02/11/2022 - 12:18

105 سنوات على وعد بلفور المشؤوم..

وإعلان بلفور أعطى وطنا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى خمسين ألفا من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يقدر بحوالي 12 مليونا

105 سنوات على وعد بلفور المشؤوم..

(Gettyimages)

مرت 105 سنوات على وعد بلفور المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917 الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.

وكان "إعلان بلفور" آنذاك بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين، استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.

وجاء الإعلان على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك، آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.

وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص إعلان بلفور على الرئيس الأميركي آنذاك، ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا عام 1918، ثم تبعها الرئيس الأميركي ولسون رسميا وعلنيا عام 1919، وكذلك اليابان، وفي 25 نيسان/أبريل 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 تموز/يوليو 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول/سبتمبر 1923، وبذلك يمكننا القول إن إعلان بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب.

وفي المقابل، اختلفت ردود أفعال العرب تجاه الإعلان بين الدهشة، والاستنكار، والغضب، وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها إعلان بلفور، حيث أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، بواسطة الكولونيل باست، أكدت فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة هرتزل، وكذلك عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمتين لهم.

أما الشعب الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936.

ومن جهتها، اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستندا قانونيا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم مع توجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.

وتبدو الإشارة إلى إعلان بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع قيام دولة إسرائيل، دليلا فصيحا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيث نقرأ في هذه الوثيقة: "الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور...".

وتمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في الخامس عشر من أيار/مايو عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيل أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة.

وإعلان بلفور أعطى وطنا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى خمسين ألفا من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يقدر بحوالي 12 مليونا، في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفا من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الوعد المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية.

نص إعلان بلفور

وزارة الخارجية البريطانية

2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917م

عزيزي اللورد روتشيلد

يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:

"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوما بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علما بهذا التصريح.

الفصائل الفلسطينية تطالب بتحرك دوليْ لوضع حد للاحتلال

ذكرت حركة "حماس" في بيان لها اليوم، الأربعاء، أنه "في الذكرى الخامسة بعد المئة لما يسمى ’وعد بلفور’، نترحم على شهداء شعبنا الأبرار الذين روّوا بدمائهم الطاهرة ثرى الوطن العزيز، ونبعث بتحية الفخر والوفاء لأسرانا الأحرار وأسيراتنا الماجدات في سجون الاحتلال، ونسأل الله الشفاء العاجل لجرحانا الأبطال".

وأكدت أن "وعد بلفور وما تلاه من خطايا سياسية ومجازر إنسانية ضدّ شعبنا وحقوقنا وأرضنا التاريخية، واستمرار الانحياز والدَّعم الأميركي للاحتلال الصهيوني، وسياسة ازدواجية المعايير التي تمارسها بعض الدول الغربية في التعامل مع حقوقنا الوطنية، هي محاولات لن تفلح في تثبيت المشروع الصهيوني على أرضنا، ولن تستطيع تغييب أو طمس قضية شعبنا العادلة، مهما طال الزَّمن".

وشددت على أن "مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، هما مركز الصراع مع العدو الغاشم، الذي ما زال يمعن في خطط تهويدهما في حرب متصاعدة من أجل فرض أمر واقع عبر عمليات التدنيس والاقتحامات الاستفزازية، لكنّ شعبنا المرابط في بيت المقدس وأكنافه وقف لها بالمرصاد، يضرب أروع ملاحم الصمود والتصدّي لها، يسنده في ذلك شبابنا الثائرون في عموم الضفة المحتلة، وجماهير شعبنا ومقاومته الباسلة في كل السَّاحات، الذي تعاهدوا جميعًا على بذل المُهج والأرواح من أجل حمايتهما والذود عنهما حتى تحريرهما من دنس الاحتلال".

وبيّنت أن "مجازر وجرائم القتل والتهجير والإبعاد التي ارتكبها الاحتلال ضد الأرض والشعب الفلسطيني منذ ذلك الوعد المشؤوم إلى اليوم، لن تسقط بالتقادم، وستبقى شاهدة على إرهاب هذا الاحتلال الغاشم، وندعو إلى تحرّك دوليّ جاد وفاعل لوقفها ومحاسبة قادة الاحتلال ومرتكبيها كمجرمي حرب في المحاكم الدولية".

وأكدت "حماس"، أن "حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجّروا منها قسرا هو حقّ شرعي وقانوني ثابت، لا تراجع عنه ولا تفريط فيه أو مساومة عليه، وإنَّنا لنجدّد دعوتنا إلى حماية اللاجئين في أماكن وجودهم كافة، وتوفير الحياة الحرّة الكريمة لهم في دول اللجوء، عبر تمكينهم من حقوقهم الإنسانية، حتى إنجاز تطلّعاتهم في العودة إلى مدنهم وقراهم في فلسطين".

ولفتت إلى أن "مسؤولية إبطال كلّ مخلّفات ’وعد بلفور’، هي مسؤولية تاريخية متجدّدة، وواجب وطنيّ وقوميّ وأمميّ تتشارك فيها الأمَّة قاطبة وكل الأحرار في العالم، لوضع حدّ لإرهاب الاحتلال وعزله ونبذه دوليًا، ودعم صمود شعبنا ونضاله المشروع، وصولًا إلى تحرير فلسطين والعودة إليها، وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس".

وأبدت رفضها وإدانتها لكل أشكال التطبيع مع الاحتلال، ودعت أصحابها إلى التراجع عن هذا المسار الخاطئ، والوقوف مع شعبنا ونضاله المشروع في الدفاع عن أرضه ومقدساته، فالرّهان على العدو رهان خاسرٌ، لأنّه قائمٌ على باطل، والاحتلال إلى زوال.

ودعت "حماس" شعبنا في كل أماكن وجوده إلى مواصلة مسيرته النضالية بكل الوسائل، تمسّكا بأرضه وحقوقه ومقدساته وهُويته الوطنية، كما ندعو أمتنا العربية والإسلامية وأحرار العالم إلى مزيد من التضامن والدعم والتأييد لقضية شعبنا العادلة في تحرير الأرض وتقرير المصير.

وختمت بيانها "بعد مرور 105 أعوام على ’وعد بلفور’، سيمضي شعبنا بكلّ عزيمة وإصرار في مشروعه النضالي، موحّدًا صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص، متسلّحًا بإيمانه العميق وعدالة قضيته، ملتحمًا مع مقاومته الباسلة، مشتبكًا مع العدو في كلّ السَّاحات، معتزًا ومتواصلًا مع عمقه الإستراتيجي في الأمَّة، مؤمنا بوعد الله القريب بالنصر وتحرير الأرض والمسرى والأسرى، وإنّه لجهادٌ نصرٌ أو استشهاد".

ومن جانبها، أكدت الجبهة الديمقراطية، أن "الشعب لم يسلم لوعد بلفور ولا لباقي الوعود التي منحت الاحتلال الإسرائيلي مشروعية مزيفة، وسيبقى متمسكا بحقوقه وأرضه ووطنه، إلى أن تتحقق كامل أهدافنا الوطنية".

وأضافت أنه "لولا وعد بلفور، لكان ما زال المشروع الإسرائيلي تائها، يبحث له عن أرض يستعمرها ويبني عليها كيانه العنصري، إذ أن بريطانيا لا تزال تواصل دورها الاستعماري في دعم أعمال العدوان الإسرائيلي الدموية والتدميرية في تحالف غير مقدس مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى".

وقالت جبهة التحرير العربية، إن "وعد بلفور يتناقض مع كل مبادئ القانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول، وخصوصًا مبدأ عدم جواز ضم أراضي دول أخرى".

وحملت جبهة التحرير بريطانيا المسؤولية الكاملة والمباشرة عن تهجير قسري لما يزيد عن 800 ألف فلسطيني، وتدمير 500 قرية فلسطينية، وعن كل المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين.

وطالبت مؤتمر القمة العربية المنعقد في الجزائر، بوقف عملية انخراط بعض الأنظمة العربية مع الاحتلال، ودعم جهود الجزائر في إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة الفلسطينية، مؤكدة أن "الرد على جرائم الاحتلال هو بتحقيق الوحدة الوطنية، وإنجاز الشراكة الوطنية على طريق إنهاء مرحلة الانقسام".

وذكرت منظمة التعاون الإسلامي، أنها ملتزمة على الدوام بدعم نضال الشعب الفلسطيني العادل، من أجل استعادة حقوقه الوطنية المشروعة.

ودعت المجتمع الدولي لا سيما الأطراف الفاعلة منه إلى تصحيح هذا الظلم التاريخي، وتحمل مسؤولياته في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

كما طالبته بتمكين الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم المشروعة، بما في ذلك حق العودة وتجسيد إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وتحقيق رؤية حل الدولتين استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، مشيرة إلى أن هذه الذكرى ما تزال تشكل علامة قاتمة في الذاكرة والضمير الإنساني، وانتكاسة لقيم الحرية والعدالة.

التعليقات