"أطباء لحقوق الإنسان" في إسرائيل تطالب بالتحقيق في تدمير النظام الصحيّ في غزّة على أنه جريمة حرب

قالت الجمعية إن "مطالب الجيش بإخلاء المستشفيات كانت غير واقعية، وكان هناك تفاوت بين أقوال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي والأدلة التي قدمها، وهناك قلق جدي من أن الضرر الذي لحق بنظام الرعاية الصحية كان متعمّدًا ومنهجيًا ومبالغًا به".

أهال في غزة يبكون شهداءهم (Getty Images)

طالبت جمعية "أطباء لحقوق الإنسان" في إسرائيل، في ورقة تقدير موقف أصدرتها، اليوم الأحد، بالتحقيق في تدمير نظام الرعاية الصحيه في قطاع غزة على أنه جريمة حرب.

وانتقدت بشدّة مطالب إسرائيل برفع الحماية عن المرافق الطبية "في محاولة منها لتبرير الأضرار التي لحقت بها"، داعية إلى إجراء تحقيق في الهجوم على المستشفيات، للاشتباه بارتكاب جرائم حرب، نظرًا لاحتمال حصول انتهاك للقانون الدولي الإنساني.

وقالت الجمعية إن "مطالب الجيش بإخلاء المستشفيات كانت غير واقعية، وكان هناك تفاوت بين أقوال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي والأدلة التي قدمها، وهناك قلق جدي من أن الضرر الذي لحق بنظام الرعاية الصحية كان متعمّدًا ومنهجيًا ومبالغًا به".

وتتهم ورقة الموقف، إسرائيل، "بتدمير نظام الرعاية الصحية الفلسطيني في قطاع غزة، نتيجة الدمار الذي لحق بالمستشفيات، والأضرار التي طالت الطواقم الطبية والمرضى".

وتحلّل ورقة الموقف "ادعاءات إسرائيل - تلك التي أكدها طرف ثالث - بشأن رفع الحماية عن المستشفيات، بأعقاب استخدام حماس لها لأغراض عسكرية، أنها لا تشكل مبررًا لإلحاق الضرر بالمستشفيات في الحالات التي تمّ فحصها".

الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية والطواقم الطبية

تستعرض ورقة الموقف أبعاد الضرر والدمار الذي لحق بنظام الرعاية الصحية، وذلك حسب ما أفادت به منظمات الصحة العالمية ووزارة الصحة الفلسطينية، وكما ورد للمنظمة بشكل مباشر من قبل الهيئات الطبية في قطاع غزة.

وبحسب المعطيات، تم إلحاق الضرر بـ142 مؤسسة صحية، منها 30 مستشفى. وتم توقف 53 مركزًا طبيًا عن الخدمة. حتى كانون الأول/ ديسمبر 2023، كانت تعمل 8 مستشفيات فقط من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة وذلك تحت صعوبات وقيود.

ويعاني الجهاز الصحي من نقص حاد في القوى العاملة الطبية بسبب الضرر الكبير الذي إصاب الطواقم الطبية، حيث قُتل 326 منهم، وأصيب 350، واعتقل واحتجز 99 في إسرائيل.

(Getty Images)

وانخفض عدد الأسرّة الاستشفائية من 3500 إلى 1400، في الوقت الذي وصل متوسط إشغال المستشفيات التي تعمل إلى نسبة 209%.

إلحاق الضرر بالمرضى والجرحى

تشير ورقة الموقف إلى أن تدمير البنى التحتية الطبية أضر بشدة بقدرة نظام الرعاية الصحي على توفير العلاج الطبي المناسب لمرضاه، وتسبّب في أزمة خطيرة في مجال الصحة العامة.

- إلحاق الضرر بمرضى السرطان والكلى

تشرح الورقة بالتفصيل كيف تسبب قصف المستشفى "التركي" لعلاج السرطان في وفاة 10 مرضى، وأدى إلى بقاء مئات المرضى الآخرين دون علاج لأيام عديدة إلى أن تمّ نقلهم إلى مستشفَيين بديلين.

هذا بالإضافة إلى إغلاق معبر "إيرز"، حيث مُنع المئات من مرضى السرطان من الخروج لتلقي العلاج في القدس الشرقية والضفة الغربية.

(Getty Images)

وفي مثال آخر، تصف الورقة تأثير الوضع على نحو ألف مريض كلى، منهم 30 طفلًا، عندما تم اختصار جلسات غسيل الكلى من أربع ساعات إلى ساعتين أسبوعيًا، بسبب النقص في الوقود والمعدات الطبية المناسبة.

- إلحاق الضرر بالجرحى

وفقًا للورقة، فإنه اعتبارًا من كانون الأول/ ديسمبر، انخفضت قدرات نظام الرعاية الصحي في علاج أكثر من 50 ألف جريح جراء العدوان، بنسبة 70 بالمئة.

وتصف الورقة كيف أدى توقف المستشفيات الرئيسية عن الخدمة إلى الحكم بالموت على الجرحى فوق أرضية المستشفى، دون ماء، مواد تخدير، ومسكنات وضمادات، وفي ظروف صعبة جدًا من ناحية النظافة، وذلك بعدم وجود طواقم طبية كافية لعلاجهم. فهكذا.

وعلى سبيل المثال، تصف الورقة كيف كان على غرفتي العمليات في مستشفى الأهلي الاستجابة لـ500 جريح كانوا بحاجة إلى عمليات جراحية. تم إجراء العمليات الجراحية للجرحى الذين كانوا على حافة الموت فقط، فيما عولج مئات الجرحى الآخرين بتنظيف جروحهم لا أكثر، دون تخدير أو مسكنات، وأحيانًا كان يتم تنظيف الجروح بمسحوق الغسيل والخل بسبب نقص المعقمات الطبية.

إلحاق الضرر بالصحة العامة

تصف الورقة كيف أن العبء على المستشفيات؛ انقطاع التيار الكهربائي، النقص في الوقود والمياه النظيفة والمعدات الطبية تسببوا معًا في أزمة خطيرة في مجال الصحة العامة.

وتجلت هذه الأزمة في الكثير من الأمور، من بينها حالات الإسهال التي وصلت إلى مئة ضعف المتوسط لدى الأطفال، التهابات الجهاز التنفسي ومشاكل الجلد. كذلك، تم الإبلاغ عن تفشي وبائي للأمراض المنقولة جنسيًا والتهابات المسالك البولية لدى البالغين.

(Getty Images)

وتمّ الإبلاغ عن اضطرار النساء إلى إعادة تدوير استخدام الفوط الصحية، وتشارك حبوب منع الحمل، بالإضافة لعدم توفر إمكانية لإزالة وسائل منع الحمل داخل الرحم، التي سببت التهابات في الرحم ونزيف.

نقد التبرير الإسرائيليّ لإلحاق الضرر بنظام الرعاية الصحي

وانتقدت ورقة الموقف بشدة الادعاءات التي استخدمتها إسرائيل لرفع الحماية التي يمنحها القانون الدولي للمرافق الصحية والطبية، وبالتالي تبرير انتهاكها لها.

ويركّز النقد على ثلاثة مستويات:

1- مطالب غير واقعية بإخلاء المستشفيات

تدعي المنظمة أن مطالب الإخلاء التي أوصلها الجيش إلى الطواقم الطبية والمرضى في المستشفيات قبل مهاجمته إياها، كانت غير واقعية.

وعلّلت ذلك بأنه في جميع طلبات الإخلاء الـ22 التي قدّمت إلى المرافق الطبية في شمال قطاع غزة، لم يتمّ ضمان إخلاء آمن إلى مستشفيات أخرى التي بإمكانها استقبالهم، كما أن ظروف القتال في المنطقة لم تسمح بتنفيذ إخلاء آمن.

2- تفاوت بين تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي والأدلة التي قدّمها

تشير ورقة الموقف إلى وجود فجوات كبيرة بين تصريحات الجيش الإسرائيلي العلنية حول استخدام حماس للمرافق الطبية والأدلة التي قدمها. مثال على ذلك، تعرض الورقة الحدث في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، حيث أنه بعد فترة قصيرة من اجتياح المستشفى، قام الجيش بتغيير روايته التي تفيد بأنه لم يتم العثور على أي دليل لوجود مقر رئيسي لقيادة حماس تحت المستشفى، وهو الأمر الذي كان قد تمّ ادعاؤه خلال الأيام التي سبقت اقتحام المركز الطبي.

عوضًا عن ذلك، أعلن الجيش عن تحديد نفق، ثم قام بتفجيره بعد وقت قصير من العثور عليه، دون إفساح المجال للمحققين الدوليين بفحص النتائج بأدوات مهنية ومحايدة.

(Getty Images)

وبحسب ورقة الموقف، فإن هذا التفاوت قائم أيضًا في ادعاءات الجيش الإسرائيلي في ما يتعلق بمستشفيات شمال قطاع غزة، لأنه عمليًا لم يتم في أيّ من الحالات تقديم أدلة إلى طرف ثالث محايد، وبالتالي فلا يمكن التأكد من صحة هذه الادعاءات.

3- الاشتباه بالتسبب بالدمار وإلحاق الأضرار بشكل مبالغ به بجهاز الصحة الفلسطيني

على الرغم من ادعاءات إسرائيل باستخدام حماس للمستشفيات لأغراض عسكرية، وحتى لو افترضنا أن فيها شيئًا من الحقيقة، فإن الادعاءات والأدلة التي قدمتها لا تبرر حجم الدمار الذي لحق بنظام الخدمات الطبية. فعلى سبيل المثال، تدعي ورقة الموقف أن احتجاز حماس للمختطفين الإسرائيليين في بعض المستشفيات يُعدّ جريمة حرب ويجب التحقيق فيه على اعتباره كذلك، لكن هذا لا يكفي لتبرير حجم الدمار الذي لحق بالمستشفيات التي تم احتجاز المختطفين فيها، وباقي المستشفيات الأخرى بشكل عام.

وممّا جاء في ورقة الموقف، أن "عبء الإثبات يقع على عاتق إسرائيل في كل مرة تقوم فيها بمهاجمة مرفق طبي. ومن أجل تبرير مثل هذا الهجوم الشامل والمنهجي غير المسبوق على نظام الرعاية الصحي، سيكون مطلوبًا تقديم أدلة قوية ودامغة تدل على وجود نشاط عسكري في كل مرفق ومرفق وعلى تورط جهاز الرعاية الصحي بأكمله".

وعلى ضوء كل ذلك، خلصت جمعية "أطباء لحقوق الإنسان" إلى أنّ "التدمير الكامل الذي لحق بالمستشفيات، والأضرار التي لحقت بالطاقم الطبي والمرضى والنازحين يشهدان على وجود فجوة بين التهديد - الحقيقي و/أو المتصوّر - الذي واجهه الجيش الإسرائيلي وبين ردّه عليه، و ينبغي التحقيق في هذه الفجوة كجريمة حرب".

التعليقات