مشروع قانون منع إحياء ذكرى النكبة: المحامية عبير بكر: قانون غبي يتدخل في مشاعر الفلسطيني وأفراحه وأحزانه

"لا أذكر قانونًا للعليا حاول تصحيح وضع الفلسطينيين، بل على العكس، فجميع القوانين أعطت امتيازات إضافية للجنود المسرحين، أو جاءت لتقيّد من حقوق العرب والفلسطينيين"

مشروع قانون منع إحياء ذكرى النكبة: المحامية عبير بكر: قانون غبي يتدخل في مشاعر  الفلسطيني وأفراحه وأحزانه
في حديثِ مع المحامية عبير بكر ، من مركز عدالة القانوني، أكدّت بكر على عنصرية اقتراح القانون الذي يحظر على الفلسطيني إحياء نكبته.

وشدّدت أيضًا على ضرورة التصدي لهذا الاقتراح، الذي لا يمنع حرية الفرد فحسب، بل ويفرض عليه منع مشاعره وأحاسيسه تجاه كل ما هو إنساني... وهي تعتقد أنه اقتراح غبي وأنه على الأغلب لن يُمرر، بسبب صلافته وشدة قسوته.

هل مِن سبب لتوقيت فرض قانون حظر إحياء ذكرى النكبة، في هذه الأيام؟

القضية ليست قضية مرحلة، الأمر يتعلق بالفرصة السانحة بالاعتماد على الأجواء السياسية التي تشجع، والحكومة الاسرائيلية الحالية تدعم ليبرمان وكان من السهل تمرير قانون كهذا. لكنها ليست المرة الأولى فقد سبقتها محاولات في الحكومة السابقة، واليوم هنالك أرضٌ خصبة بدليل تمرير القانون بسهولة في اللجنة الوزارية.

هل هذا القانون، قانوني؟!

المعيار لا يكون قانونيا أو غير قانوني وإنما إذا كان دستوريا او غير دستوري، فهذا القانون قبل أن يكون موجهًا ضد الغبن التاريخي والاعتراف بالذاكرة الجماعية، وتأخذ إسرائيل مسؤولية على جرائم ارتكبتها، وليس فقط بسبب حق التظاهر إحياءًا لذكرى تاريخي الجماعي وذاكرتي الجماعية، إنما هناك واجب بتحمل المسؤولية التي ارتكبت بحق من أصبحوا مواطنيها، لكن في المعايير الحيادية فإنه ليس دستوريًا بتاتًا، لأنه يتم تقييد التعبير عن الرأي على أساس مضمون الرأي، عادةً عندما نتحدث عن حرية الرأي فإنه ليس من حق أحد منع الآخر من قول رأيه لمجرد أنه لا يعجب، إلا اذا كان الرأي الشخصي يهدد الآخرين، بمعنى أن يبرر الفرد ارتكاب الجرائم، فقط في هذه الحالة يمكن للدولة أن تقيد الفرد على حرية التعبير عن رأي، لكن اقتراح حظر النكبة، فإنه يتم منع الفلسطينيين ليس فقط ضد حرية التعبير عن الرأي، بل يريدون منع الإنسان من التعبير عن مشاعره، كأن يقولوا مثلاً «يوم الغفران»، ليس من حق أحد أن يبتسم، وهذا أكبر قانون يمنع الانسان من فرض مشاعره كيفما شاء، ولو تمّ تمرير القانون فإنّ ذلك سيفرض الكثير من القيود على تصرفات ومشاعر الفرد، وربما يجبرون الفلسطيني على رفع العلم الاسرائيلي «يوم استقلالهم»... والقانون الجنائي لا يحاكم على مشاعر وإنما على فعل أو نية الفعل في ارتكاب جريمة جنائية، إضافة الى محاولة انكار الذاكرة الجماعية التي من واجب الدولة الاعتراف بها. صحيح ان هذا القانون جاء ليقيد التعبير عن الرأي، لكن هذا لا يعني أننا اليوم في وضعنا الحالي، غير مقيدين، وآتيك بمثل: التظاهر ضد الحرب واعتقال المشاركين يأتي مصحوبًا بادعاء «تظاهرة غير قانونية» ولكن في الحقيقة فإنّ مضمون التعبير عن الرأي هو سبب الاعتقال، أي السبب في إقامة التظاهرة، كما جرى في التظاهرات ضد جرائم الحرب في غزة. والقانون لا يمنعك ان تُبدي مشاعرك حتى لو كان احساسك خاطئًا.

أين تقف المحكمة العليا في مواجهة هذا القانون وغيره من القوانين العنصرية؟!

أولاً ما يجري ان الكنيست تمأسس سياستها بواسطة قوانين، حتى الآن سياسة التمييز العنصري موجودة ولا حاجة لقانون يبررها، ونقوم نحن بمحاربتها، ولكن فرض القانون يعني إعطاءها الشرعية والأبدية حتى يصعب إلغاؤها، وحجة «الديمقراطية» ان الأغلبية هي التي قررت، لكن الحديث عن مس بحقوق أساسية ودستورية للأقلية، فالقوانين وُضعت بهدف لجم الأغلبية ومنعها من اضطهاد الأقلية، وعندما يُقلب القانون الدستوري الى مجموعة قوانين دستورية معناه، أنك تحول دستور الدولة ومعاييرها الى قوانين عنصرية وهذا ضد فكرة اي دستور في العالم أجمع.

الشيء الآخر «قوننة» سياسة عنصرية بقانون معمولة بحنكة حتى تصعّب على المحكمة التدخل، لأن المحكمة العليا على الرغم من صلاحيتها في إبطال قوانين لا تتمشى مع الدستور ولا تتماشى مع حقوق الإنسان أو تعارضه بشكل فظ لديها صلاحية إلغائها، لكن تكاد لا تستعملها خوفًا من الهجمة الشرسة السياسية عليها، كما حدث في السنوات الأخيرة على الرغم من صلاحية المحكمة، لكن حتى الآن جميع القوانين التي سُنت بعد قانون أساس حرية الفرد وكرامته، للمحكمة الحق بإلغائها اذا كانت تناقض القانون الأساس (أعلى مكانة)، باستثناء قوانين الطوارئ التي لا يمكنها الغاؤها، لكن المحكمة تستطيع ان تعطي تفسيرها بما يتماشى مع روح كرامة الفرد وحريته ومع قانون الأساس، على الرغم من صلاحيتها في إبطال قوانين وكثرة القوانين غير الدستورية التي سنت خلال ال 15 سنة الأخيرة، الا ان المحكمة لم تتجرأ الا ست مرات في الغاء قوانين. (الحالات التي تم فيها الغاء بنود قوانين على يد المحكمة الاسرائيلية : في قضية نقابة مديري الاستثمارات تم اعلان بطلان قانون يمس بحرية العمل، في قضية تسيمح تم الغاء يعنى بالاعتقال في اطار التحكيم العسكري الخاص بالجنود، في قضية اورون تم بطلان قانون منح تراخيص بث لمحطات إذاعية عملت من دون تراخيص لفترة خمس سنوات من دون عطاء، في ظل المس بحرية العمل والتشغيل عند المنافسين في قضية المجلس الاقليمي تم بطلان، في قضية مستوطني غزة تم ابطال بند من قانون الانسحاب الذي قيد جيل تقديم طلب لمنح ، بسن 21 عامًا، قانون منع دفع تعويضات لفلسطينيين تضرروا من عمليات عسكرية: تم الغاء بند من القانون. )

وقد الغت قانونًا واحدا يخص الفلسطينيين، اما القوانين الاخرى فتعنى بحرية العمل. قانون المواطنة او منع لم الشمل، المحكمة لم تلغه حتى اليوم، رغم عنصريته وعدم دستوريته.

هل فرضت المحكمة العليا قانونًا لصالح الفلسطينيين؟

لا أذكر قانونًا كهذا، حاول تصحيح وضع الفلسطينيين، أو أنه يمنح امتيازات معينة للعرب، بل على العكس، فجميع القوانين التي سنت أعطت امتيازات إضافية للجنود المسرحين، او جاءت لتقيّد من حقوق العرب والفلسطينيين بشكلٍ عام، ويمكن النظر أيضًا الى قوانين الكنيست فلا قانون ينصف وضع الفلسطينيين، بل تحاول الكنيست تحويل الأجندة ضد العرب الى قوانين وهنا تكمن الخطورة.

وأنظر الى القوانين التي تمرر بأنها من أبشع القوانين، وأشعر أنّ هناك استخفافا وسهولة في تمرير قوانين على الرغم ان منظومة اسرائيل الدستورية داخل الكنيست فيها لجان وتدعو الأجانب لمناقشة القانون، وعضو الكنيست لا يرى ان لديه واجبًا اخلاقيًا للبشرية بل يرى الجانب الاخلاقي له بأن يضرّ الآخرين أكثر.

ما هو الدور القانوني الذي يتوجب اتخاذه من قبل المؤسسات القانونية في البلاد؟

يجب ان تدعو المؤسسات الى الغاء القانون قبل سنه، بمعنى ان يبدأ العمل أمام المشرع في المرحلة الأولى من اقتراح القانون، بعد ذلك يتم استنفاذ امكانية مطالبة المحكمة بإلغاء القانون بناء على معايير دستورية يمكن اخذها دون الرجوع الى قوانين اخرى، بل يمكن النظر الى معايير عالمية، ولو فشلنا، ولدينا مآخذ على المحاكم في الدولة التي تأخذ لها وقتًا طويلاً حتى تبت بالقضية، معنى ذلك ان تمر اكثر من 5 و6 سنوات دون الغاء القانون، يجب اختيار استراتيجية مناسبة، وفي هذه الحالة قانون النكبة اذا مُرر فيجب الدعوة الى المظاهرات وفي حال حاكمت اسرائيل المشاركين في المظاهرات «ضد حظر النكبة» فإنّ القانونيين يستطيعون الدفاع عن المجموعة وعن طريق المرافعة يتم المطالبة بالغاء هذا القانون.

التوقع ان لا يمرّر هذا القانون، لكن في هذه الكنيست لا يمكن ضمان أي شيء، وقد يمر في لحظة «غيبوبة»، هناك سهولة في تمرير مثل هذه القوانين، ولذلك يجب تصعيد الاحتجاج على هذا القانون.

لكن أود التنويه أن هناك اقتراحات قوانين عديدة تطالب بمنع توزيع ميزانيات لكل من لم يؤدِ الخدمة العسكرية اضافة الى فرض ضرائب اضافية على من لم يؤد الخدمة العسكرية.

وهل يجب ان نحث الجماهير على النضال ضد هذا القانون؟

النضال الجماهيري يتم عبر إحياء النكبة والذاكرة الجماعية وأن نقاوم كل محاولة لإسكات يوم النكبة أو محاولة اعتداء ضد متظاهرين، او محاكمات، فمعركتنا مستمرة بأن نستمر في إحياء النكبة، ومطالبة اسرائيل بالاعتراف بمسؤولية عن نكبة 48، ومن بين هذه الامور محاربة اسكات يوم النكبة، وقضية النكبة والذاكرة الجماعية لا تأتي فقط في 15 ايار، إنه يوم رمزي ونصر على احيائه، لكن يجب بالمقابل ان نحيي النكبة بشكلٍ يومي، طالما نحن موجودون، ونتطلع الى المطالبة بمحاكمة اسرائيل على جرائم النكبة، بهذه الوسيلة يتم إحياء النكبة.

وكيف على القانونيين ان يواجهوا هذا القانون؟

حاليًا لا يمكن فعل شيء، فهو اقتراح قانون، ولكن يمكن ان نتوجه للمحكمة لو ظهر بأنّ المُقترح عنصري بشكلٍ واضح وحتى الآن قانون واحد في تاريخ الكنيست تمّ الاعتراض عليه كونه عنصريا.

أما اقتراح القانون فهو لا يذكر النكبة، بل يُطالب بمنع مظاهر الحزن «يوم الاستقلال»، ومن هنا يتضح ان سياق القانون غبي. أما نحن القانونيين فكل الوسائل الشرعية القانونية متاحة أمامنا، حتى دوليًا.

التعليقات