غياب المطاعيم: خطر يهدّد حياة أطفال غزّة

تواصل إسرائيل تعطيل عمل النظام الصحّيّ في محافظتي غزّة والشمال، عبر منع دخول الأدوية والمستهلكات والمستلزمات الطبّيّة إليهما وذلك بعد أن استهدفت غالبيّة المنشآت الطبّيّة وسيّارات الإسعاف المتواجدة هناك...

غياب المطاعيم: خطر يهدّد حياة أطفال غزّة

(Getty)

ما زالت الحرب الإسرائيليّة الّتي دخلت شهرها الرابع على التوالي، تلقي بظلالها على الأطفال، الّذين يصنّفون ضمن الشريحة الأكثر هشاشة في المجتمع.

وإلى جانب نقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب وحالة تكدّس النازحين في مراكز الإيواء وما يرافقها من انتشار للأمراض المعدية، بات الأطفال يعانون من مضاعفات صحّيّة وعدوى تسبّب بها تغييب هذه اللقاحات "قسرًا".

وتواصل إسرائيل تعطيل عمل النظام الصحّيّ في محافظتي غزّة والشمال، عبر منع دخول الأدوية والمستهلكات والمستلزمات الطبّيّة إليهما وذلك بعد أن استهدفت غالبيّة المنشآت الطبّيّة وسيّارات الإسعاف المتواجدة هناك.

كما انتقلت مؤخّرًا، لاستهداف المنشآت الطبّيّة الواقعة وسط وجنوبيّ غزّة تزامنًا مع عمليّاتها البرّيّة المركّزة هناك.

وتحاول منشآت طبّيّة تمّ استهدافها بالمناطق الشماليّة للقطاع، النهوض مجدّدًا من تحت الدمار والركّام، وأبرزهم مستشفى كمال عدوان في بلدة بيت لاهيا (شمال).

وفي 1 يناير/ كانون الثاني الجاري، أعلنت وزارة الصحّة وصول تطعيمات الأطفال لمراكز الرعاية الأوّليّة في مناطق جنوب ووسط القطاع، دون وصولها إلى محافظتي غزّة والشمال بسبب المنع الإسرائيليّ المفروض عليهما.

وداخل أروقة مستشفى كمال عدوان، يلاحظ المارّ أنّ عددًا كبيرًا من الحالات المرضيّة هي من الأطفال.

هؤلاء الأطفال يكادون يتشابهون في أعراضهم المرضيّة والّتي تراوحت بين "الاستفراغ، والنزلات المعويّة وآلام البطن الحادّة، والتهابات تنفّسيّة".

وترجع مصادر طبّيّة تلك الأعراض والمضاعفات الصحّيّة لعدم تلقّي الأطفال للقاحاتهم الدوريّة، والّتي تحميهم من هذه الأمراض.

والدة الطفلين التوأمين محمود وإبراهيم أبو جاسر (8 شهور)، تشكو من عدم تلقّي طفليها للقاح الدوريّ المقرّر لهم في عمر الـ6 شهور.

وتقول الوالدة (لم تفصح عن اسمها) للأناضول: "لا أعرف كيف سأحصل على هذه اللقاحات، ولا أعرف ماذا سيحلّ بهم بسبب التأخّر في تزويدهما بها".

ويشكو اليوم الطفلان التوأمان من "استفراغ وإسهال حادّ يرافقه حمّى شديدة"، وفق قول والدتهما.

وتوضّح أنّ العلاجات الّتي يكتبها الأطبّاء للأطفال المرضى غير متوفّرة في المستشفى، بينما يتعذّر صرفها من الخارج لعدم وجود صيدليّات بسبب الحرب.

وتستكمل قائلة: "حتّى المحلول الّذي يتمّ تركيبه للأطفال داخل المستشفى، بالكاد يتمّ العثور عليه". وطالبت والدة التوأمين بـ"إيقاف الحرب"، مضيفة: "لا نطالب بشيء إلّا أن نعيش بسلام وأمان".

وأشارت إلى أنّ الحرب حرمتها من التواصل مع عائلتها المتواجدة جنوب القطاع لأكثر من 3 شهور، لافتة إلى أنّ عائلة شقيقة والدتها قتلت باستهداف إسرائيليّ ولم تستطع أن تلقي نظرة الوداع عليها.

والدة الطفلة نسمة المجدلاوي، الّتي تعاني من "إسهال ومغص حادّ"، تقول إنّ غالبيّة الأطفال الّذين تعرفهم يمرّون بنفس هذه الأعراض الصحّيّة.

وتضيف الوالدة (لم تكشف عن اسمها) للأناضول: "وضع الأطفال في المحافظات الشماليّة صعب للغاية، لا يجدون العلاجات ولا الطعام والمياه الآمنة للشرب، ولا الملابس أو الأغطية الّتي تقيهم برودة الجوّ، من سيتحمّل مسؤوليّتهم الآن؟".

وأوضحت أنّ الحالة النفسيّة الّتي يمرّ بها الأطفال خاصّة مع فقدانهم لآبائهم وعدد من أفراد أسرتهم يفاقم من تردّي أوضاعهم الصحّيّة. واستكملت قائلة: "طفلتي نسمة بدأت حالتها الصحّيّة بالتدهور بعد استشهاد والدها (لم تكشف عن موعد استشهاده)".

وطالبت والدة الطفلة الدول العربيّة والغربيّة بـ"النظر بعين الرأفة لأطفال غزّة"، مضيفة: "لم يعد لهم مستقبل في ظلّ هذه الأمراض وحالة الجوع الّتي يعيشونها".

وسط انقطاع اللقاحات الدوريّة، يعاني الأطفال في مناطق شمال غزّة من تدهور حالتهم الصحّيّة جرّاء انعدام سبل ومقوّمات الحياة.

الطفلة مريم فسفوس (11 عامًا)، واحدة من هؤلاء الأطفال، حيث تعاني من مرض "الجفاف".

تقول والدة الطفلة (لم تكشف عن اسمها) للأناضول: "أقلّ من شهر وطفلتي تحتاج لتلقّي التطعيمات، وهي اليوم غير متوفّرة وأتخوّف أن تتدهور حالتها الصحّيّة".

وتوضّح أنّ الظروف المعيشيّة الصعبة الّتي تحيّاها أسرتها في بلدة جباليا (شمال)، تفاقم من تدهور وضع طفلتها الصحّيّ.

وتضيف: "منزلنا مدمّر لا يصلح للسكن، لكن بقدر الإمكان حاولنا أن نبقى فيه لنأوي أنفسها بدلًا من التوجّه لمراكز الإيواء".

وأشار إلى أنّه قبل أيّام قليلة سقط حجر إسمنتيّ على وجع طفلتها وأصيبت بجروح، كما أنّها تعاني من صعوبة في التنفّس بسبب تلوّث الجوّ بدخان القذائف والصواريخ، وفق قولها.

بدوره، قال مدير المستشفى حسام أبو صفيّة، إنّ المستشفى تواجه "ازدحامًا وتكدّسًا بالحالات المرضيّة من الأطفال"، حيث يرجع ذلك إلى غياب اللقاحات الدوريّة.

وأضاف: "غياب التطعيم له دور كبير في تفاقم أوضاع هذه الحالات، خاصّة وأنّنا في فصل الشتاء والكثير من العدوى تنتشر في هذا الفصل، حيث كانت اللقاحات تحمي الأطفال من الكثير من الأمراض".

وبيّن أن تكدّس الناس في مناطق النزوح تهيّئ الظروف لانتشار سريع للعدوى في صفوف الأطفال، في وقت تعاني فيه المستشفى من شحّ الإمكانيّات والمستلزمات والكوادر الطبّيّة.

وأوضح أنّ قسم الأطفال داخل المستشفى يضمّ "عددًا كبيرًا من الحالات المنوّمة كان من الممكن أن تتعافى وتتحسّن لو تلقّت التطعيمات في موعدها".

واستكمل قائلًا: "لكنّ عدم وجود هذه التطعيمات في المناطق الشماليّة أدّى لازدحام في هذا القسم وفي قسم العناية المركّزة أيضًا".

وذكر أنّ عددًا من المضاعفات الصحّيّة والأعراض الّتي تصيب الأطفال جرّاء عدم تلقّي اللقاحات تكون بحالة متقدّمة ويجعلها بحاجة للعناية المركّزة.

وأوجز الأعراض الّتي تصيب الأطفال قائلًا: "النزلات المعويّة الحادّة، وإصابة الأطفال الأقلّ من 6 شهور بفيروس يصيب الشعب الهوائيّة".

وحذّر من انتشار أمراض جديدة قد تصيب الأطفال في الأيّام القليلة القادمة في حال لم يتمّ توفير اللقاحات الدوريّة.

وأشار إلى أنّ المستشفى تلقّت وعودًا من أجل تفعيل جدول وخطّة للقاحات الدوريّة في مناطق شمال غزّة، دون الكشف عن موعدها.

وعن انتشار الأوبئة بين الأطفال، قال أبو صفيّة إنّ ذلك يحدث جرّاء تكدّس أعدادهم في مراكز الإيواء مع غياب عوامل النظافة.

وتايع: "أيضًا قلّة الطعام الصحّيّ المقدّم للأطفال يعدّ عاملًا أساسيًّا لحدوث وانتشار العدوى وتطوّرها بشكل سيّء".

وأوضح أنّ شحّ المياه النظيفة الآمنة اللازمة للرضّع لاستخدامها في إعداد الحليب الصناعيّ، أو اللازمة للشرب للأطفال الأكثر من عامين، تساهم في انتشار الأمراض وتدمير مناعة الجسم لديهم.

التعليقات