الإعتراف بالدولة الفلسطينية... ما له وما عليه

بدأت ثمار جهود السلطة تأتي من أمريكا اللاتينية، وفي آخر تطور أعلنت البيرو أول أمس أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية، وانضم إلى الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية مؤخرًا كل من البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والإكوادور وأخيرا تشيلي

الإعتراف بالدولة الفلسطينية... ما له وما عليه

بدأت ثمار جهود  السلطة تأتي من أمريكا اللاتينية، وفي آخر تطور أعلنت البيرو أول أمس أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية، وانضم إلى الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية مؤخرًا كل من البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والإكوادور وأخيرا تشيلي، فيما أعلنت الأوروغواي أنها ستتخذ هذا القرار خلال العام الحالي.  وقد سبق أن اعترفت كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وكوستاريكا بالدولة الفلسطينية، وحسب وزارة الخارجية الفلسطينية فقد وصل عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية إلى  110 دول منذ إعلان الدولة المستقلة عام 1988 في الجزائر.

حسن عبد الحليم

خاص بـ"عرب 48" وصحيفة "فصل المقال"


ركزت السلطة الفلسطينية جهودها، في أعقاب تعثر المفاوضات مع إسرائيل، على المضي قدما بتطبيق خطة قديمة–جديدة، ألا وهي محاولة نيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وترى قيادة السلطة في هذه الخطوة وسيلة ضغط على إسرائيل وخطوة من شأنها أن تقرب إقامة الدولة الفلسطينية.  ما هو تأثير  هذه الخطوة؟ هل تسهم في دفع العجلة الفلسطينية المتعثرة؟ وهل حقا هي وسيلة ضغط على إسرائيل التي تملك القوة  وكافة  الأوراق ومفاتيح الحل، وتتسم بالتعنت المشبع بأيدلوجيات تنكر حق السليب الذي سلبته كل شيء؟!  

 

هناك من يبالغون بتأثير هذه الخطوة التي تستحوذ على صناع القرار في السلطة الفلسطينية ويعقدون عليها  الآمال، وهناك من يضعونها في سياقها، لكن هناك أيضا من يعتبرونها جهودا بلا جدوى ولا أمل يرتجى منها،   صحيفة «فصل المقال» فتحت هذا الملف،  وسعت لسبر أغواره من خلال استطلاع أراء عدد من السياسيين والكتاب والمحللين الفلسطينيين. 

 

الاعتراف كخطوة سياسية؛ هل تجدي نفعًا؟

 

قلل د. عبد الستار قاسم، المحاضر في جامعة النجاح الوطنية، من شأن تلك الخطوة معتبرا أنها غير مجدية ولن يكون لها نتائج ملموسة.  وقال: "ما الجدوى من نيل الاعتراف بدولة فلسطينية في هذه الظروف وفي ظل هذا الوهن الذي يعتري الفلسطينيين، وفي ظل الانزلاقات التي شهدتها قضيتنا منذ  التوقيع على اتفاقات أوسلو، لدينا تجارب سابقة في هذا الشأن ففي عام 1974 فاق عدد الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير تلك التي اعترفت بإسرائيل وماذا كانت النتيجة؟". وتابع: "لدينا أيضا تجربة عام 1988  حيث اعترفت دول كثيرة بالدولة الفلسطينية لكن ذلك لم يجد نفعا  لأننا نحن لسنا أهلا بالاعتراف، لأننا لا نحاول امتلاك الوسائل  اللازمة لتحويل هذه الاعترافات إلى حقيقة واقعة.  فمن أجل ترجمة هذه الاعترافات على الأرض يجب أن نكون أقوياء بينما نحن نقوم بكل ما في وسعنا لكي نكون ضعفاء".

 

الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري كان أكثر تفاؤلا، واعتبر أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمرا إيجابيا غير أنه  أكد على ضرورة أن تأتي  تلك الجهود في إطار إستراتيجية شاملة وألا تكون بديلا عن الوسائل أخرى. وحذّر المصري من المبالغة في أهمية ودور هذه الخطوة على مستقبل القضية الفلسطينية، مستذكرا تجربة عام 1988 حيث اعترفت أكثر من 100 دولة بفلسطين، ولم يحقق ذلك تغييرا على أرض الواقع. وأكد المصري أن هذه الخطوة غير قادرة على إنهاء الاحتلال وإحقاق الحقوق الفلسطينية. وشدّد على أهمية أن تكون الجهود لنيل الاعتراف في إطار إستراتيجية شاملة  تشمل تعزيز الصمود والمقاومة وإنهاء الانقسام  الفلسطيني  وإعادة اللحمة الوطنية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة البعد العربي للقضية الفلسطينية، على أن تكون هذه خطوة مندرجة في إطار استراتيجية  شاملة تهدف إلى تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بقضيتنا.

 

الكاتب والمحاضر في جامعة الأزهر في غزة: د. أسعد أبو شرخ، قال إن الجهود للاعتراف بالدولة الفلسطينية  مباركة ولكن لا يجب أن تكون بديلا عن نضال الشعب الفلسطيني من أجل رفع الحصار والتحرير والعودة، واعتبر أن الدول التي تعترف بفلسطين مرحب بها  لكن جهودنا يجب أن تنتصب في نضالنا الوطني والتمسك بالثوابت.

 

 من جانبه اعتبر  د. جمال زحالقة  أن  اعتراف دول العالم بفلسطين كدولة مستقلة بحدود الرابع من حزيران هو تطور ايجابي، وهو يعكس السطوة الأخلاقية لعدالة القضية الفلسطينية.  لكن الاكتفاء بالعمل على الساحة الدولية لحشد الاعتراف بالدولة ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، هو من باب رفع العتب السياسي، يجب أن يرافق ذلك رفض للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، وعدم القبول بدخول متاهة المفاوضات العبثية، التي تستفيد منها إسرائيل وتضر بالشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة".

وتابع د. زحالقة: "لم يرافق هذا الخيار إعلان رسمي عن وقف المفاوضات العبثية، فما زال هناك استعداد لمفاوضات غير مباشرة، وما زال الشرط الوحيد لتجديد المفاوضات هو تجميد الاستيطان لفترة معينة.  الخيار المركزي هو إعادة التأكيد على آن القضية الفلسطينية هي في مرحلة التحرر الوطني وليس إقامة دولة تحت الاحتلال،  لهذا الخيار مستحقاته ومحورها اعتماد النضال ضد الاحتلال كحق وواجب وممارسة".

 

أثر الاعتراف على إسرائيل: إزعاج لا يغيّر السياسات

 

يرى د. عبد الستار القاسم أنه لن يكون لهذه الخطوة تأثير على إسرائيل، بل ستواصل سياساتها التقليدية وفرض الأمر  الواقع دون رادع، وعن جهود إسرائيل لإحباط جهود السلطة  نيل الاعتراف بالدولة قال قاسم: "إسرائيل بطبيعة الحال لا تترك أية ساحة خالية لخصومها، ولا تترك فراغا في أي مجال، هي تعي تماما أن المسألة برمتها مرتبطة بالقوة – ولا تترك في المجالات الأخرى ميدانا للعرب، لذلك فهي تعرقل وتعيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتعي في الوقت ذاته أن الاعتراف لن يغير من الواقع شيئا".   

  

أما الكاتب هاني المصري فيقول: "لا شك أن اعتراف عدد  من دول العالم بفلسطين يزعج إسرائيل، ولكن لا يجب أن نبالغ في مدى هذا الإزعاج ونظن أن إسرائيل بأزمة، فإسرائيل ماضية في سياساتها فيما  نفقد نحن الأرض شيئا فشيئا ونفقد القدس وتنخر في شعبنا الانقسامات.

 

أما د. أسعد أبو شرخ  فلم يعر لتأثير تلك الخطوة على إسرائيل أية أهمية، داعيا  السلطة الفلسطينية إلى مطالبة دول العالم بمقاطعة إسرائيل، وألا تكون جسرًا بين العرب وإسرائيل.

 

 د جمال زحالقة  أكد أن  إسرائيل عموماً، وبالأخص الحكومة الحالية، غير ناضجة للتوصل إلى تسوية معقولة ومتوازنة.  حكومة نتنياهو متطرفة جداً، ولكنها ضعيفة نسبياً، وتخضع للضغوط اذا كان هناك من يضغط.  الولايات المتحدة أعلنت خضوعها للشروط الإسرائيلية، على عكس ما توقع عرب امريكا من ان يضغط الأمريكان على إسرائيل.  الطريق الصحيح للتعامل مع الحكومة الإسرائيلية هو حشد الضغوط عليها وليس مساومتها ومهادنتها.

 

السلطة الفلسطينية وضروريات الوحدة والمقاومة

 وعبر د. قاسم عن تشاؤمه من الواقع الفلسطيني الراهن بالقول: "أظن أننا لا يجب أن نخدع أنفسنا، فهذه السلطة ليست من وحي ولا من دم الشعب الفلسطيني، والعديد من رموزها لم يكن لديهم أي تاريخ نضالي،  وهناك علامات استفهام حول وجودهم في القيادة"، وتابع: "إذا اعتقدنا أن السلطة ستتغير، وإذا طلبنا منها أن تتغير فحن بذلك نخدع أنفسنا فهي لن تفعل ولا يمكنها لأنها رهينة لأعداء الشعب الفلسطيني، واستمرار وجودها وتمويلها مرتبطان بالقوى التي تدعم، وأقامت، إسرائيل".

 

د. أسعد أبو شرخ اعتبر جهود السلطة الفلسطينية لنيل الاعتراف كخيار وحيد يعبر عن عجزها، وقال إن هذا الخيار لا يعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني. ودعا السلطة الفلسطينية إلى العمل على إعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، والعودة للتمسك بالثوابت الفلسطينية (حق تقرير المصير العودة والتحرير)، ودعاها إلى "الاستفادة من طاقات 11 مليون فلسطيني في كافة أماكن تواجدهم وتبني نهج المقاومة ونشر ثقافة المقاومة". وأكد أن "الشعب الفلسطيني بصبره وصموده حتما سينتصر".

وقال د. زحالقة إن خطوة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية لن تغير كثيراً، إذا كانت وحيدة ولم ترافقها خطوات جدية على الأرض مثل المصالحة مع حماس ووقف التنسيق الأمني وتحريك النضال ضد الاحتلال، لا يمكن تحويل قضية فلسطين إلى قضية دبلوماسية من اعتراف وسفارات وقرارات، فقد أعلنت دولة فلسطينية في الماضي واعترفت بها أكثر من 100 دولة ولم يحدث تغيير يذكر،  يجب التعامل مع هذه الخطوة كخطوة داعمة للنضال الفلسطيني وليس بديلاً عنه.

 

ما الحلّ إذًا؟

"لا إرادة لحل السلطة"

 د.قاسم يرى أن السلطة الفلسطينية ليست هي  العنوان لأي تغيير متوخى، داعيًا إلى البحث عن عنوان آخر غيرها.  وعن إمكانية حل السلطة في حال وصولها لطريق مسدود قال: "السلطة لن تحل . لن يحلها إلا الذي أقامها ألا وهي إسرائيل، وهذه كانت رؤية بن غوريون منذ عام 1948". وتابع: "إن السلطة لا تملك إرادة أن تحل نفسها. وعباس لا يجرؤ أن يستقيل أو أن يحل السلطة  هو ليس سيد نفسه". وأردف: "حتى نحلل سياسيا بالطريقة الصحيحة يجب أن نفهم العلاقات الجدلية،  إذا كنت أنا أعطيك راتبك فأنت لن تتمرد إلا إذا وجدت مصدر دخل آخر- السلطة تمول من قبل أعداء الشعب الفلسطيني،  ونتيجة لذلك تأتمر  بأمر هؤلاء".

 

"مفاوضات محكوم عليها بالفشل"

وفي حين نسف عبد الستار قاسم إمكانية التغيير في ظل السلطة الفلسطينية، بدا هاني المصري أكثر تفاؤلا إذ دعا إلى إعادة تشكيل السلطة على  أسس وطنية، واعتبر المصري المفاوضات التي جرت على مدار  نحو 20 عاما وهما  لم يحقق أية نتيجة مرجوة، ويعلل  ذلك  بأن المفاوضات غير متكافئة، وميزان القوة فيها مختل بشكل كبير لصالح من يملك القوة والأوراق.  وقال المصري إن إسرائيل لا يوجد لديها إرادة لإحقاق الحق الفلسطيني، وفي المقابل لا يوجد أدوات ضغط عربية ولا جهود دولية ضاغطة،  وهناك الانقسام والعجز الفلسطيني، ونتيجة لذلك فإن المفاوضات محكوم عليها بالفشل.

ودعا المصري إلى تبديد الأوهام بأن المفاوضات يمكنها أن تعيد الحقوق الفلسطينية أو تحقق شيئا، داعيا إلى استخلاص العبر.

وأعرب المصري عن دهشته من كون المسار السياسي متعطل في حين يسير المسار  الاقتصادي والتنسيق الأمني على قدم وساق، داعيا إلى وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل  أو على الأقل ربطه بالمسارات الأخرى، ودعا إلى إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية  بحيث تكون جزءا من البرنامج الوطني الفلسطيني وتكون  فرعا من  فروع منظمة التحرير الفلسطينية على عكس الوضع القائم الذي تهيمن فيه السلطة على المنظمة وتعتبر فوقه.

قال هاني المصري إن المفاوضات الثنائية  يجب أن يسبقها استعداد إسرائيلي لتطبيق القرارات الدولية،  وإذا ما أعربت إسرائيل عن استعدادها لذلك تفتح مفاوضات لبحث آلية التطبيق، وعلى الفلسطينيين أن يطالبوا بضمانات دولية على أن لا يغفل الدور العربي في هذا الموضوع. وحذر المصري من احتكار الولايات المتحدة رعاية المفاوضات باعتبارها ليست محايدة بل منحازة بشكل كامل لإسرائيل.  ويرى المصري أن علاقات الولايات المتحدة مع العرب تريحها  وتسهل عليها انحيازها لإسرائيل.  ودعا العرب إلى استخدام أوراق القوة لتغيير المعادلة ودعم القضية الفلسطينية، وأن   يأخذوا زمام المبادرة لأيديهم.  

 

 وقف التنسيق الأمني واستعادة الوحدة       

 من جانبه، أكد د. أسعد أبو شرخ  على ضرورة وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وأي شكل من أشكال التعاون معه، الذي يستغله الاحتلال كغطاء لتوسيع  مشروعها الصهيوني في فلسطين وتعزيز الاستيطان وإتباع سياسة التطهير العرقي، ويرى أبو شرخ أن أولوية السلطة يجب أن تكون استعادة الوحدة الوطنية.

 

وقال د. أسعد أبو شرخ إن المهمة الأولى للفلسطينيين، هي إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية،  ووضعها في مكانها الصحيح "قضية الأمة العربية".  وأضاف: إن مقاومة الفلسطينيين لاحتلال وطنهم هو الشيء الطبيعي والمشروع،  مشيرا إلى أن "المقاومة تمنحنا وجها إنسانيا حضاريا"، ودعا إلى "تبني خيار الدولة الفلسطينية الواحدة  في فلسطين التاريخية للفلسطينيين واليهود".  واشاد أبو شرخ بتحركات  مؤسسات المجتمع المدني الأوروبية  لمقاطعة إسرائيل، وقال إنها على قدر كبير من الأهمية. 

 

لا دعم دولي دون موقف عربي حازم

وعن إمكانية اعتراف الولايات المتحدة بالدولة الفلسطينية،  وتحذير بنيامين بن إلعيزير  من أن السياسة الإسرائيلية الحالية  قد تؤدي  إلى اعتراف كافة دول العالم  بمن فيهم الولايات المتحدة بالدولة الفلسطينية خلال عام، قال د. زحالقة: لا اعتقد ان الولايات المتحدة ستدخل في صراع ومواجهة مكشوفة مع إسرائيل.  هناك خلافات بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، ولكنها تبقى على السطح السياسي، ولا تمس عمق العلاقات الإستراتيجية المتينة والحميمة.  من السذاجة الاعتقاد بأن العالم سيدعم قضية فلسطين بجدية إذا لم يكن هناك موقف عربي حازم. القرارات الدولية تبقى حبر على ورق إذا لم يكن هناك من يحملها ويحولها الى عمل فعلي لمحاصرة اسرائيل والضغط عليها بجدية، من خلال تصعيد النضال ضد الاحتلال، ووقف التنسيق الامني وبناء الوحدة الوطنية الفلسطينية.

التعليقات