16/02/2019 - 19:03

غزّة: حتى الكتب محاصرة

عندما يدخل النّاس إلى البلدة القديمة في غزّة، قادمين من شارعها العتيق، شارع فهمي بيك، لا بد وأن يقصدوا سوق الزاوية التاريخي وسط المدينة. تقابلهم، على امتداد الطريق، مآذن المسجد العمري الكبير وتفوح رائحة التوابل والأعشاب من دكاكين العطارين.

غزّة: حتى الكتب محاصرة

من أحد معارض الكتاب في غزة (أ ب أ)

عندما يدخل النّاس إلى البلدة القديمة في غزّة، قادمين من شارعها العتيق، شارع فهمي بيك، لا بد وأن يقصدوا سوق الزاوية التاريخي وسط المدينة. تقابلهم، على امتداد الطريق، مآذن المسجد العمري الكبير وتفوح رائحة التوابل والأعشاب من دكاكين العطارين.

لكنّ رائحة مختلفة تلفت انتباه المارة على قارعة الطريق، يناديهم التاريخ من خلالها، هي رائحة الكتب المنبعثة من مكتبة قديمة حجارتها عتيقة يظهر من بابها مكتبٌ يجلس عليه الحاج الستّيني سليم الريس، الذي قضى معظم عمره بين القصص والتواريخ المسطرة في صفحات الكتب القديمة والجديدة، يعرفه كل الطلاب في المدينة ويقصده المثقفون فيها باستمرار، باحثين بين الرفوف عن كتبٍ لا تتوفر إلا لديه، تراها غارقة بين التحف الأثرية والمحابر القديمة المُفرغة في الصفحات. ولكل صفحة منها ذكريات وقصص. 

الكُتب في غزة

قبل أكثر من عشرين عامًا، كان الرّيس يمارس هوايته بجمع الكتب والتُحف الأثرية ويُنمي من خلالها اهتمامه بالمطالعة، ثم تحول الشغفُ، مع الوقت، إلى مصدر رزقٍ في مدينةٍ الكثيرُ من شبابها طلابٌ في الجامعات المنتشرة على امتداد ساحل بحر غزة.

كثرت الكتب والتُحف المُجمعة مع الوقت لدى الرجل، وجلست على الرفوف في الخان الصغير وسط السوق، بترتيب يشرح الصدر إلى التأمل بها والقراءة، يجمعها من المكتبات ومن الناس التي قررت التخلي عن بعض الكتب لديها، إذ تحتوي الرفوف على روايات الأدب الإنجليزي النادرة وعلى لفيف من التماثيل النُحاسية الثمينة، كذلك. 

من سوق الزاوية في غزة (أ ب أ)
من سوق الزاوية في غزة (أ ب أ)

جلس الحاج سليم على كرسي وسط الخان وتحدث لـ "عرب 48" عن إقبال الناس على شراء الكُتب قائلًا "لم تكن ظروف العيش بالغة الصعوبة محفزا لشراء الكتب بشكل مستمر، فهناك فئة من القرّاء ممن يعتبرون القراءة أولوية لهم ويترددون باستمرار على شراء الكُتب رغم الوضع الاقتصادي"، مذكرًا بندرة إقامة معارض للكتاب في قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي الذي منع من وصول دور النشر والكُتاب إلى غزة، ففي الوقت الذي يُقام معرض سنوي للكتاب في المُدن العربية، كان آخر معرضٍ للكتاب أقيم في غزة عام 2012، وهي الفترة التي كان معبر رفح الحدودي مفتوحًا مع مصر، إبان حكم الرئيس المصري المعزل، محمد مرسي، وحضر إليه العديد من الكتاب العرب، بمشاركة دور النشر المُختلفة. 

كتابٌ ومشكلة

لا شك أن الطلاب هم الخاسر الأكبر من عدم توفر الكُتب بشكل جيّد في قطاع غزة، فعدد المكتبات العامة والمكتبات الجامعية بما تحتويه من كتب هو عدد متواضع جدًا، مقارنةً مع عدد الطلاب المرتفع، ما يصعّب عليهم مهمة الوصول إلى المراجع اللازمة لإتمام الأبحاث العلمية، الأمر الذي يدفع غالبيتهم لشراء الكُتب عبر الإنترنت أو تحميلها من المواقع التي توفرها. 

وفي مقابلة مع طالبة الماجستير في الصحة النفسيّة، حنين سمير، أوضحت لـ"عرب 48" معاناتها مع الكتبالخاصة في مجالها، قائلةً "أعاني خلال دراستي من فكرة عدم وجود الكتب الحديثة لتخصص الصحة النفسية، كما أن غالبية الكتب قديمة جدًا، لذلك اضطر للاستعانة بالكتب الإلكترونية. الوضع في غزة لا يسمح بشراء الكتب، وحتى إن تواجد بعض الكتب التي ممكن أن تفيدني في رسالة الماجستير فهي غالية جدا، ويمكنني فقط استعارتها لوقت بسيط". 

الاحتلال عدوٌ للقُراء 

لا يكتفي الاحتلال بمنع السلع الأساسية من الدخول إلى قطاع غزة فحسب، بل إن الطرق التي يسعى بها لتشديد الحصار على النّاس طالت مناحيَ مختلفة من الحياة، وكان قطاع الكتب أحد من طالهم المنع، حيث يمنع الاحتلال بعض الكتب من الوصول إلى غزة ويقوم بمصادرتها دون تحديد مسبق للمعايير المسموح بها ويُبقي على الأسباب مجهولة، الأمر الذي يجعل وصول بعض الكُتب الورقية إلى القطاع أشبه بعملية تهريب للممنوعات.

وأكد أحد العاملين في مكتب القدس للبريد السريع بغزة "أرامكس"، لـ "عرب 48" أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمنع الكتب السياسية من الدخول إلى غزة عبر المعابر التي تُشرف عليها، وإذا تم السماح بدخولها، فتلك حالات نادرة، بعد أن تمر بإجراءات معقدة تتخللها المُماطلة في إيصالها إلى مُستحقيها، وتكون غالبًا بعد فوات الأوان.

لعل الكتاب بالنسبة للغزيين كالبحر، متسع وسفينة للعبور لضفة أخرى، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي، عبر تقييده دخول الكتب، صنع جدران من نوع آخر تحيط بأهل القطاع، ورغم ذلك ما زال رواد المطالعة والطلاب يجدون طرق التفافية لإشباع رغبتهم في القراءة.

التعليقات