الحرم الإبراهيمي الشريف- من المجزرة إلى السطو التراثي!../ نواف الزرو

وكان من أخطر تداعيات المجزرة على أوضاع أهلنا في مدينة خليل الرحمن، وعلى أوضاع الحرم الإبراهيمي الشريف أن كرست سلطات الاحتلال حالة التقسيم والهيمنة والتهويد التي قامت وتراكمت على مر السنين جراء مخططات وإجراءات التهويد في المدينة

الحرم الإبراهيمي الشريف- من المجزرة إلى السطو التراثي!../ نواف الزرو
اعتبرت المجزرة التي اقترفت في قلب الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة خليل الرحمن قبل سبعة عشر عاما، في الذاكرة الوطنية الفلسطينية أخطر الانتهاكات والجرائم التي اقترفتها قوات الاحتلال ومجموعات المستوطنين ضد الخليل وأهلها، إذ تسلل المستوطن الإرهابي باروخ غولدشطاين صباح الجمعة الخامس عشر من شهر رمضان 1414 هجري، وأثناء صلاة فجر ذلك اليوم، مرتديا الزي العسكري حاملاً سلاحه، متخطياً جميع المشاعر والقيم والمبادئ وباشر بإطلاق الرصاص على المصلين الركع السجود فسقط العشرات منهم، وبلغ عدد الشهداء في تلك المذبحة تسعة وعشرين شهيداّ داخل المسجد، وواحد وثلاثين خارجه، ووقع أكثر من مائة وخمسين جريحاً.
 
تضرجت رحاب الحرم الإبراهيمي الشريف بدماء المصلين الأبرياء. وفي أعقاب المجزرة، فرضت سلطات الاحتلال منع التجول على المدينة، وأخذ اليهود يرتبون الأمور داخل الحرم وفق أهوائهم ليحيلوه إلى كنيس يهودي بحجة الفرز بين المسلمين واليهود، وأدخلوا الكثير من التغييرات على وضع الحرم، بغية تهويده وتكريس هذا التهويد كأمر واقع ودائم.
 
وكان من أخطر تداعيات المجزرة على أوضاع أهلنا في مدينة خليل الرحمن، وعلى أوضاع الحرم الإبراهيمي الشريف أن كرست سلطات الاحتلال حالة التقسيم والهيمنة والتهويد التي قامت وتراكمت على مر السنين جراء مخططات وإجراءات التهويد في المدينة.
 
وما بين تلك المجزرة المروعة وما يجري اليوم، فقد انتقلت دولة الاحتلال إلى مرحلة متقدمة جدا في اختطاف الخليل أرضا ومقدسات، ووصلت إلى مرحلة السطو الصريح على تراث المدينة، فمنذ أن أعلن نتنياهو عن خطته المشهورة لإحياء وصيانة ما أطلق عليه "المواقع التراثية اليهويدية" في شباط الماضي، توجّه اللوبي "من أجل أرض إسرائيل" في الكنيست برئاسة أعضاء الكنيست "زئيف الكين" من حزب الليكود، و"أرييه إلداد" من حزب الاتحاد الوطني، برسالة إليه -أي إلى نتنياهو- يطلبون منه فيها "أن يضم ضمن خطته تأهيل المواقع التراثية ضم مواقع أثرية في أنحاء الضفة الغربية"، وبارك رؤساء اللوبي لنتنياهو خطته الوطنية لتأهيل وتقوية المواقع التراثية، والتي عرضها أمام مؤتمر هرتسيليا.
 
وجاء في فحوى الرسالة: "عدد كبير من المواقع التراثية المهمة لشعبنا تتواجد في أراضي الضفة الغربية، ومن اللائق ضم هذه المواقع التراثية إلى خطتك هذه"، وتضمنت الرسالة أيضا مطالبة اللوبي، نتنياهو بـ"ضم مواقع تراثية في خطته، منها حسب العقيدة اليهودية، الحرم الإبراهيمي في الخليل، وقبر راحيل في مدينة بيت لحم، وقبر يوسف في نابلس، وأيضا قبر النبي شموئيل"، كما طالب أعضاء الكنيست بـ"ضم عدد من المواقع الأثرية في جبل الخليل بالمدينة القديمة ومغارات "كومران" في البحر الميت، وجبل عيبال في شمال مدينة نابلس، وجبل جرزيم "النار" جنوب مدينة نابلس، وموقع القطار في قرية سبَستيا، ومنطقة سوسيا في الخليل".
 
وقال أعضاء الكنيست في رسالتهم: "هذه المواقع ليس لها بديل، وهي أساس بقائنا كشعب"، مؤكدين على "أهمية وضرورة تأهيل وتقوية الصلة بها، لأنها –وبحسبهم- تضمن مستقبل شعب عاد لأرضه بعد ألفي سنة من الاغتراب"..
 
ويدعي المستوطنون" إن لهم حقا توراتيا في الخليل، ويعتبر مستوطنوالخليل أنفسهم "روادا يعيدون إنشاء مجتمع هجره أفراده بسبب مذبحة مات فيها 67 يهوديا على يد العرب عام 1929. ومنعت السلطات البريطانية التي كانت تحكم فلسطين آنذاك اليهود من العودة".
 
وعلى هذه الخلفية الأيديولوجية المزعومة، شارك نحو 20 ألف مستوطن في "احتفال" بضم مسجد الحرم الإبراهيمي لقائمة "الميراث الإسرائيلي"، وجرى الإحتفال في الحرم بمشاركة أعضاء في الكنيست ونواب وزراء من الأحزاب اليمينية بما فيها حزب "ليكود".
 
ولاحقا وفي السياق الاحتفالي كذلك، أقام لواء "جفعاتي" التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، حفل تخريج دورة تأهيلية لمجندين جدد انضموا إليه داخل الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، كخطوة استفزازية للفلسطينيين ومشاعر المسلمين في العالم، وأوضحت صحيفة يديعوت أحرونوت"أن الحفل بدا وكأنه مهرجان عسكري عادي، حيث تنقل قائد الكتيبة بين الجنود، بينما أكد المتحدثون أن هذا الاحتفال غير عادي لأنه يقام داخل باحات الحرم الإبراهيمي، أحد المواقع الأثرية الإسلامية فيما قام أهالي الجنود بالتقاط الصور التذكارية مع أبنائهم"، وقال أحد الجنود الذين تخرجوا من هذه الدورة: "إن الأجواء كانت رائعة وأن على كل جندى أن يقوم بزيارة الحرم الإبراهيمي".
 
كما أقام المستوطنون حفلا صاخبا في باحات المسجد الإبراهيمي الشريف "استخدموا فيه الألعاب النارية والموسيقى الصاخبة وسط حلقات الرقص وذلك ضمن حفلاتهم السنوية التي تقام في مناسباتهم الدينية، ودعوات وزرائهم لتكثيف زيارة المغتصبين إلى الحرم ضمن سلسلة المصادرة والضم التي تمارسها حكومات الاحتلال ضد أملاك الفلسطينيين في المدينة"، و"تجمع مئات المستوطنين أمام الجيب الاستيطاني "أبراهام أبينوا" في قلب الخليل وعقدوا أيديهم وقاموا بأعمال رقص وعربدة وانطلقوا يرشقون الفلسطينيين ممن تبقى في البلدة القديمة بأقذع السباب والشتائم وسط دعوات عنصرية لقتل العرب، والمسيرات جابت شارع السهلة، وشارع الشهداء وشارع الإخوان المسلمين، وقد ردد المشاركون فيها عبارات التنديد والتهديد ضد الفلسطينيين". وشارك في المسيرات أقطاب التطرف باروخ مارزيل وتلاميذ المتطرفة عنات كوهن وغيرهما ممن يجندون عناصر التطرف ويحشدون لقمع أي وجود فلسطيني داخل البلدة القديمة.
 
وخلال تلك المسيرات "هاجم المستوطنون عدة أحياء في البلدة القديمة منها حي تل الرميدة وباب الزاوية وشارع الشلالة القديم ومربع السوق وحي جابر ومحيط مغتصبة حجاي، حيث هاجموا المنازل بالحجارة والزجاجات الفارغة وحطموا نوافذها واعتدوا على سكانها، كما هاجموا سيارات الفلسطينيين المتواجدة في الأحياء المذكورة وحطموا زجاجها وفرضوا حالة من الرعب والخوف ضد المواطنين".
 
يضاف الى كل ذلك ما يقوم به جيش الاحتلال الى جانب المستوطنين من اعتداءات على المساجد والاماكن التراثية الفلسطينية، فقد ذكرت المصادر الاعلامية على سبيل المثال "أن الجيش الإسرائيلي اقتحم عدة مساجد في مدينة الخليل وأجرى عملية تفتيش واسعة النطاق داخلها "، وقالت مصادر أمنية فلسطينية "إن قوة إسرائيلية معززة بآليات عسكرية إقتحمت مدينة الخليل وشنت عملية تفتيش إستهدفت عدة مساجد في أحياء متفرقة من الخليل وعبث بمحتوياتها".
 
والمشهد في مدينة خليل الرحمن مفتوح على المزيد من سياسات السطو التراثي والتطهير العرقي ضد أهل الخليل، تلك السياسة راسخة محمومة متصلة تقف وراءها كافة الحكومات والقوى السياسية الإسرائيلية من أقصى يسارها إلى أقصى يمينها، وتتكامل فيها ممارسات دويلة المستوطنين الإرهابية ، مع سياسة الانتهاكات والاعتداءات والعقوبات الجماعية التي تنفذها أذرع الاحتلال الاخطبوتية في كل مكان.
 
أهل مدينة خليل الرحمن صامدون في مواجهة السطو الصهيوني، في الوقت الذي يستصرخون فيه ضمائر وهمم العرب والمسلمين والمجتمع الدولي... فهل نرى يا ترى يقظة عربية إسلامية حقيقية قريبة من أجل فلسطين والقدس والخليل؟!

التعليقات