"إسرائيل تسعى لتفجير المفاوضات حول مسألة الاعتراف بيهودية الدولة"

* إسرائيل توظف الواقع العربي لمواصلة سياسات الأمر الواقع، ولمحاولة فرض حلّ بشروطها * التركيبة الائتلافية للحكومة الإسرائيلية والجو اليميني السائد في إسرائيل يقللان فرص الوصول لتسوية

* تقرير مدار الإستراتيجي للعام 2014 يستبعد قبول إسرائيل بحلّ سياسي على طريقة كيري
* إسرائيل توظف الواقع العربي لمواصلة سياسات الأمر الواقع، ولمحاولة فرض حلّ بشروطها
* التركيبة الائتلافية للحكومة الإسرائيلية والجو اليميني السائد في إسرائيل يقللان فرص الوصول لتسوية
* توقع استمرار التصعيد في العلاقات الإسرائيلية الأوروبية بسبب مواصلة إسرائيل سياساتها المعطلة لحلّ الدولتين

 

استبعد تقرير "مدار" الإستراتيجي للعام 2014، أن تسفر جهود جون كيري عن إحراز تقدم في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، انطلاقا من قراءة التقرير لإستراتيجية إسرائيل التفاوضية القائمة على فكرة التفاوض من أجل التفاوض، وإفشال أي جهد لتحقيق نتائج فعلية، مع تصيّد الفرص لتفجير المفاوضات بطريقة تحمل الفلسطينيين مسؤولية الفشل، وتظهرهم بمظهر الرافض للسلام.

وركز التقرير على انعكاس انشغال الدول العربية الرئيسة بالملفات الداخلية على السلوك الميداني والتفاوضي الإسرائيلي، حيث تحاول إسرائيل توظيف الواقع الحالي للاستفراد بالفلسطينيين عبر مواصلة فرض الأمر الواقع من جهة، ومحاولة فرض حلّ يطابق المعايير الإسرائيلية من جهة أخرى.

ويرجح التقرير الذي أعلنت نتائجه، يوم أمس الثلاثاء، في مؤتمر "مدار" السنوي العاشر، الذي نظم في فندق غراند بارك برام الله، أن يحاول الجانب الإسرائيلي تفجير المفاوضات على موضوعة "الاعتراف بيهودية الدولة"، وتجنب تفجيرها على مواضيع خلافية كالاستيطان، وذلك بغرض الاستفادة من الإجماع الداخلي الإسرائيلي حول موضوع يهودية الدولة، وزيادة قدرة نتنياهو على المناورة، عبر تقديم الفلسطينيين، داخليا ودوليا، كرافضين لوجود إسرائيل، وليس لشروط الحل ومواصفاته.

ويعتبر التقرير أن فرص نجاح الحل على طريقة كيري متدنية، رغم اقتراب طروحات كيري إلى حدّ كبير من وجهة النظر الإسرائيلية في القضايا الخلافية، وذلك بسبب التركيبة الائتلافية للحكومة الإسرائيلية المستندة إلى الأيديولوجيا، والجو اليميني السائد في إسرائيل عموما.

ويقرأ التقرير إلى جانب التكتيكات التفاوضية، ما يواكبها من فرض وقائع إسرائيلية على الأرض، على نحو يكشف انحصار نظرة إسرائيل للمفاوضات في إطار ما يقلل الخسائر السياسية في العلاقة مع أميركا وأوروبا.

وتوقع التقرير على الصعيد الدولي تواصل التصعيد في العلاقات الإسرائيلية الأوروبية، نظرا لإصرار إسرائيل على تجسيد وقائع تجعل حل الدولتين، المقبول أوروبيا، مستحيلا.

وقدمت د. هنيدة غانم، مدير عام "مدار" في بداية المؤتمر عرضا للملخص التنفيذي للتقرير، الذي أعدته نخبة من الأكاديميين والمحللين المختصين في الشأن الإسرائيلي، والذي يصدر للسنة العاشرة على التوالي، أجملت فيه استخلاصات التقرير حول أهم التطورات والمتغيرات الاستراتيجية، التي شهدتها إسرائيل في العام 2013، والتي شملت استئناف المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية بوساطة أميركية نشطة، في ظل تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة ذات الطابع اليميني، وتلويح أوروبا بإنزال "عقوبات" على إسرائيل، واستمرار الاضطرابات الإقليمية، وأخيرًا توقيع اتفاق جنيف بين مجموعة الدول 5+1 وإيران .

ويستعرض التقرير الاختلافات في الرؤى الإسرائيلية حول الموضوع التفاوضي، ما بين مطالب باستغلال التغيرات الإقليمية للاستفراد بالفلسطينيين وفرض حل بأقل ثمن، وبين داع إلى توظيفها للترويج لعدم مصداقية الحلول مع الجانب العربي.

وحول ما يترتب على فشل المفاوضات، وفق القراءة الإسرائيلية، يسرد التقرير احتمالات اتساع دائرة المقاطعة لإسرائيل، خاصة في ما يتعلق بالمستوطنات، واللجوء الفلسطيني للمؤسسات الدولية، وأيضا احتمال لجوء إسرائيل لخيار الحلّ أحادي الجانب.

الشأن الإقليمي

وفي الشأن الإقليمي اعتبر التقرير أن التقلبات الإقليمية وحالة الهيجان التي تمر بها دول الجوار أدت إلى تراجع التهديدات الأمنية الرسمية والتقليدية التي كانت تضعها إسرائيل ضمن حساباتها، وإلى إعادة تقييم المخاطر الأمنية وجديتها في الدول المحيطة، إذ أدى انزلاق سورية إلى حرب أهلية وتورط الجيش السوري في المواجهة الداخلية، إلى تفكيك التهديد الذي كان يشكله هذا الجيش (ولو نظريا) على الجبهة الشمالية، كما لم تشهد الجبهة الشمالية الحدودية مع سورية حتى الآن اختراقات ذات وزن من قبل الحركات "الجهادية" المنخرطة في الحرب الأهلية، في ذات الوقت تناقص تهديد اشتعال الجبهة الشمالية اللبنانية بعد انخراط حزب الله الفاعل في هذه الحرب.

وأضاف التقرير أن الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر أدى إلى تفكيك المخاوف الإسرائيلية من حكمهم، فيما يشكل ما بذلته وتبذله المؤسسة المصرية العسكرية في سيناء من جهود لمحاربة الحركات الجهادية والتكفيرية، في المحصلة، مصدر ارتياح في الأوساط الأمنية الإسرائيلية، وذلك على الرغم من تزايد العمليات التي تنطلق من سيناء باتجاه جنوب إسرائيل، خاصة إطلاق صواريخ الكاتيوشا باتجاه إيلات.

واستدرك التقرير أنه رغم حالة الهدوء المرحلي هذه، والارتياح الإسرائيلي من عدم تمخض الاضطرابات عن تهديدات فعلية، فإن إسرائيل تراقب بقلق كبير التطورات التي تعصف بدول الجوار، خاصة سورية، إذ صارت تعتبر أن سورية تتحول إلى عش للحركات الجهادية والتكفيرية التي من شأنها أن تحول سلاحها في اللحظة المناسبة باتجاه إسرائيل، من هنا فإن إسرائيل التي كانت ترغب في البداية بسقوط نظام بشار من إجل إضعاف المحور الإيراني، لم تعد متأكدة ما إذا كان هذا السقوط سيصب بالضرورة في صالحها.

وحول اتفاق جنيف (5+1) بخصوص النووي الإيراني، يقول التقرير إن الاتفاق يعيد خلط الأوراق ويرتب خارطة التحالفات الإقليمية من جديد، حيث لم تعد إسرائيل في هذا السياق الدولة الوحيدة التي تقف في مواجهة اتفاق سياسي مع إيران، بل انضمت لها دول خليجية على رأسها السعودية، ما يزيد من إمكانيات مقايضة حل المسألة الإيرانية بالمسألة الفلسطينية، وأن إسرائيل ما زالت تضع الخطر الإيراني النووي على رأس المخاطر الوجودية التي تتهددها، وما زال بنيامين نتنياهو يحرص على التكلم عن هذا الخطر في مستهل كل خطاباته الدولية، فيما يضع عادة الملف الفلسطيني في مكان ثانوي له.

واستعرض المشاركون في إعداد تقرير "مدار" في المؤتمر أهم استخلاصات التقرير، الموزعة في سبعة محاور تركزت حول العملية التفاوضية والعلاقات الإسرائيلية –الفلسطينية، السياسية الداخلية، العلاقات الخارجية، الأمني-العسكري، المحور الاقتصادي، المحور الاجتماعي، وأيضا محور "الفلسطينيون في إسرائيل".

المشهد السياسي- الحزبي

واستعرض محور المشهد السياسي والحزبي ملامح السياسة الإسرائيلية مع مرور أول عام على حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة، الملامح المتمثلة في ثلاثة عناوين عريضة: أولاً، التصدي للبرنامج النووي الإيراني؛ ثانياً، انتهاج سياسة الاقتصاد الحرّ؛ ثالثاً، تعزيز قوة إسرائيل العسكرية وتحصيناتها الأمنية.

واعتبر التقرير في هذا المحور أن ما يحوم فوق هذه العناوين العريضة الثلاثة هو إصرار نتنياهو على انتزاع اعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي من خلال الدعم الذي يحظى به لهذا المطلب من جانب الإدارة الأميركية الحالية، وذلك بموازاة القيام بممارسات متعددة تحافظ على الطابع اليهودي لإسرائيل حتى لو جاءت متضادة مع طابعها الديمقراطي، عبر الدفع قدماً بالمزيد من مشاريع القوانين والمبادرات الرامية إلى ترسيخ الصهيونية داخل إسرائيل وخارجها.

وتناول التقرير ما شهده هذا العام من تباين كبير في وجهات النظر بين أميركا وإسرائيل في الكثير من القضايا، فإلى جانب الملف النووي الايراني، إسرائيل غير راضية عن الانسحاب الأميركي التدريجي من الشرق الأوسط، كما أنها منزعجة من الرد الأميركي على استعمال السلاح الكيماوي السوري، ليس لذات الموضوع، بل لأنه كشف مستوى جدية الولايات المتحدة في الوقوف على خطوطها الحمراء.

المشهد الأمني-العسكري

وعلى الصعيدين الأمني والعسكري، استعرض التقرير التقديرات والقراءات المختلفة لعام 2013، والتي تجمع على أن الوضع الإستراتيجي لإسرائيل بات أفضل وازداد توطداً، وذلك على خلفية تدهور الأوضاع الداخلية للأعداء الفعليين والمحتملين لإسرائيل، وتراجع عناصر قوتهم تبعاً لذلك، ومراهنات إسرائيل على عنصر الزمن، لتوسيع الفجوة بشكل كبير على صعيد ميزان القوى العسكري بينها وبين الدول العربية.

وأضاف التقرير أن ايران ما زالت تعتبر، وفق التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية، العدو رقم واحد، بما تمتلكه من قدرات عسكرية، وقرب تحولها إلى دولة نووية، وبما تتبناه من مواقف تجاه إسرائيل. وأن إيران لن تخرق اتفاق جنيف الذي وقعته مع دول 5+1، وتالياً سوف يكون برنامجها النووي في حالة جمود. ومن المستبعد قيام إسرائيل بمغامرة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية في المنظور القريب.

على الصعيد المصري، ذكر التقرير أن التحولات الكبيرة التي عاشتها مصر في العامين السابقين شكلت فرصة للإسرائيليين لاختبار النوايا وإعادة دراسة معطيات الواقع على أسس جديدة. ورغم القلق والمخاوف من التوجهات الجديدة المستندة بأشكال مختلفة إلى زخم جماهيري أو إلى انتخابات ديمقراطية، فإن عددا من أصحاب الرأي والقرار في إسرائيل توصلوا إلى القناعة بأن تغيير وجهة السياسة المصرية ليس قريبا.

وفي قراءة للأزمة السورية، ذكر التقرير أن التوقعات السابقة بشأن الانهيار السريع لنظام الرئيس بشار الأسد تبددت نهائياً. وفي الوقت الذي لا تزال فيه تقديرات الاستخبارات الغربية والإسرائيلية متمسكة بحتمية سقوط نظام الأسد، فإن بعض السيناريوهات الإسرائيلية المتداولة العام 2013 يتوقع الغرق العميق والمستمر لسورية في حالة الفوضى.

المشهد الاقتصادي

يستعرض التقرير في هذا المحور مستجدات أداء الاقتصاد الإسرائيلي في العام 2013، وكذلك التوقعات من خلال إلقاء الضوء على ثلاثة مؤشرات مركزية، وهي: التنمية الاقتصادية، التشغيل والبطالة والتضخم المالي وسياسات الاقتصاد الكلي وانعكاساتها على مركبات المجتمع المدني والمواطنين في إسرائيل.

المشهد الاجتماعي

يتابع فصل المشهد الاجتماعي الإسرائيلي في هذا التقرير التطوّرات الأساسيّة في ما يتعلّق بالطبقة الوسطى، وتقلّصها المستمر الذي يترتّب عليه استقطاب طبقي واجتماعي ينعكس في اتساع الفجوات بين الفئات المختلفة. تتأثر هذه الفجوات كثيرًا بما يطرأ على الطبقة الوسطى من انكماش في حجمها وتأثيرها أو من تمدّد يشكّل ضمانًا لمجتمع أكثر مساواة.

وتؤكد مؤشرات مختلفة، وفق التقرير، أنه لم يطرأ على الطبقة الوسطى، خلال السنة الحاليّة، أي تطور يخرج عن قاعدة التراجع الذي شهدته في العقدين الأخيرين، كما أن هنالك ارتفاعا في مستوى التفاوت الاقتصاديّ والاجتماعيّ.

مشهد "الفلسطينيون في إسرائيل"

يركز هذا المحور من التقرير على انتخابات السلطات المحلية في تشرين الثاني 2013، إضافة إلى التصدي لمخطط برافر، باعتبارها أحداثا مهمة في الساحة الفلسطينية في إسرائيل. على صعيد انتخابات السلطات المحلية سجل بعض التراجع في الحضور السياسي والحزبي في هذه الانتخابات لصالح قوائم أكثر محلّية وذات طابع غير سياسي.

بالمقابل سجل التصدي لمخطط برافر بعض النجاح من حيث غزارة وكثافة عمليات الاحتجاج التي عمّت جميع قطاعات الشعب الفلسطيني في الداخل، ومن حيث قدرتها على الوصول إلى الإعلام الدولي والهيئات الدولية.

تعقيب د.علي الجرباوي: استخلاصات إستراتيجية

وفي تعقيب ختامي له، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت، الدكتور علي الجرباوي، تقرير مدار الإستراتيجي تقريرا مهما، كونه من التقارير النادرة التي تتناول المشهد الإسرائيلي باللغة العربية، إلى جانب ما تحلى به من مثابرة وتراكم على امتداد عشر سنوات.

وأثار الجرباوي جملة من الملاحظات المنهجية والبنيوية، وأخرى تتعلق بمضامين التقرير، وتشمل، بتقديره، ضرورة توضيح أكثر لهوية التقرير ما بين الإستراتيجي والحالي، وإعادة النظر في بنية الفصول وترتيبها.

وخلص الجرباوي إلى أن قراءة التقرير تحيل إلى مجموعة استخلاصات عن توجهات إسرائيل الإستراتيجية يعالجها التقرير على نحو متفاوت، تتلخص في التوجه الإسرائيلي نحو احتواء الفلسطينيين، والاستمرار في إدارة الصراع بغرض تعويمه، بحيث لا يكون حلّ لا بدولتين ولا بدولة واحدة، ومواجهة إيران وكذا إمكانيات المقاطعة، والحفاظ على اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، وتفتيت العالم العربي، وأخيرا مواجهة خطر الحركات الإسلامية السنية والشيعية.

وأوصى الجرباوي بطرح مزيد من الأسئلة التي تسهل إجابتها فرص الاستفادة من معرفة إسرائيل، والمتعلقة بتركيبة المجتمع، وأثر تآكل الطبقة الوسطى، وأثر استمرار الاحتلال والنزعة الأمنية على المجتمع، وصولا إلى تفشي الجريمة في المجتمع الإسرائيلي.

وحررت التقرير د. هنيدة غانم، وساهم في كتابة فصوله كل من د. عاطف أبو سيف، أنطوان شلحت، د. مهند مصطفى، د. فادي نحاس، د. عاص أطرش، نبيل الصالح، د. رائف زريق.

التعليقات