أهالي طيرة حيفا يقتلهم الحنين

في طيرة حيفا التي كان عدد سكانها عام 1948 حوالي ستة آلاف ومائتي نسمة، شردوا جميعهم رغم أن قسمًا منهم عاد إليها فقد أعيد طرده، ولم يبق من سكانها اليوم سوى بيت واحد من عائلة (الباش) وأولادها، الحاجة هاجر الباش أم حسين التي تعيش في طيرة حيفا في نفس المكان مع عدد من أبنائها وأحفادها وهم واحد وعشرون نفرًا في الطيرة والبقية موزعون في حيفا. أحد أهالي الطيرة والذي يسكن في حي الكبابير في حيفا (حسن القصيني)، أجرى اتصالاته مع أهالي الطيرة في حيفا والبلاد واتفق معهم على زيارة القرية ومعالمها مع تأكيد على مرافقة الأطفال ، وذلك لأول مرة منذ عام النكبة يقومون فيها بجولة منظمة في القرية، وستشمل الجولة التعرّف على ملامح القرية التي ما زال بعضها ظاهرًا للعيان مثل المدرسة التي كانت تدرّس حتى الصف السابع ، ومدرسة الصغار ودار المختار عبد الله السليمان التي صارت مركزًا للشرطة بعد توسيعها.

أهالي طيرة حيفا يقتلهم الحنين

في طيرة حيفا التي كان عدد سكانها عام 1948 حوالي ستة آلاف ومائتي نسمة، شردوا جميعهم رغم أن قسمًا منهم عاد إليها فقد أعيد طرده، ولم يبق من سكانها اليوم سوى بيت واحد من عائلة (الباش) وأولادها، الحاجة هاجر الباش أم حسين التي تعيش في طيرة حيفا في نفس المكان مع عدد من أبنائها وأحفادها وهم واحد وعشرون نفرًا في الطيرة والبقية موزعون في حيفا. أحد أهالي الطيرة والذي يسكن في حي الكبابير في حيفا (حسن القصيني)، أجرى اتصالاته مع أهالي الطيرة في حيفا والبلاد واتفق معهم على زيارة القرية ومعالمها مع تأكيد على مرافقة الأطفال ، وذلك لأول مرة منذ عام النكبة يقومون فيها بجولة منظمة في القرية، وستشمل الجولة التعرّف على ملامح القرية التي ما زال بعضها ظاهرًا للعيان مثل المدرسة التي كانت تدرّس حتى الصف السابع ، ومدرسة الصغار ودار المختار عبد الله السليمان التي صارت مركزًا للشرطة بعد توسيعها.


 التقت السيد حسن القصيني المبادر لزيراة القرية في بيته في الكبابير والذي يطل منه على أراضي قرية الطيرة والتي كانت مساحتها تصل الى حوالي 45 ألف دونم، لم يعد العرب يملكون منها شيئا باستثناء بضعة دونمات تجلس عليها عائلة أم حسين الباش!

يطل حسن  القصيني من نافذة بيته الى أراضي قريته التي صودرت بالكامل لينكشف مشهد رهيب بجماله، البحر وشاطئ حيفا وسفح الكرمل الغربي ووادي السياح كلها تحتك في مشهد مبهر، يقول حسن :"ولدت في الطيرة، في عام النكبة لا أذكر شيئا كان عمري ثلاث سنوات، أقيم بالكبابير منذ 32 عامًا، ما حصل في الطيرة هو ما حصل في معظم القرى العربية عام النكبة، فالقرية رفضت الإستسلام لليهود ممثلة بمختارها عبد الله سليمان وقد وقعت معارك بين القوات الإسرئيلية وسكان القرية وهوجمت ابتداء من عام 1947 حيث قتل من سكانها في هجوم واحد 17 شخصا ونسف بيت من ثلاثة طوابق لعائلة حجير.وتواصلت الهجمات المتبادلة والمعارك بين اليهود والعرب، إلى أن جاء يوم ويبدو أن اتفاقا وقع مع هذا الجيش فأحضر عشرات الحافلات وبدأوا بنقل السكان إلى قرب جنين، ودخل اليهود القرية، بعد سقوط الكثيرين من أهلها.

أما من بقي من السكان ومعظمهم أطفال ونساء ومسنون فقد اختبأوا بمغارة كبيرة في جبل الكرمل وبلغ عددهم حوالي 400 إنسان، فقد أحضرت قوات الهاجاناة باصات ونقلتهم الى قرب رمانة قرب جنين.

ويقول حسن القصيني أنه والده وأهل بلده يذكرون أن الجنود أنزلوا خمسة شبان من أحد الباصات وأخذوهم كي يعملوا معهم في التنظيف، وهم عمر غنام –محمد حجير- محمود سلوم- غالب حجير،أحمد حجير، أخذوهم بينما تم ترحيل أهلهم،بعد ثلاثة أشهر من العمل مع الجيش بالتنظيف أرسلوهم للعمل في إبطن عند قرمان، ولكنهم رفضوا العمل فأعادوهم إلى شرطة حيفا، وبعد حبسهم بضعة أيام أطلقوا سراحهم ليبقوا في حيفا، وقد توفي منهم اثنان منذ بضع سنوات وما زال ثلاثة منهم أحياء.


- مدرسة الطيرة -

وعن أسرته كيف بقيت في البلاد رغم هجرة الأكثرية يقول حسن القصيني: والدي كان يعمل في الزراعة وتربية الماشية وكان له أصدقاء من قرية عسفيا، من عائلة وهبة وزاهر،وكان رجل اسمه مسعد الحمدان يملك حافلة، جاء الى والدي وقال له "إطلع معي أنت وعائلتك"، وهكذا بقينا في عسفيا ثلاث سنوات أكرمونا خلالها، بعدها عدنا إلى الطيرة كانت بيوتها ما زالت قائمة ولكن أسكنوا في معظمها يهودًا، كان هذا في العام 1952، كانت معظم البيوت غير مأهولة وكنا نحن الأطفال إذا أردنا أن ندخل بيتا يقول والدي بكرا يأتي أصحابها،ولكن القرية هدمت عام 1970.

ضريبة أرنونا على بيت مهدوم في الطيرة

يستمر حسن أبو نزار - بسرد ما مر على أسرته "بقي والدي مقيمًا في الطيرة حتى عام 1980 الى أن مرض ونقلناه ليعيش معنا في الكبابير حتى ةفاته عام 2003 عن عمر 107 سنوات، وكانت الطيرة قد ضمت لحيفا، وهكذا ما زالت تصلنا حتى اليوم أوراق ضريبة الأرنونا عن بيتنا المهدوم في الطيرة، البلدية وقتها لم تعطنا كهرباء أو ماء، كنا نشرب من العين، ولم نكن وحيدين فقد جاء عدد كبير من العرب من القرى المهجرة من منطقة حيفا إلى أراضي الطيرة وبلغ عددهم المئات حتى أن السلطات الإسرائيلية عملت لنا مدرسة مؤقتة من البركسات، ولكنهم ضيقوا على الناس وأخرجوهم وفي العام 1970 هدموا القرية.

سكن معظم من بقى من أهل الطيرة في حيفا، عسفيا، الكبابير ،وأما من هاجروا فهم موجودون في إربد واليرموك والنيرب في سورية، حتى الآن قتل 70 من أهل الطيرة في مخيم اليرموك.ويضيف حسن القصيني،عرضوا على والدي مبادلة الأرض بأراض مقابلها طبعا بنسبة غير عادلة ولكنه رفض البدل، وأوراق ملكية الأرض ما زالت معي أنا وشقيقي،  وقد وكلت محاميا قي هذه القضية.          

كانت مساحة الطيرة أكبر من مساحة حيفا علما أن حيفا اكبر بكثير من ناحية عدد السكان، ويذكر حسن أسماء قطع أراض للطيرة التي بلغت مساحتها 45 ألف دونم، منها راس المهلهل حيث تقوم جامعة حيفا اليوم، راس أبو الندى حيث الأنتينا الضخمة فوق الكرمل، بير الخريبة –الوسطاني-المنطار- تل الزعرور (وهي بيت أورن اليوم) الخزرقة، أرض علو، علوات فلاح، باب النهر، كفر سمير(منطقة المقابر)، كم العديل، كم الحديد، كم السوداني، كم مسلية، العين العتيقة، عين أم الفرج، الزلاقة، كرم محمود الخليل، الخلايل،وادي السياح، المرقصة، كرم الجبالي، كرم اللبنة، كرم الجربوع، حسن مرة، يتدخل الحفيد ابن السنوات السبع ويقول" أنا كنت مع جدي حسن هناك أكلت حامضة، وهناك شجرة توت" الحفيدان حسن وعنان في السابعة من عمريهما، جمعا صورا كثيرة على التابليت لبيت والد جدهما وأرضهم في الطيرة في التابليت،وراحا يعرضاها.

انتقلنا إلى الطيرة

ليس سهلا أبدًا أن تقف وتنظر إلى مقبرة الطيرة ، التي تضم مئات الأضرحة الدارسة، والتي حاولت بلدية الطيرة مرارا أن تمرر شارعًا من فوقها لولا عناد بعض النشطاء وأهل الطيرة الذين يقطنون في حيفا، من المقبرة ترى بعض المباني الحجرية القريبة على سفح الكرمل، حيث يقول حسن القصيني" تلك دار (اللبنة) وتلك البناية كانت مدرسة للصغار ،أما المدرسة الكبيرة وهي تشاهد كذلك فقد زادوا عليها وبقيت مدرسة حتى الآن، أما بيت المختار عبد الله السليمان فقد جلعوه مركزا للشرطة. 

انتقلنا الى أم الحاجة هاجر الباش أم حسين، وهي تقيم في منطقة محاذية للبلدة القديمة، التي تغطيها أشجار الصبار، ليس بعيدا عن المقبرة، ولكنه بيت عصري تحيط به مساحة من الأرض فيها تين وزيتون ودجاج الأمر الذي يميّزها عن كل محيطها اليهودي.

أم حسين البالغة من العمر حوالي 90 عامًا، تذكر جيدًا أحداث عام النكبة، وتذكر الحياة في الطيرة قبل سقوطها وقبل الحرب، وهي الآن تقيم أسرتها العربية الوحيدة في طيرة الكرمل بعدما كانت الطيرة من أكبر قرى فلسطين.

أم حسين تستعيد ذاكرتها فتقول"كان الناس يعيشون بألف نعمة، معظم معيشتهم على الفلاحة وتربية الماعز والأبقار،وكان يخرج كل يوم الصبح (باص اللبانات) من الطيرة الى حيفا لنقل النساء اللاتي أحضرن الألبان لبيعها في  حيفا،ولهذا أسموه(باص اللبانات)، لم نكن نشتري ولا حتى حبة فول من خارج الطيرة، فقد كان لدى الطيرة كل شيء، وكان من لديه عرس ينتظر اللبانات على محطة الباص صباحا فيأخذ عن رؤوسهن ما يحتاجه من اللبن   بدون مقابل، فقد كانت القرية كلها تشترك بالعرس.

وتضيف" بعد المناوشات بين العرب واليهود وسقوط قتلى أرسل اليهود  للمختار (عبد الله السليمان) بأن يسلم القرية فرفض، جيش العرب أحضر باصات وبدأ بنقل السكان من الطيرة إلى حدود جنين، ولكن بقي صغار ونساء وعجزة، حوالي 500 إنسان كلهم ذهبوا في مغارة(عراق) فوق البلدة، أطلق اليهود عليها النار كثيرًا.

قتيل على الحمار

وتضيف أم حسين "أحد الرجال من القرية رفع قماشة بيضاء ونادى علينا بأن ننزل من المغارة، بدأنا نهبط  من المغارة ولكن أثناء أطلق اليهود النار على رجل عمره حوالي ال 70 عاما، فأصيب ولكنه لم يمت على الفور، وضعوه على ظهر الحمار لنقله، كنت إلى جانبه، فناداني وقال لي وهو ينزف دما" خذي هذه الثلاثين ليرة أعطها لزوجتي" كانت في عبه وهي ليرات فلسطينية، وهو مبلغ كبير في تلك الأيام. 

أحضروا خمسة وعشرين باصًا وبدأو بنقلنا إلى رمانة قرب جنين، طلعت من هنا أنا وزوجي وابنتان وثلاثة صبيان، وهناك في رمانة فطنت بابنتي الكبيرة، كانت بحضني الصغيرة ولكنني نسيت الكبيرة، ولكن فجأة جاءت صبية وقالت لي خذي بنتك كيف نسيتيها...كان الخوف قد سيطر على الناس. بعد رمانة وفي صبيحة اليوم التالي سافرنا من رمانة إلى إربد، سارت بنا السيارات كل النهار ومع العشاء وصلنا إربد كان الطقس باردا جدا في منطقة الكراجات، كان الناس مثل النمل، أقمنا ليلتين في اربد ثم واصلنا الرحيل في القطار الى نيرب حلب، كان كل شيء جاهزًا لنقل الناس، لم نتحمل قساوة المعيشة هناك وقررنا السفر إلى الشام، فأقمنا فيها ستة أشهر، كان أهل سوريا كرماء جدا معنا، في  المساء يحضرون لنا الطعام.بالقدور الكبيرة وخصوصًا في رمضان، وفي الشام التقيت الإمرأة التي قتل زوجها وأعطاني أمانة لها 30 ليرة فلسطيني، كنت قد خبأتها، قلت لها لك معي أمانة،وأعطيتها إياها، فطارت من الفرح، لأنها كانت هناك مقطوعة، وصارت تحبني جدا كأني أختها.


- بيت أحمد الظاهر في الطيرة -

في يوم ما جاء واحد من بلدنا اسمه نجم الزهرة وهو تاجر معه جمال يحملها يعرف الطريق ويسمونه " دلول" (قصدها دليل)،وعدنا معه أنا وزوجي وأولادي حتى جلمة حيفا ثم عدنا الى الطيرة. 

حسين الإبن البكر الذي تجاوز السبعين وكان في الصف الثاني يوم سقوط الطيرة يذكر القليل من أيام الطيرة، والدي عاد إلى الطيرة وأقام في بر!اكية في وسط البلد على أرض من أملاك الغائبين، كانت دارنا من ثلاثة طابق في الحارة الفوقا ولكن سكنها يهود، في يوم ما أرادوا توسيع بناية صندوق المرضى الرقيب من براكية والدي فطلبوا منه ترك البراكية ولكنه رفض، وحينها اقترحوا عليه عملية تبادل بالأرض بينه وبينهم، فتنازل لهم عن قسم من أرضه وهي  70 دونما مقابل 40 دونمًا وهي التي نقيم عليها الآن، ولكنهم صادروا في السنوات الأخيرة 60% منها للصالح العام، وأقاموا عليها بناية جماهيرية، الآن نحاول الحصول على ترخيص لنبني عليها بيتا للأولاد ولكنهم يخرجون علينا بقصص وعوائق جديدة، رغم أننا بحاجة للبناء منذ سنين فابني يريد أن يبني بيتا، وقد وكلت محاميًا لهذه القضية.

ويضيف حسين الباش أبو محمود" ما زلت أبكي عندما أذهب إلى العين، أزروها أحيانا في الجبل ثم أعود وعيناي ممتلئتان بالدموع كل الطريق فأنا أحب بلدي، وأحب أولاد بلدي،ونحن هنا قاعدون على نار. 

وعن مقبرة الطيرة القريبة تقول أم حسين فيها قبور أحبابي طبعا، فيها والدي وشقيقاي وأعمامي وجيراني. 

أختي حنيفة تعيش في سوريا، اتصلتْ قبل سنوات قليلة ابنتها اسمها خولة من نيويورك وتحدثت معي واتفقنا أن أزورها في أمريكا ولكن بعد انهيار العمارة الكبيرة(تقصد التوأمين)ألغينا سفري اليها ولكننا نتحدث كثيرًا.  أما اختي حنيفة فقد التقيت بها في الأردن.

زيارة في 11-5 -2013

يقول حسن القصيني إنه بادر لجمع أهل الطيرة واتصل بكثيرين منهم وقد تحمسوا لفكرة زيارة الطيرة في تاريخ 11-5-2013، بشكل منظم، التجمع سيكون بجانب المقبرة، ومن هناك سننطلق في جولة لرؤية معالم البلدة، ومنها العين التي ما زال فيها ينبوع ماء جار، نريد من هذا تعريف الأجيال الصاعدة على أرض وتاريخ آبائهم وأجدادهم،أتوقع حضور مائة إنسان حسب الإتصالات التي أجريتها.

وعن التواصل مع أهل بلده في الشتات يقول: أجري تواصلا مع أهالي الطيرة في الشتات عبر الأنترنت، وقد أعطيتهم صورًا لموقع (الطيرة نت) وتعرفت على كتاب وباحثين من الطيرة ويجري بيننا تبادل معلومات فقد أرسل لي أحدهم شجرة عائلتي، وسيتم بث الجولة  في ديوان الطيرة في إربد، وعن سبب هذا النشاط وإذا كان هناك أمل ما بالعودة يقول" الهدف هو تعرف أهل القرية بعضهم ببعض بعدما تشتتوا، طبعا عندنا أمل فنحن أصحاب حق ولا حق يموت ووراءه مطالب، يذكر أن جمعية زوخروت أصدرت كراسة خاصة بالطيرة.

______________________________________________________________________________              

عائلات الطيرة

الأبطح –الباش- باكير- البحيري- بدر- تيم- درباس -ابو راشد- الريان- زيدان- السعدي سلوم السلمان  عبد القادر –العبوني- علوه- عمورة- عويس- ابو عيسى- الغبن- غنام- ابو غيدا- الغار- قبيعة- ابو ليل- المحمود- مدردس –المصاروة- منصور- الناجي- يعقوب- ابو حسان- الأمين- عمرين- ذيب- العرم- ابو سير- الحلبي- الخراب- ابو عمر- زهرة- ابو جاموس- ابو ظاهر- ادريس- ابو جراس- زبن الجربوع- الكايد- عودة- عباس –الغرارة- حسين- آمنة- النجمة -عثمان -الخطيب -النمرود -محمود -عبد الفتاح-عباس- البطل- زيتون- عبد الحليم- كتيلة- زعكور- الزواوي الشليب -العسل -الشبلي -غنايم- البدوي- اسماعيل- ابو يونس- الحاج- الشيخ- فرعون- بدران- بهلول- قزلي -القصيني. 
 

التعليقات