النكبة وخرائط التسوية!../ نواف الزرو

النكبة وخرائط التسوية!../ نواف الزرو
ونجدد التوكيد ثانية وثالثة ونحن اليوم امام الذكرى الستين للنكبة، ان كل فنون و"همبكات" الممكن السياسي وكافة مناورات البراغماتية وألاعيب التكتكة ومراعاة الظروف والموازين الاقليمية والدولية، لا تبرر ولا تسوغ اطلاقا لاي جهة فلسطينية او عربية حتى لو كانت منتخبة وشرعية، نهج التفريط بالحقوق التاريخية والحضارية والقانونية والوطنية الراسخة للشعب العربي الفلسطيني في الوطن الفلسطيني المحتل.

فتصفية الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في فلسطين تساوي عمليا واستراتيجيا نكبة جديدة تلحق بهذا الشعب..!
فالنكبة الشاملة بالاصل حلت بالشعب الفلسطيني في اعقاب المجازر الجماعية وجرائم الحرب المروعة التي اقترفت ضده، وفي اعقاب اغتصاب وتهويد فلسطين، وتشريد وتلجيء غالبية الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء والشتات، وقد اصبح تعداد اللاجئين فيها اليوم قرابة خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.

انقضى حتى اليوم ستة عقود على النكبة وضياع فلسطين، كابد خلالها الشعب الفلسطيني من المعاناة والعذابات والقهر ما لم يكابده شعب في العالم، وناضل وقدم التضحيات الكبيرة المتراكمة من اجل استرداد حقوقه المغتصبة وفي مقدمتها حق العودة، وتضاعفت الحقوق عمليا على مدى العقود الماضية لتصبح مثلثة واكثر، فاذا كان من حق اللاجئين العودة والتعويض وفق القرارات الدولية الراسخة، فقد اصبح من حقهم اليوم وبعد ستة عقود من المعاناة والتضحيات ليس فقط العودة والتعويض عن الممتلكات المغتصبة، وانما اصبح من حقهم كذلك الحصول على تعويضات مضاعفة مرات ومرات عن ممتلكاتهم اولا، ثم عن تشردهم وعذاباتهم وتراكمات الاذى والاضرار المادية والمعنوية والنفسية والاجتماعية التي لحقت بهم ثانيا، ثم تكرس حقهم اكثر من المراحل الزمنية السابق باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة السيادية على ارض فلسطين ثالثا.

فالتفريط بهذه الحقوق التاريخية والقانونية اذن، يعادل نكبة جديدة بعد ان يكرس النكبة الاولى وملحقاتها وتراكماتها وتداعياتها الرهيبة، ويمكن القول ايضا انه يعادل "التطهير العرقي الطوعي" هكذا..؟!!

ومن التعميم الى التخصيص والتحديد، نقول: ان كافة وثائق ومقترحات التسوية السياسية المتراكمة على مدى العقود الماضية، بدءا من اتفاقيات كامب ديفيد الاولى، مرورا بأوسلو وملحقاتها، ووصولا الى خريطة الطريق ووثيقة جنيف، فخريطة "فك الارتباط" وصولا الى برنامج انابوليس وتفريخاته، لم تقدم حلولا جذرية اساسية شافية للقضايا والحقوق الفلسطينية المشروعة المشار اليها وغيرها، بل انها تفرط في المضمون والجوهر بأهم حق تاريخي للشعب الفلسطيني، وهو حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

ففي الأصل والجذور ان فلسطين كلها من بحرها الى نهرها عربية التاريخ والحضارة والتراث والهوية، والشعب العربي الفلسطيني هو الأصل وصاحب الحق في الوجود والبناء والدولة فيها، فكيف يمكن تصور اي حل يسلب هذا الشعب حق العودة وبناء الدولة..؟!!

وفق مضامين خريطة الطريق ومراحلها الثلاثة، فان هذه الخريطة تسقط حق العودة تماما، وحسب نصوص وتفاصيل وثيقة جنيف التي يعتبرها العديدون الخطة التفصيلية والتطبيقية للخريطة، فان حق العودة ساقط تماما، ناهيك عن زرعها لجملة من الالغام من الوزن الثقيل.

فالوثيقة ايضا، فضلا عن انها تفرط بحق العودة فانها لا تقدم حلولا جذرية حقيقية للقضايا الجوهرية الاستراتيجية مثل: القدس المحتلة والمهوّدة، فكيف يمكن الموافقة فلسطينيا على بقاء الاحياء والمستعمرات اليهودية و"ما لليهود في القدس تحت السيادة الاسرائيلية".. وبأي حق.. القوة.. الارهاب.. الامر الواقع..؟!!

وحول المستعمرات اليهودية المنتشرة انتشارا سرطانيا في جسم الضفة الغربية، فان الوثيقة وان تحدثت عن اخلاء الكثير منها، فانها لا تتحدث عن تفكيكها بالكامل، بل انها تتحدث عن تبادل للاراضي، مثلا ان يحصل الفلسطينيون في النقب على مساحة من الاراضي التي تضمها "اسرائيل" اليها في الضفة الغربية، وهذه الصيغة تضليلية ومخادعة تماما، فالمستعمرات والاراضي التي ستبقيها "اسرائيل" تحت سيادتها خصبة واستراتيجية، وتضم المصادر والاحواض المائية الاساسية في الضفة، التي تشمل حسب التقارير الفلسطينية ما لا يقل عن 85% من مخزون المياه في الضفة، كما انها ستبقى خنجرا كبيرا في الجسم الفلسطيني حيث تقطعه الى اجزاء لا يربط بينها سوى ممرات امنية تبقى تحت السيطرة الاسرائيلية.

وهناك ايضا قصة استمرار الوجود العسكري على امتداد الاغوار ونهر الاردن، فضلا عن السيطرة الامنية الاسرائيلية الازلية على ارض واجواء وحدود الكيان الفلسطيني المبرمج والذي لا يزال مجهول الهوية ومدى ومساحة الصفات السيادية فيه..؟!!

والاخطر من كل ما تقدم ان الخريطة والوثيقة في اعقابها بتفريطهما الصريح بحق العودة لخمسة ملايين لاجئ فلسطيني تكرسان المشروع الصهيوني تماما بأهدافه الاستراتيجية المحددة باغتصاب وتهويد فلسطين بالكامل، وترحيل الشعب الفلسطيني وتصفية حقوقه التاريخية الراسخة الثابتة المقدسة في فلسطين.
ولذلك ليس عبثا ان ووجهت الوثيقة بمعارضة فلسطينية فصائلية وشعبية واسعة النطاق.
فتصفية حق العودة تعني لدى الشعب الفلسطيني نكبة جديدة.. وتخليدا لحياة التشرد واللجوء والتوطن والمعاناة في دول ومجتمعات عربية لا تتعامل مع الفلسطينيين الا كمواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة او الرابعة..!

ولذلك من الخطيئة المراهنة على الخريطة او على وثيقة جنيف او على انابوليس او اية وثيقة اخرى لاحقة تفرط بحق العودة وتكرس المشروع الصهيوني.. وتخلد النكبة..؟!!
والمسؤولية هنا بالتأكيد مسؤولية فلسطينية عربية شاملة رسمية وشعبية، مهما حاولت الانظمة العربية تعليق النكبات والازمات والتفريطات على المشجب الفلسطيني..؟!!

التعليقات