصوصية علاقة سكان المنطقة معه، فالفريق الرياضي بالمحافظة (الأولمبي الباجي) يحمل أيضا صورة لطائر لقلق محلقٍ في شعاره، وجماهير الكرة تتعارف على الفريق بـ"نادي اللقالق".

جميع سكان المنطقة يستبشرون خيرًا بوصول أسراب اللقالق، فقدومها يعني موسمًا زراعيا جيدا، والحصيلة من الحبوب أو ثمار الأشجار وغيرها ستكون كبيرة كلما زاد عدد الطيور الواصلة إلى البلاد.

المزارعون يحبون طائر اللقلق، فهو يعيش على صيد الحشرات والضفادع والفئران وحتى الأفاعي التي تهدد المحاصيل. وبالتالي، ثمة مصلحة مشتركة بين الطرفين: الفلاح يضمن حراسة المحصول، والطائر يجد الترحاب أينما حل ويجد الغذاء قرب البحيرات والقرى، خصوصا مع توافر المياه في المناطق الرطبة.

ويقول السّتي إن "توافر الغذاء طوال فصول السنة وعدم تهديد حياة الطائر بالصيد جعل أسرابا من هذه الطيور، وأخرى تشبهها، تختار الاستقرار على غرار اللقلق في تونس وأصناف أخرى بإسبانيا وفرنسا وبولندا، ودوره إيكولوجيًا جيد ويساعد التنوع البيولوجي".

ويصل طول جناحي اللقلق عند فتحهما إلى قرابة المترين، ويعيش هذا الطائر في أسراب بأعشاش متقاربة في محطات نقل الحديد القديمة، أو في أعشاش متقاربة على العارضات الحديدية أعلى أعمدة الكهرباء.

(الأناضول)

وجود اللقلق في بعض الأماكن يزيدها سحرًا وجمالًا صوته وصوت منقاره في ضربات سريعة يعرفها المزارعون بأنها إشارة إلى بداية موسم التزاوج، أو دفع الفراخ لبداية مرحلة تعلم الطيران قبل رحلتها الأولى، التي تنطلق سنويا من تونس قبل أن تعود إليها لاحقا.

وفي ميزة أخرى فإن طيور اللقلق تسمح لطيور أخرى، كالحمام أو بعض أنواع العصافير، بأن تبيض في عشها وتعيش برفقة فراخها من دون أن تسبب لها أذًى، ما يعكس خصوصية هذا الطائر.

التعليقات