صرخات تحت الركام... عجز الدفاع المدنيّ يفاقم المأساة في غزة

مأساة يومية يواجهها الدفاع المدني، بعدم القدرة على انتشال المصابين من تحت المنازل التي تدمرها إسرائيل في غزة، ما يتسبب باستشهادهم، "90 بالمئة من معداتنا دُمّرت ونكافح بأيدينا فقط".

صرخات تحت الركام... عجز الدفاع المدنيّ يفاقم المأساة في غزة

(Getty Images)

تحت أنقاض مبنى مدمر في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، يعلو صوت شاب ينادي طلبًا للنجدة، محاصرًا تحت سقف منزله المنهار، إثر غارة إسرائيلية دمّرت أحد حارات الحي فوق ساكنيه.

على مقربة منه، يقف رجال الدفاع المدني وعدد من الجيران مذهولين، يحاولون تتبع مصدر الصوت.

لا معدات ثقيلة، ولا أدوات إنقاذ متقدمة، فقط طواقم الدفاع المدني بأدوات يدوية بسيطة، تحاول أن تصل إليه دون أن يتسبب الحفر في انهيار جديد فوقه ويقتله.

تسلّل أحد رجال الدفاع المدني من بين الحجارة الثقيلة، مخاطرا بحياته وسط ركام متصدّع، بعد أن تمكّن من فتح ممر ضيّق باستخدام أدواته البدائية.

وبعد دقائق مرهقة من الزحف والانزلاق بين الركام، أعلن هاتفا بنداء عاجل: "وصلت له... الشاب لا يزال على قيد الحياة".

لكن الفرحة لم تكتمل، فقد اكتشف المُنقذ أن سقف المنزل المنهار يرتكز بالكامل على الجزء السفلي من جسد الشاب حسام، الذي لا يستطيع تحريك قدميه، في مشهد مأساوي، يختزل حجم الكارثة.

(Getty Images)

وفي فيديو التقطه المُنقذ من موقعه، ظهر وهو يلهث من شدة التعب، قائلاً: "لو كانت لدينا معدات إنقاذ ثقيلة، لانتشلناه بسهولة، لكننا نكافح هنا بأدوات يدوية، والموت يسبقنا كل مرة".

وأضاف بصوت متهدّج، وهو يوجّه الكاميرا نحو الركام القريب من جسد الشاب: "سمعنا قبل قليل أصوات أطفال كانوا على مقربة من حسام، لكنهم صمتوا فجأة... أعتقد أنهم أصبحوا في عداد القتلى، تحت الأنقاض".

ولم يوضح المشهد الذي تناقلته مواقع التواصل مصير الشاب حسام، لكن القصة تعكس حجم العجز القاتل الذي يواجهه رجال الدفاع المدني، في ظل منع دخول معدات الإنقاذ إلى غزة، منذ بداية الحرب، قبل 18 شهرا.

وفي قطاع غزة، حيث تتواصل الهجمات الإسرائيلية منذ شهور، أصبح مشهد البحث تحت الركام مألوفًا، لكن العجز عن الوصول إلى العالقين يزيد من مأساوية كل لحظة.

طواقم الدفاع المدني تعمل في ظروف قاسية، وسط دمار واسع ونقص حاد في المعدات، وتبذل جهودًا مضاعفة في كل عملية إنقاذ.

أزمة متراكمة

الناطق باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، يقول إن طواقم الإنقاذ تعيش "مأساة يومية" وسط دمار هائل ونقص حاد في الإمكانيات، جرّاء العدوان الإسرائيلي المستمر الذي دمّر نحو 90 بالمئة من قدراتها.

(Getty Images)

ويضيف بصل أن "المعاناة التي تواجهها طواقم الدفاع المدني ليست وليدة الحرب الحالية فقط، بل هي متراكمة منذ سنوات، لكنها تفاقمت بشكل غير مسبوق بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إثر تزايد عمليات القصف وتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها".

وذكر أن إسرائيل دمّرت أكثر من 80 إلى 90 بالمئة من مقدرات الدفاع المدني، من مركبات ومعدات وآليات، ما أجبر الطواقم على الاعتماد الكامل على جهودها البشرية في عمليات الإنقاذ، وسط ظروف شديدة الخطورة.

مجزرة الشجاعية مثال صارخ

ويشير بصل إلى أن غياب المعدات برز بشكل مأساوي في مجزرة حي الشجاعية شرق غزة، حيث أدى القصف في 9 نيسان/ أبريل الجاري إلى تدمير 8 منازل، واستشهاد 23 شخصا، فيما لا تزال جثامين 36 آخرين تحت الأنقاض، تعجز الطواقم عن الوصول إليهم أو إنقاذهم.

(Getty Images)

ويضيف أن "من يُترك تحت الركام يُضاف إلى سجلّ أكثر من 10 آلاف مفقود، لم نتمكن من انتشالهم، بسبب غياب المعدات".

وشدد بصل على أن استمرار الكارثة الإنسانية يضع العالم ومنظمات المجتمع الدولي أمام مسؤولياتهم، وتساءل مستنكرا: "لماذا لا تُدخل معدات وقدرات إنقاذ إلى الدفاع المدني؟".

وتابع: "إذا كان المنع متعمّدا، فهذا يعني أن الاحتلال والعالم يحكمان على سكان غزة بالموت، وإذا كان السبب سياسياً، فذلك ظلمٌ يتحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته".

"مذبحة" ضدّ المركبات ومعدّات الإنقاذ

وذكر بصل أن مقرات الدفاع المدني باتت شبه خالية من المعدات، بسبب ارتكاب إسرائيل "مذبحة" ضد المركبات ومعدات الإنقاذ والإسعاف، عبر استهدافها بالطائرات المسيرة، وإحراقها بمختلف مناطق قطاع غزة.

(Getty Images)

وأضاف أن "ما تبقّى من المركبات متهالك، ويصعب تشغيله، وهو ما يؤثر على قدرتنا على تقديم الخدمات للمواطنين الذين يواجهون الموت تحت الأنقاض، أو بسبب نقص الرعاية".

وأطلق متحدث الدفاع المدني مناشدة عاجلة لإنقاذ ما تبقى من الإمكانيات، داعيا لفتح الممرات لإدخال معدات ثقيلة وطواقم دعم قبل أن تتحول كل مهمة إنقاذ إلى مشهد إضافي في مسلسل الموت المتواصل بغزة.

وكثفت إسرائيل منذ 18 آذار/ مارس الماضي، جرائمها في غزة عبر شن غارات على نطاق واسع، استهدف معظمها مدنيين بمنازل وخيام تؤوي نازحين.

التعليقات