لا يحق لكم الاستقلال../ زهير اندراوس

لا يحق لكم الاستقلال../ زهير اندراوس
في بداية مقالي هذا، أرى لزاماً على نفسي أن أوضّح بصورة غير قابلة للتأويل: لا أشعر بأي انتماء للدولة العبرية، لا لرموزها، لا لعلمها ولا لنشيدها الوطني. حالة من الكآبة تنتابني كل سنة عندما تحتفل الدولة اليهودية بيوم استقلالها، وباعتقادي المتواضع فإنّ الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين لا تريد مني أن أشعر بالانتماء، وبالتالي فإن هذه الأرض هي موطني، وإسرائيل ليست دولتي.

ستون عاماً مضوا. الرواية الإسرائيلية تقول استقلالا، وروايتنا العربية الفلسطينية تؤكد أنّه في العام 1948 حلّت بشعبنا النكبة. أبناء شعبي طُردوا وهُجّروا إلى الدول العربية المتاخمة، سورية ولبنان والأردن، هناك ما زالوا يعيشون في ظروف غير إنسانية بالمرة. على الرغم من محاولاتي المتكررة لفهم الإسرائيليين، أقّر وأعترف أنّني فشلت في مهمتي: كيف يحتفل شعب بيوم استقلاله وهو ما زال يسيطر على شعب آخر بقوة السلاح، وبالتالي لا أبالغ البتة إذا جزمت أنّه لا يحق للإسرائيليين أن يحتفلوا باستقلالهم، بسبب الاحتلال الذي قضى على كل شيء ممكن في المجتمع الإسرائيلي ودمّره.

التاريخ علّمنا أنّه في الدولة الديمقراطية الليبرالية، وإسرائيل تزعم أنّها دولة على هذا الطراز، فإنّ الأكثرية ملزمة بأن تثبت للأقلية حسن نواياها، ما معناه أنّ الأكثرية اليهودية في الدولة العبرية ملزمة بأن تمنحنا الشعور بالانتماء للدولة. وفي هذا السياق عليّ أن أؤكّد بصورة قاطعة وحازمة أنّ موافقتي على الاعتراف بالأكثرية اليهودية هنا، هي بمثابة تنازل تاريخي من قبلي، لأنّني أضع نفسي في مصاف الأقلية. مضافاً إلى ذلك، فإنّ الأقلية العربية الفلسطينية في مناطق الـ48 هي أقلية مختلفة عن باقي الأقليات في العالم. الفلسطينيون في الدولة العبرية هم من مواليد هذه الأرض الطيبّة، إنّنا نعيش هنا، وهذا الأمر ليس منّة من أحد، لسنا ضيوفاً في بلادنا، وبطبيعة الحال لسنا عابري سبيل. كنّا هنا قبلكم، وأنتم الذين وصلتم إلينا واغتصبتم أرضنا وعرضنا ودمرتم الشجر والحجر والأرض.

حكومات إسرائيل المتعاقبة أقصت الفلسطينيين في البلاد، منذ صغري وأنا أسمع تصريحات المسؤولين عن المساواة، ولكنها بقيت حبراً على ورق، عملياً، الحكومات صرحت عن المساواة، ولكنها قامت بتكريس سياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، أبناء الأرض الأصلانيين. لم تكن لدى هذه الحكومات أية نيّة في تطبيق المساواة بين اليهود والعرب.

أيُهّا الإسرائيليون، توقفوا عن طرح المعادلة البائسة التي تقول إنّ من يعطي الواجبات يأخذ الحقوق، لا توجد دولة أخرى في العالم تزعم أنّها ديمقراطية، تتصرف بهذا الشكل سوى الدولة العبرية، وللتدليل على ذلك، فإنّ الدروز يخدمون في الجيش الإسرائيلي منذ قيام الدولة، والتمييز العنصري اللاحق بهم لا يختلف البتة عن التمييز اللاحق بمن لا يخدم من العرب الفلسطينيين.

أيُهّا الإسرائيليون، زوروا القرى العربية الدرزية في الكرمل والجليل واطلعوا على الأحوال المعيشية هناك. سافروا إلى قرية بيت جن في الجليل الأعلى داخل الخط الأخضر، وهي بالمناسبة قرية نائب وزيرة خارجيتكم مجلي وهبة. خمسون جنديا من القرية قتلوا في ما تسمونه أنتم معارك وحروب إسرائيل. في القرية لا توجد شوارع. البنية التحتية معدومة. مجلس محلي غير موجود. عملياً، لا يوجد أي شيء، فعن أي حلف دم مزعوم تتحدثون بين اليهود والدروز. زوروا قريتي عسفيا ودالية الكرمل، اللتين خدم أبناؤهما في جيش احتلالكم. إنّ السكان هناك يهددون بانتفاضة بسبب قرار الحكومة الإسرائيلية مصادرة الأراضي التابعة للسكان لإقامة حديقة كبيرة لاستقبال الزائر. السكان، الذين خدموا في جيش احتلالكم، باتوا يهدّدون اليوم بانتفاضة دفاعاً عن أراضيهم المعرضّة للسلب والنهب من قبل حكومتكم. هذه هي المساواة على النسق الإسرائيلي. إنكم دولة ديمقراطية عندما يتعلق الأمر باليهود، ودولة يهودية عندما يكون الأمر مربوطاً بغير اليهود.

العنصرية ، تأججت في السنوات الأخيرة داخل جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي، وبات كل سياسي مبتدئاً كان أو مُجرّباً يستخدم الخطر الديموغرافي من العرب كرافعة للحصول على أصوات الناخبين، أخرجتم العرب الفلسطينيين من الدائرة، وباتوا يجلسون بصعوبة على دكة الاحتياط. قمتم بعملية ممنهجة وممأسسة بتحييد العرب الفلسطينيين حتى من صحافتكم الديمقراطية، وبات العربي الفلسطيني يحتل العناوين عندما يرتكب أحد جريمة اغتصاب أو يسطو أو قتل أو ينضم إلى تنظيم فلسطيني، حوّلتم الفلسطيني في إسرائيل، بواسطة صحافتكم المتطوعة لصالح ما يُسمى بالإجماع القومي الصهيوني، إلى كائن مشّوه. في الماضي كانت التصريحات العنصرية الصادرة من ساسة الدولة العبرية هي الاستثناء، أما اليوم فباتت العنصرية هي القاعدة، وما يُسمى باليسار الإسرائيلي الصهيوني اختفى عن الوجود.

ايُهّا الإسرائيليون، أريد أن أذكركم أنّه في أواخر العام 2000 أجريت لقاءً صحافياً مع عامي أيالون، رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك الإسرائيلي) بعد أن أنهى مهام منصبه. تحدث كثيراً، وطالب بالإعلان عن التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة الدكتور عزمي بشارة خارجاً عن القانون. ولكن ما أثارني هو تصريحه خلال اللقاء الموثّق: إذا شعرت الدولة العبرية بأنّ خطرا حقيقيا يهدّد وجودها، فإنّها لن تتورع عن القيام بأعمال كالتي قامت بها في العام 1948. وكما تعلمون ونعلم، فإنّه في هذا العام المشؤوم قامت العصابات الصهيونية بتشريد شعب وتدمير وطن وأقامت عليه دولة.

علاوة على ما ذُكر أنفاً، تعلمت في المدرسة الثانوية في قريتي الحبيبة ترشيحا، عروس الجليل، أجبرتمونا على دراسة التوراة، ربما كان هذا عملاً صائباً من منطلق "تعرف على عدوك"، ولكن لماذا لم تمنحونا الفرصة لتعلم تاريخ الصراع الصهيوني الفلسطيني. فرضتم علينا الحكم العسكري منذ الإعلان عن إقامة دولتكم وحتى العام 1966، حاولتم بكل الوسائل أن تروضونا، ولكنكم فشلتم فشلاً ذريعاً، كنا وما زلنا وسنبقى متشبثين بأرضنا ووطننا، ولن نسمح لكائن من كان أن يعتدي علينا ويحاول أن ينفذ الترحيل ألقسري (الترانسفير) الذي يعشعش في أذهانكم ومخططاتكم.

والمأساة الحقيقية أنّ وزيرة التربية والتعليم في الحكومة الإسرائيلية، البروفيسور يولي تمير من حزب العمل، تُطالب فلسطينيي الداخل وبكل وقاحة وصلافة بأن يحتفلوا بيوم استقلال الدولة العبرية، هل نسيت تمير أنّ استقلالكم هو نكبتنا؟.

رجاءً منكم، توقفوا عن النظر إلينا من منظار الأمن، فرئيس الشاباك يوفال ديسكين يقول إن فلسطيني الداخل باتوا تهديداً أمنياً حقيقيا، وزعيم المعارضة ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو يؤكد بمناسبة أو بغير مناسبة أن العرب في إسرائيل، على حد تعبيره، هم قنبلة ديموغرافية قابلة للانفجار في كل لحظة.

في ظل هذا الوضع نقول لكم: لن نتنازل عن مطلبنا بتحويل الدولة إلى دولة جميع مواطنيها، كما يطرح حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ونرفض رفضاً باتاً تعريف الدولة بأنها يهودية ديمقراطية. توقفوا عن النظر إلينا من منظار الأمن ومن منظار التهديد الديموغرافي، لأنّ هذا الوضع سيؤدي عاجلاً أم أجلاً إلى الانفجار، الذي لا نريده ونعتقد أنّكم أنتم أيضاً لا تريدونه!!

التعليقات