هل يجفّ البحر الميت قريبًا؟

 يواصل منسوب المياه في البحر الميت بالانخفاض، الذي يزيد عن متر واحد سنويًا، ما أفقده ثلث مساحته منذ سنوات الستينيات من القرن الماضي، دون أن تلوح بالأفق حلول ملموسة لإعادته إلى سابق عهده. وعلى الأرجح لن يختفي البحر الميت.

هل يجفّ البحر الميت قريبًا؟

توضيحية (pixabay)

يواصل منسوب المياه في البحر الميت الانخفاض، بقدّر يزيد عن متر واحد سنويًا، ما أفقده ثلث مساحته منذ سنوات الستينيات من القرن الماضي، دون أن تلوح بالأفق حلول ملموسة لإعادته إلى سابق عهده. ويرجح الخبراء أن لن يختفي البحر الميت وإنما سيواصل الانحسار.

وما كان في يوم من الأيام، مغمورًا بالمياه شديدة الملوحة، أصبح الآن أرضًا قاحلةً، تتخلّلها تجاويف كبيرة، تنذر بما هو أسوأ خلال السنوات القادمة.

وحدّد خبيران، ثلاثة أسباب للانحسار المستمرّ، وهي: تراجع مستويات المياه التي كانت ترفده عبر نهر الأردن بسبب إقامة سدود على طول مصادر المياه؛ واستنزاف مياه البحر ومصادره من خلال شركات كيماوية؛ وكذلك أثّرت إلى حد ما التغييرات المناخية.

ويترافق تراجع روافد البحر، مع نسبة تبخّر عالية، بسبب الارتفاع الكبير في درجة حرارة منطقة غور الأردن.

وكانت بحيرة طبرية شمالي البلاد، ترفد البحر الميت بالمياه العذبة، من خلال نهر الأردن، ولكنه الآن يفتقر إلى أي شريان للحياة.

وعلى مدى عقود، جذبت مياه البحر الميت شديدة الملوحة، وطينه الغني بالأملاح المعدنية، السيّاح من كل أنحاء العالم، ولكنه بات يتحول إلى آبار جافة على مرّ السنين.

ومنطقة البحر الميت، هي الأكثر انخفاضا على مستوى العالم، إذ تنخفض عن مستوى سطح البحر بما يقارب 400 متر.

إسرائيل قطعت روافده

يرى مستشار دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، لقضايا المياه، شدّاد العتيلي، أنّ مشاكل البحر، بدأت منذ حقبة الستينات، حينما حرمته إسرائيل من روافده.

ويقول العتيلي: "قضية البحر الميت تاريخية بدأت منذ تحويل نهر الأردن عندما أنشأت إسرائيل مشروع المياه القُطْري للمياه عام 1965 وبدأت بتحويل مجرى النهر ومياهه بعد حجزها في بحيرة طبريا وبناء سد دغانيا (على مخرج نهر الأردن من بحيرة طبريا) وتحويل المياه إلى إسرائيل".

ويضيف وزير المياه الفلسطيني السابق، العتيلي: "عندما أحكمت إسرائيل سيطرتها باحتلالها للضفّة الغربيّة وهضبة الجولان السوريّة (عام 1967)، أكملت سيطرتها على مجرى نهر الأردن".

ويشير بهذا الصدد إلى أن "المياه التي تصل البحر الميت، كانت تراوح بين 300 مليون إلى مليار و400 مليون متر مكعب سنويًّا، فهو الرافد التاريخيّ للبحر الميت؛ ولكن ما يصله اليوم لا يتعدى 20 إلى 200 مليون متر مكعب في أحسن الأحوال".

ويتابع: "لذلك يهبط مستوى سطح البحر الميت بمعدل يعادل مترًا إلى متر و20 سنتيمترًا سنويًّا، وإذا ما أردنا أن نقارن بالأرقام، فإنه في العام 2000 كانت مساحة البحر 950 كيلومترًا مربعًا، بينما هي الآن 650".

ويوضح: "هذا الانحسار للبحر الميت، رافقه ما يسمى بالحفر الانهدامي، ففي الجانب الإسرائيلي أكثر من 6 آلاف حفرة انهدام (بالوعات)، حيث تهبط الأرض فيها فجأة، وتشكل خطرًا على السائحين".

اقرأ/ي أيضًا | حين يعطش الغرباء: التخطيط والإدارة الصهيونيّة للمياه، وتخريب طبيعة فلسطين

ويُرجِع العتيلي أسباب حدوث الحفر الانهدامية إلى "انحسار سطح البحر وذوبان الكتل الملحيّة، بسبب هبوط مستوى المياه الجوفية".

قلّة الإمدادات والصناعة

يقول برومبرغ: "البحر الميت يموت وليس هناك شك في ذلك، فهو يخسر مترًا سنويًّا منذ الستينيات، والسبب في انحساره هو من صنع البشر، فهذه ليست مسألة طبيعية، وإنما من خلال تدخل الناس في المنطقة".

ويضيف: "بشكل أساسي، هناك سببان رئيسيان للانحسار؛ الأول- يتحمل مسؤولية نحو 60% من سبب الانحسار - ناجم عن حقيقة أن شريان الحياة الذي كان يزود البحر الميت بالمياه وهو نهر الأردن تم تحويله بشكل كبير، فالبحر الميت هو فعليا بحيرة نهائية لنهر الأردن".

البحر الميت صورة قمر اصطناعي توضّح حجم الضرّر اللاحق بالبحر الميت

ويشير إلى أن "السبب الثاني للانحسار هو الصناعة، فالكل يعرف أن البحر الميت هو أدنى بقعة على وجه الأرض وفيه أملاح فريدة، وهناك شركتان كبيرتان للكيماويات، إحداهما في الجانب الأردني، والأخرى في الجانب الإسرائيلي، هذه الشركات تتسبب بـ 40 بالمئة من هذا الانحسار".

إسرائيل تجفّف البحر

وفي حين يحمّل برومبرغ الجانبين الإسرائيلي والأردني المسؤولية، يُلقي الخبير الفلسطيني، العتيلي، باللائمة بشكل أكبر على إسرائيل، الذي يقول إنها "تستنزف البحر".

ويتابع: "هناك كارثة تتمثل في الصناعات الإسرائيلية على البحر الميت، وشهدنا للأسف اختفاء الجزء الجنوبي من البحر بسبب التعدين، فالبحر الميت هو الأغنى عالميًا من ناحية البوتاسيوم والمغنيسيوم والعديد من المعادن، ويجري تعدين هذه المعادن من قبل الشركات الإسرائيلية بشكل كبير".

ويضيف العتيلي: "أثبتت الدراسات أن هذه الشركات تستنزف ما يقارب 350 - 400 مليون متر مكعب من مياه البحر، بالإضافة إلى أن 700-900 مليون متر مكعب، تتبخر بفعل درجة الحرارة الشديدة".

ويردف: "هذه كارثة، البحر هو الأشدّ ملوحة وهو مغلق، لأنه لا يتم تصريف المياه إليه، والجزء الجنوبي اختفى بفعل البشر من خلال التصنيع للمعادن، والجزء الشمالي يجري الآن استنزافه من قبل الجانب الإسرائيلي بتسيير المياه إلى ملاحات التعدين، حيث يجري تجفيف المياه من أجل استخلاص الأملاح وتسويقها".

ويشير أيضا إلى أن من أسباب انحسار مياه البحر، الأخرى "تبعات تغيّر المناخ، وتأخر المواسم المطرية".

هل يختفى البحر؟

ويحذّر العتيلي من أن "البحر الميت بشكله الرئيسي، كما كان في حقبة الخمسينات، اختفى؛ وعلى مدار الخمسين عامًا القادمة، إذا استمر الوضع على ما هو عليه سوف يختفي بالكامل".

ويضيف: "قد يختفي البحر، فهناك تبخر، وهناك سرقة وتجفيف للمياه، ولا تصل إمدادات إليه تعوّض ما يخسره".

من آثار تجفيف البحر الميت

ويكمل: "إذا لم يكن هناك تدخل لإصلاح الضرر، وأهم هذه التدخّلات والتي يركّز عليها الجانب الفلسطينيّ هي أن يكون هناك توافق على إدارة حوض نهر الأردن وعلى مياهه من منابعه في حاصباني وبانياس ونهر الدان، مرورًا ببحيرة طبريا ونهر اليرموك، ووصولًا إلى نهر الأردن ومن ثم البحر الميت، فإن البحر على مدار الخمسين عامًا القادمة سوف يختفي".

ويستبعد، برومبرغ، اختفاء البحر الميت، بشكل كامل، ويقول بهذا الصدد: "على الأرجح لن يختفي البحر الميت وإنما سيواصل الانحسار".

ويوضّح: "لن يختفي لأن هناك مياه تخرج من تحت الأرض، ولا تستطيع إسرائيل أن تأخذ هذه المياه، إذا ما كان بمقدورهم فإنهم سيفعلون، ولكن البحر الميت عميق جدا، ففي بعض المناطق يصل العمق إلى 300 متر، وبالتالي فإن هذا الماء سيبقى".

وختم: "نحن نعتقد أن الضرر كبير جدًّا، ولا يمكننا أن نعيد البحر الميت إلى ماضيه الملكي، وأفضل ما يمكن القيام به هو استقرار الوضع (الحالي) ومنع الانخفاض بنحو متر سنويًّا".

التعليقات