خلال لقاء نظمته "المرأة العاملة" في نابلس: ثلاث نساء ضحايا ومجرم واحد هو الاحتلال..

-

خلال لقاء نظمته
"يجمعنا أننا كنا ضحايا، فقط لكوننا فلسطينيات" هذا ما قالته ثلاث نساء اجتمعن من مناطق مختلفة بمحافظة نابلس، ليسردن أمام نساء أخريات، تفاصيل العنف الذي قاسينه على أيدي قوات الاحتلال.

جاء هذا خلال جلسة استماع عقدتها "جمعية المرأة الفلسطينية العاملة للتنمية "، بمدينة نابلس، استعرضت فيه هؤلاء النساء الثلاث، أمام نحو خمسين امرأة، قصص العنف الذي تعرضن له من قبل الاحتلال.
المتحدثة الأولى وهي الأسيرة المحررة عبيدة أبو عيشة، من قرية بيت وزن شمال غرب نابلس. روت قصة اعتقال قوات الاحتلال لها أواسط عام 2002 بحجة نيتها تنفيذ عملية فدائية، انتقاما لمقتل خطيبها علي الياسيني، الذي اغتالته قوات الاحتلال قبل ذلك بنحو عشرة شهور، وقريبيها صفوت خليل ودارين أبو عيشة اللذين فجرا نفسيهما بعد ذلك في أهداف إسرائيلية.

وقالت: "منذ بدء التحقيق، وإضافة إلى الضرب والشتم بكلمات بذيئة وتقييد الأيدي والأرجل، حرمنا جنود الاحتلال من الشرب أكثر من مرتين باليوم، وبقنينة ماء صغيرة لكل خمس أسيرات في كل مرة".

وأوضحت أبو عيشة جانبا من التنكيل الذي تعرضت له إثناء التحقيق، ومن ذلك قيام مجندة إسرائيلية بإلقاء بقايا تفاحة أكلتها بعيدا عن السجينات، ثم توجيه أمر لإحداهن بإحضارها، وأضافت أبو عيشة: "عندما رفضت فعل ذلك، اعتدى الجنود علي بالضرب المبرح".

وتحدثت عن الارتياح الذي اعتراها عندما غادرت مركز التحقيق إلى السجن، فـ "عندما تخرج من جهنم، فأنت لا تهتم إلى أين تذهب"على حد قولها.

أبو عيشة التي قضت بالسجن خمس سنوات، ثمنت مشاعر الحب والتضامن التي سادت بين المعتقلات، ولكنها تحدثت بحزن عن معاناة طفلين ولدا في السجن لأمهات معتقلات، فإضافة إلى الظروف اللا صحية هناك، فقد كانا محرومين من ابسط ما يحتاجه الأطفال.

وتشرح بحزن كيف صنعت السجينات لهما دمى من ملابس قديمة كانت بحوزتهن، كما تروي كيف بدأ هذا الطفلان وهما من الذكور، يتحدثان عن نفسيهما بصيغة المؤنث، نظرا لأنها الصيغة الوحيدة في الكلام التي كانا يسمعانها في سجن النساء.

وأكدت أن معاناتها لم تنته بمغادرتها السجن، فهي الآن تعاني من البطالة، خاصة وان أصحاب العمل يخشون توظيفها خوفا من أن يؤدي ذلك إلى مشاكل لهم مع الاحتلال.
أما المتحدثة الثانية فقد كانت هيفاء منجد (32 عاما) من قرية روجيب شرق نابلس، فتحدثت عن المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال يحق عائلتها، حين قتلت أمها وأخاها وأصابت والدها وأربعة آخرين من أشقائها بجروح متوسطة وخطيرة بعد أن فتحت النار عليهم داخل بيتهم، اوائل عام 2006.

منجد التي لا تنفك تقول باستغراب "نحن عائلة مسالمة لم نؤذ أحدا في حياتنا.. لماذا حصل هذا معنا؟"، ذكرت كيف باغتت وحدة خاصة من قوات الاحتلال شقيقها فواز (21 عاما) برصاصة في قلبه، عندما اطل من نافذة المنزل ليستطلع أمر ضجة سمعها بجانبه. وشرحت كيف فتح جنود الاحتلال نيران أسلحتهم الرشاشة بكثافة على العائلة، لتقتل الأم (48 عاما) بعشرين رصاصة في إنحاء متفرقة من جسدها، ويصاب الباقون.

وقالت، فيما كانت تجهش بالبكاء، إنه لا يزال عالقا بذاكرتها منظر جسد والدتها المثقب بالرصاص، إضافة إلى وجهي ابنتي احد أشقائها، اللتين لم تتجاوز أكبرهما الثالثة من عمرها وهما تبكيان هلعا، بعد مشاهدتهما والدهما مضرجا بدمائه.

وأوضحت منجد أن هذه المأساة وقعت فيما كانت تستعد لتقديم امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"، وهي التي قررت أن تستأنف دراستها بعدما اجبرها جدها على ترك الدراسة حين كانت في المرحلة الإعدادية، بغرض تزويجها من أحد أقاربها، وهو الأمر الذي انتهى بطلاقها بعد ذلك بعام.

ووسط تصفيق الحاضرات ومباركتهن قالت إنها نجحت في الثانوية العامة والتحقت بالجامعة، إضافة إلى زواجها قبل أربعة شهور. ولكنها تؤكد أنها لن تغفر أبدا للاحتلال جرائمه بحق عائلتها، خاصة أمها التي كانت الشخص الوحيد الذي تبوح له بهمومها ويتفهم مشاكلها، حتى وان لم تكن قادرة بالفعل على مساعدتها.
بدورها روت المتحدثة الثالثة دنيا الجوهري (31 عاما) وهي فلسطينية ولدت بالسعودية وعاشت بالأردن، كيف تحول الفرح الذي رافق قرار عودتها إلى مسقط رأس عائلتها مدينة نابلس، والزواج هناك، إلى شعور عميق بالغربة بعد أن حالت الإجراءات الإسرائيلية دون تمكنها من رؤية عائلتها ثانية.

وقالت إنها وجدت نفسها مع اندلاع الانتفاضة عالقة في مدينة نابلس بشكل غير قانوني، اثر انتهاء تصريح زيارتها، وفشل محاولاتها استصدار بطاقة هوية فلسطينية لها، وهي العملية التي تتحكم بها سلطات الاحتلال.

وأوضحت بحزن كيف أنها أصبحت عالقة بين نارين، نار بقائها في نابلس وبالتالي عدم تمكنها من رؤية عائلتها، من جهة، ومن جهة أخرى مغادرتها التي تعني تركها لزوجها وطفليها الصغيرين دون رجعة، وهو الأمر الذي جعلها تختار البقاء، بانتظار ما قد يحمله المستقبل من جديد.

وتابعت بعد أن غلبتها الدموع فأوقفتها عن الحديث، أن أصعب لحظات حياتها كانت حين تلقت خبر وفاة والدتها، وهو الالم الذي تضاعف حين لم تتمكن من حضور جنازتها وإلقاء نظرة الوداع عليها. وتضيف فيما تحاول أن تحبس دموعها:" رغم ذلك، أظل احلم باليوم الذي احصل فيه على بطاقة الهوية، كي أسافر لرؤية والدتي"..
من جانبها، ذكرت الناشطة النسوية ريما نزال خلال اللقاء، أن قوات الاحتلال قتلت 363 امرأة منذ بداية الانتفاضة الثانية أواخر عام 2000، جلهن من المدنيات اللواتي لم يكن مشاركات في أي نشاط ضد الاحتلال لحظة استشهادهن.

كما أشارت إلى وجود 108 أسيرات في سجون الاحتلال، في ظروف غاية في السوء، ومن ذلك إرغام الحوامل منهن على الولادة مكبلات الأيدي والأرجل، داعية في هذا الإطار إلى إطلاق حملة واسعة من أجل تمكين أسيرة حامل تدعى فاطمة الزق من الولادة في ظروف صحية وآمنة.
المحامي صلاح موسى من الهئية المستقلة لحقوق المواطن، دعا في كلمته خلال اللقاء، ضحايا العنف الإسرائيلي إلى اللجوء للآليات الدولية التي توفر إمكانية وملاحقة محاكمة مجرمي الحرب، والاستفادة من مبدأ "الاختصاص العالمي للمحاكم الوطنية" الذي يسمح لأي دولة بتقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى قضائها الوطني أيا كان مكان ارتكاب هذه الجرائم وأياً كانت جنسية المتهمين بارتكابها.من جهتها، طالبت مديرة جمعية المرأة العاملة المؤسسات الإنسانية والحقوقية الدولية إلى إعادة التركيز على الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، مشيرة إلى إهمال الكثير من الجهات لهذه القضايا لصالح رصد ومتابعة قضايا العنف الداخلي، خاصة بعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، والوهم الذي بات يتملك العالم حول امتلاك الفلسطينيين لدولتهم وخلاصهم من الاحتلال.

كما ربطت في هذا الإطار بين العنف الذي يرتكبه الاحتلال بحق الفلسطينيين،والعنف الداخلي، مشيرة إلى دراسة محلية أجريت عام 2003، بينت أن 81 بالمائة من حالات العنف الأسري ناجمة بشكل أو بأخر عن بطش الاحتلال كالقتل والاعتقال والاهانة على الحواجز والبطالة إضافة إلى جدار الفصل العنصري.

التعليقات