سكان غزة "يموتون من الجوع"... الوصول للمياه "مسألة حياة أو موت"

تقارير المنظمات الأممية تشير إلى حجم الكارثة في غزة في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر؛ الإنسان الفرد يواجه أوضاعا غير إنسانية، الحصول على المياه مسألة حياة أو موت، والموت من الجوع بات واقعا.

سكان غزة

(Getty Images)

أكدت منظمة الصحة العالمية أن سكان قطاع غزة "يموتون من الجوع" بسبب القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، فيما بات الوصول إلى المياه النظيفة في القطاع "بات مسألة حياة أو موت" من جراء الحرب الإسرائيلي المتواصلة منذ 117 يوما وأدت إلى تدمير نصف المباني في قطاع غزة وحوّلته إلى مكان "غير صالح للعيش" ويحتاج إلى عشرات مليارات الدولارات لإعادة إعماره، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وشدّد مدير عمليات الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، مايكل راين، الأربعاء، على أن سكان قطاع غزة "يموتون من الجوع" بسبب القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية. وقال راين، في مؤتمر صحافي، "هناك سكان يموتون من الجوع ويتم دفعهم إلى حافة الهاوية وهم ليسوا أطرافًا في هذا النزاع (...) ويجب حمايتهم كما يجب حماية مرافقهم الصحية".

وأضاف "الشعب الفلسطيني في غزة في قلب كارثة هائلة"، مشيرًا إلى أن الوضع قد يزداد سوءًا. ونوّه راين إلى أن الوصول إلى التغذية السليمة أصبح قضية رئيسية في قطاع غزة خصوصًا مع الانخفاض الحاد في عدد السعرات الحرارية ونوعية الأغذية التي يتناولها سكان غزة.

الأوبئة تنتشر.. على نطاق واسع

وذكّر بأنه ليس من المفترض أن يعيش السكان إلى أجل غير مسمى على المساعدات الغذائية، موضحًا "من المفترض أن تكون هذه المساعدات عبارة عن مساعدات غذائية طارئة لدعم السكان". وتابع أن "نقص التغذية مع الاكتظاظ والتعرض للبرد بسبب نقص المأوى، يمكن أن يخلق ظروفا ملائمة لانتشار الأوبئة على نطاق واسع" خصوصًا بين الأطفال.

وأكد أنه "وقد بدأنا نراى هذه الأوبئة". من جهته، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غبرييسوس، إن المنظمة تواجه "تحديات شديدة" مستمرة في إطار دعم النظام الصحي في غزة. وأضاف "أكثر من 100 ألف من سكان غزة إما قتلوا أو أصيبوا أو فُقدوا ويفترض أنهم ماتوا".

وتابع أن "خطر المجاعة مرتفع ويتزايد كل يوم مع استمرار الأعمال العدائية وتقييد وصول المساعدات الإنسانية". ولفت تيدروس إلى أن مستشفى ناصر الطبي في خانيونس يعمل بسيارة إسعاف واحدة فقط حاليًا فيما يتم جلب المرضى على عربات تجرّها حمير.

وقال تيدروس إن منظمة الصحة العالمية حاولت إيصال الطعام إلى المستشفى الثلاثاء، لكن تم تجريد الشاحنات من تلك المساعدات "من قبل حشود في أمس الحاجة إلى الغذاء".

الحصول على مياه نظيفة... مسألة حياة أو موت

بدورها، قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إن الوصول إلى المياه النظيفة في قطاع غزة "بات مسألة حياة أو موت". ونشرت الوكالة، تدوينة على منصة "إكس"، كشفت فيها أن "الحصول على مياه نظيفة بات مسألة موت أو حياة في غزة".

وأفادت أن "كل يوم (في غزة) هو يوم كفاح لمجرد العثور على خبز وماء". وأضافت "كل يوم هو كفاح من أجل البقاء، وبدون المياه الصالحة للشرب، سيموت المزيد من الناس نتيجة الحرمان والأمراض". وحذرت الوكالة من خطورة الوضع نتيجة الازدحام الشديد على الاستخدام المشترك للحمامات والمراحيض.

وقالت إن "استمرار الازدحام، والذي يُرى فيه مشاركة آلاف الأشخاص لأعداد قليلة من مقصورات الاستحمام والمراحيض، أدى لتفاقم انتشار الأمراض الجلدية، مثل الجرب والقمل، والتي زادت سوءا نتيجة عدم قدرة الناس على الاستحمام".

وأوضحت أن الأرقام الأخيرة التي تابعتها الوكالة أظهرت أن "لكل ألفي شخص مقصورة استحمام واحدة، ولكل 500 شخص مرحاض واحد"، وفق ما نقلته الوكالة عن تمارا الرفاعي، مسؤولة الاتصالات بالمنظمة الأممية.

وفيما يتعلق بمنشآت الأونروا في غزة، أوضحت أن ما لا يقل عن 270 هجوما (إسرائيليا) أثّر على منشآتها، التي تؤوي عائلات نازحة. وأشارت الوكالة الأممية إلى أن تلك الهجمات "تسببت في مقتل 372 شخصا".

وأضافت أنه بسبب عدم وجود أماكن أخرى ينزح إليها أهالي غزة، فإنهم ما زالوا يحتمون بنفس المنشآت الأممية تلك حتى بعد الهجمات. وقالت الأونروا إن الوضع الذي يشهده قطاع غزة "ميؤوس منه تماما".

قطاع غزة "غير صالح للعيش"

وقالت الأمم المتحدة إن التدهور في الظروف المعيشية في غزة كان "حادًّا" منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أعقاب هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وأفاد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، في تقرير، بأن "مستوى الدمار الناجم عن آخر عملية عسكرية إسرائيلية جعل (قطاع غزة) غير صالح للعيش".

وقدّر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أنه بحلول نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، دُمّر أو تضرّر 37379 مبنى أي ما يعادل 18% من إجمالي المباني في قطاع غزة. ومذاك، تُظهر صور الأقمار الصناعية حجم الدمار المتزايد بحسب الخبير الاقتصادي لدى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، رامي العزّة، الذي شارك في إعداد التقرير.

ويقول العزّة المتخصص في المساعدات للشعب الفلسطيني، "تشير البيانات الجديدة إلى أن 50% من المباني في غزة متضررة أو مدمّرة"، محذرًا من أنه "كلما طال أمد هذه العمليات (العسكرية) في غزة (...) كلما كان تأثيرها أكثر خطورة". وأضاف أن "قطاع غزة غير صالح حاليًا للعيش".

وذكّر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بأن قطاع غزة كان في حالة يرثى لها قبل اندلاع الحرب حيث أدى الحصار المستمر منذ 17 عامًا والعمليات العسكرية المتكررة إلى جعل نحو 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الدولية. وقدّرت الوكالة أن اقتصاد غزة انكمش بنسبة 4.5% في الفصول الثلاثة الأولى من العام 2023.

وقالت في بيان إن الحرب "أدت إلى تسريع وتيرة التدهور بشكل كبير وعجلت بانكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 24% وانخفاض حصة الفرد في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 26.1% على مدار العام بأكمله". ونوّه إلى أن تراجع إجمالي الناتج المحلي للفرد الذي سُجّل العام الماضي يعادل ما حدث خلال فترة الحصار بأكملها وخلال ست عمليات عسكرية سابقة.

عودة الناتج المحلي إلى مستوى 2022 سيستغرق سبعة عقود

وبعدما كانت 45% من القوة العاملة في غزة تعاني من البطالة قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ارتفعت النسبة في القطاع المحاصر إلى 80% تقريبًا بحلول كانون الأول/ ديسمبر. وقال العزّة: "توقف القطاع الاقتصادي بكامله في غزّة"، مشيرًا إلى أن الأشخاص الوحيدين الذين يعملون حاليًا في القطاع هم المشاركون في العمليات الإنسانية.

وتشير تقديرات الوكالة الأممية إلى أنه حتى إذا بدأت عملية إعادة الإعمار على الفور وعادت غزة إلى متوسط معدل النمو الذي شهدته في السنوات الـ15 الماضية وهو 0.4%، فإن الأمر سيستغرق سبعة عقود حتى يعود القطاع إلى مستوى إجمالي الناتج المحلي الذي سجله في العام 2022.

وشدّدت الوكالة على الحاجة إلى مساعدات دولية ضخمة لإعادة إعمار غزة ودفع التنمية فيها إلى مستوى أكثر ملاءمة للعيش. وجاء في تقريرها أنه "ليس هناك شك في أنها ستصل إلى عشرات المليارات من الدولارات". وأكّدت الوكالة الأممية على أن أي حل للأزمة سيتطلب وقف العملية العسكرية ورفع الحصار والتحرك نحو حل الدولتين.

وأضافت أن الهدف لا يمكن أن يكون ببساطة "العودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023". وتابعت "لا بدّ من كسر الحلقة المفرغة للتدمير وإعادة الإعمار الجزئي".

التعليقات