التغيّر المناخي يهدّد المحمية البيئية الأشهر في ليبيا

تواجه محمية الشعافين الطبيعيّة على بعد أقلّ من مئة كيلومتر من العاصمة الليبيّة طرابلس، تهديدات مختلفة جراء تبعات التغيّر المناخيّ والأنشطة البشريّة، بعدما شكّلت طويلًا موئلًا للتنوّع الحيويّ.

التغيّر المناخي يهدّد المحمية البيئية الأشهر في ليبيا

محمية الشعافين ليبيا ( أ ف ب)

تواجه محمية الشعافين الطبيعيّة على بعد أقلّ من مئة كيلومتر من العاصمة الليبيّة طرابلس، تهديدات مختلفة جراء تبعات التغيّر المناخيّ والأنشطة البشريّة، بعدما شكّلت طويلًا موئلًا للتنوّع الحيويّ.

وقد أدرجت منظمة "اليونسكو" الشهر الماضي هذه المحمية الواقعة في مدينة مسلاتة على بعد ساعتين بالسيارة إلى الشرق من العاصمة الليبية باتجاه جبل نفوسه، ضمن شبكتها لمحميات المحيط الحيوي.

غير أن التنوع الحيويّ في المحمية الأشهر في ليبيا يواجه تحديات طبيعية تتمثّل في الجفاف والحرائق، ونشاطات بشريّة أخرى مرتبطة بإزالة الغابات والزحف العمراني، ما يجعلها على الدوام في مرمى التهديد.

ويقول رئيس الجمعية الليبية للأحياء البرية أنس القيادي إن "تغيرات المناخ المستمرة، وما رافقها من ندرة سقوط الأمطار وموجات الجفاف في فصل الصيف الطويل، جعلت المحمية عرضة بشكل متواصل للحرائق طيلة السنوات الماضية".

ويعدّد أنس في تصريحات لوكالة "فرانس برس"، عوامل عدة تساهم في تفاقم الوضع بينها قطع الأشجار والتوسع العمراني.

لكنّ رئيس الجمعية يأمل في أن يساعد إدراج اليونسكو المحمية ضمن شبكتها لمحميات المحيط الحيوي على حماية الموقع.

وتُعتبر المحمية الممتدة على مساحة 83060 هكتارًا، موطنًا لمجموعة متنوعة من الأصناف النادرة والمهددة بالانقراض، بحسب "اليونسكو".

وتضم محمية الشعافين أكثر من 350 نوعًا نباتيًا، بينها أجناس نادرة تُستخدم في الصناعات التجميلية والعطرية، إضافة إلى أكثر من 20 نوعًا من الطيور والحيوانات، بعضها مهدّد بالانقراض. كما يعيش حوالى 65 ألف شخص في محيط المحمية.

وقد صنفت ليبيا الشعافين محمية طبيعية منذ سنة 1978. لكن خلال العقد المنصرم الذي اتسمّ باختلال الأمن بعد الثورة الشعبية في ليبيا عام 2011 والتدخّل العسكريّ بقيادة حلف شمال الأطلسي من ذات العام، لم توفر الدولة الليبية بانقساماتها ومؤسساتها الضعيفة، حماية كافية للمحميات الطبيعية التسع في البلاد والتي تواجه تهديدات متنامية جراء الأنشطة البشريّة.

ويؤكّد أنس القيادي وجود مبادرات كثيرة غير حكومية لصون المحميات الطبيعية في البلاد.

ويقول "أطلقنا قبل أيام 36 سلحفاة من النوع المهدّد بالانقراض" نحو محمية الشعافين، إضافة إلى حملات ري الأشجار بشكل تطوعي في أوقات مختلفة من العام، بهدف المحافظة قدر الإمكان على الغطاء النباتي من آثار موجات الجفاف.

ويضيف القيادي "نتيجة بُعد المصدر المائي عن المحمية، نضطر بمساعدة عدد من المتطوعين، إلى إطلاق حملات ري وتشجير جديدة، لكنها تحتاج إلى رعاية مستمرة".

وقد عانت بلدان متوسطية عدة هذا العام موجات جفاف وحرائق غابات، بينها خصوصا الجزائر المجاورة.

وأفلتت ليبيا بدرجة كبيرة من هذا الوضع خلال العام الحالي، لكن موجات الجفاف والحرائق في البلاد منذ عام 2015 تسببت في نفوق عدد من الحيوانات الزاحفة بعضها مهدّد بالانقراض، على غرار الضبع المخطط والسلحفاة البرية وطائر الحبارى. كما أتت الحرائق على الكثير من أشجار الغابات المعمرة العائدة إلى قرون مضت.

ونجحت جهود خبراء ليبيين في الاستحصال على دعم من اليونسكو من خلال إدراجها ضمن شبكة المنظمة لمحميات المحيط الحيوي، وهو أول موقع ليبي ينضم إلى القائمة.

ويهدف إدراج الموقع ضمن هذه الشبكة إلى تعزيز التنمية المستدامة وحماية النظم الإيكولوجية الأرضية والبحرية والساحلية، إضافة إلى تشجيع جهود صون التنوع الحيوي.

ويوضح الباحث وعضو هيئة التدريس بكلية العلوم في جامعة طرابلس طارق الجديدي أن ضم محمية الشعافين إلى قائمة "اليونسكو" يشكل بداية لمشروع حقيقي للمحافظة على واحدة من أهم المحميات الطبيعية في ليبيا.

ويقول الجديدي الذي قاد عملية تقديم ملف الترشيح من داخل محمية الشعافين، لوكالة فرانس برس إن الموقع سيحظى بفضل هذا الإدراج "باهتمام دولي من المنظمات المهتمة بالشأن البيئي والنباتي والحيواني، وستقام فيها دراسات لتطويرها".

كما من شأن ذلك المساهمة في تحسين الأوضاع الاقتصادية للسكان المحللين، بحسب الجديدي.

وأشارت "اليونسكو" خلال إعلانها ضم المحمية إلى شبكتها، إلى أن أكثرية سكان المحمية يكسبون حياتهم من السبل التقليدية للزراعة المستدامة إضافة إلى جمع الأخشاب وتربية النحل، لافتة إلى أن المنطقة تشتهر "بجودة زيتونها وزيتها".

ويؤكد الجديدي أن خطوة "اليونسكو" ستدعم "ظروف السكان المحللين بشكل مباشر أو غير مباشر"، وستسهم في جعل المحمية "مثالا للمحيط الحيوي المتكامل الذي يقاوم التصحر ويوفر بيئة خضراء حيوية".

ويوضح الجديدي أن مشروع ضم مواقع ومحميات طبيعية لقائمة "اليونسكو" لن يتوقف، إذ ستقدم ليبيا ملفين جديدين قريباً، الأول موقع وادي الناقة شرق البلاد، والثاني جبال أكاكوس في الجنوب.

التعليقات