"أم سدرة" يزعج الاحتلال لقربه من مستوطنة أقيمت على أرضه

المحامي محاجنة: هذه القضية تعتبر مثالًا حيّا لهذه السياسات الإسرائيلية والذي تبنته نهجًا في كل الأراضي المحتلة، استطعنا في الوقت الحالي وقف المخطّط الإسرائيلي بتهجير سكان حي أم سدرة عن طريق قطع التيار الكهربائي عنهم

يشكّل الذراع التخطيطيّ، إحدى أهم الأذرع التي تستعملها إسرائيل لحصر البلدات العربية ديمغرافيًا وجغرافيًا، إذ تحاول من خلال التخطيط الحد من توسّع البلدات العربية من خلال شارع يحد البلدة أو مستوطنة تمنع توسّعها. ولا يتوقّف استعمال إسرائيل لسياسات التخطيط على البلدات والوجود العربي داخل الخط الأخضر، إذ تشكّل قضية بلدة الرماضين جنوب الخليل، مثالًا واضحًا على استعمالات إسرائيل لسياسات التخطيط في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1967.

تقع قرية الرماضين الفلسطينية، في حدود المناطق( C) التي تشكّل بدورها حوالي 62% من مجمل الأراضي المحتلة عام 1967 والتي تشكّل بدورها 28% من أراضي فلسطين التاريخية، وتخضع بحسب اتفاق أوسلو الذي تم توقيعه في العام 1993 إلى إدارة مدنية وأمنية إسرائيلية: الأمنية من خلال سيطرة الجيش الإسرائيلي على هذه المناطق ونفاذ الحكم العسكري عليها، والمدنية من خلال الإدارة المدنية التابعة للاحتلال في الأراضي المحتلة والتي تتضمّن دائرة تخطيط وبناء بإدارة احتلالية إسرائيلية، وبالتالي فإن دولة الاحتلال تسيطر فعليًا من الناحية الإدارية المدنية على هذه الأراضي التي يكون فيها البناء منوطًا بموافقة الإدارة المدنية التابعة للاحتلال وبحسب مخطّطاتها الإستراتيجية وما يلائم ميولها الاستيطانية في هذه المناطق.

مثال واضح على استغلال سلطات الاحتلال للتخطيط بهدف تمرير سياسات استيطانية

ويبعد حي أم صدري التابع لقرية الرماضين عن القرية ذاتها حواليّ 4 كيلومترات، ويحده من الشرق جدار أمني شائك يفصله عن مستوطنة 'سوسان'، ممّا يعني أن حي أم سدرة قريب من المستوطنة التي قامت على أراضي الرماضين الفلسطينية أكثر ممّا هو قريب على القرية ذاتها، وهو ما يزعج الاحتلال ومستوطنيه، إذ ما زال حي أم سدرة الذي تسكنه 30 عائلة فلسطينية، في العام 2015 بلا ماء وبلا كهرباء، وبلا أي من الاحتياجات الأساسية للإنسان بهدف إخلاء الحي الذي تطمح سلطات الاحتلال لتهجيره والتضييق على سكّانه لإرغامهم على تركه واللجوء إلى القرية ذاتها.

وعلى الرغم من أنه لا وجود لأي مخطّط توسّعي لمستوطنة سوسان، إلّا أن المحامي علاء محاجنة، الذي يتولّى الدفاع عن الحي في المحاكم الإسرائيلية يؤكد أن 'نيّة الاحتلال هي تفريغ الحي لكونه ملاصقًا للمستوطنة، فيحاولون إبعاد الوجود العربي عن البؤرة الاستيطانية'، أي أن الهدف هو محيط مستوطنة خال من العرب، ممّا يعني أن سلب الأراضي بهدف إقامة المستوطنات لم يعد كافيًا، بل إن وجود السكّان الأصليين بجانب الأراضي التي سلبت أيضًا أصبح مزعجًا للاحتلال ومستوطناته.

يشكّل حي أم سدرة وقرية الرماضين، مثالًا واضحًا على استغلال سلطات الاحتلال للتخطيط بهدف تمرير سياسات استيطانية في الأراضي المحتلة من جهة، ومثالًا واضحًا على أن السياسات الإسرائيلية لا تختلف كثيرًا بين النقب والخليل، وبين قرية أم الحيران مسلوبة الاعتراف المقطوعة عن الماء والكهرباء ومخطّط تهجير سكّانها لأجل بناء مستوطنة 'حيران'، وبين أم سدرة الذي يفتقد هو الآخر لمقوّمات الحياة الأساسية ويستمر لهدف توسيع مستوطنة 'سوسان'، وقضية الخارطة الهيكلية التي استثنت الرماضين منها والخارطة الهيكلية التي استثنت الوجود العربي في اللد.

قضية خط الكهرباء: بنوه الأهالي وهدمه الاحتلال

في العام 2008، بدأت قضية حي أم سدرة تبرز، بعد أن جمع سكّان الحي تكلفة خط كهرباء يمتد من قرية الرماضين إلى الحي ذاته، وعلى الرغم من أن خط الكهرباء استوفى مواصفات وشروط شركة الكهرباء الإسرائيلية، وأقامته شركة كهرباء محافظة الخليل الفلسطينية، إلّا أنه وفي العام 2012 أمرت سلطات الاحتلال بهدم خط الكهرباء الذي دفع ثمنه سكّان الحي بذريعة البناء غير المرخّص وعدم استصدار التصاريح اللازمة.

وعلى الرغم من أن الإدارة المدنية التابعة لسلطات الاحتلال بالضفة قامت بوضع خارطة هيكلية للمنطقة التي تتواجد فيها الرماضين وحي أم سدرة، إلّا أن الخارطة الهيكلية استثنت الوجود العربي بالكامل من المنطقة، ممّا يجعل أي بناء جديد في الحي غير مشمول في الخارطة الهيكلية، وبالتالي يحتاج لتصريح يرفضه الاحتلال بشكل تلقائي كونه ليس جزءًا من الخارطة الهيكلية ككل.

وفي العام 2012، قدّم أهالي حي أم سدرة اعتراضا على أوامر الهدم عن طريق المحامي علاء محاجنة، إلّا أنه تم رفض الاعتراض مباشرة، فقدّم الأهالي خارطة تفصيلية تم رفضها أيضًا بحجة أنها ليست جزءًا من مخطّط تطوير وتخطيط شامل على الرغم من أن المخطّط استثنى وجودهم منه.

وفي العام 2015، باشرت قوّات الاحتلال بهدم خط الكهرباء ولم تتوقّف إلّا بأمر من المحكمة الإسرائيلية العليا حتى إصدار الحكم النهائي في القضية الذي سيكون بتاريخ 7 أيلول/سبتمبر.

زغارنة: لا مؤسسات ولا جمعيات ولا سلطات فلسطينية تدخل الحي أو ترى ظروف حياتنا

وقال أحد سكّان حي أم سدرة، عمر زغارنة، لـ 'عرب 48' إن 'حي أم صدري معزول ومهمّش تمامًا، إذ يفتقد للماء والكهرباء والطريق، حيث يسير أبناء الحي حوالي 3 كيلومترات يوميًا بهدف الوصول إلى المدرسة، وكل بناء صغير من الممكن أن يكون بئر ماء لتجميع مياه الأمطار يحتاج لتصريح من الاحتلال'.

وأضاف أنه 'لا مؤسسات ولا جمعيات ولا سلطات فلسطينية تدخل الحي أو ترى ظروف حياتنا، إذ أننا لا نرى سوى جدار يفصلنا عن المستوطنة، وجيش يهدم أي شيء نبنيه حتى لو كان قنّ دجاج'.

وعن الماء تحديدًا، قال زغارنة إن 'الحي يعتاش على شراء الماء من قرية الرماضين ومياه الأمطار التي نجمّعها في آبار نبنيها أصبحت هي الأخرى ممنوعة بذريعة عدم الترخيص، إذ قامت قوّات الاحتلال في وقت سابق بهدم بئر ماء قمت ببنائه بجانب المنزل شخصيًا'.

وما بين فترة الهدم وأمر المحكمة العليا بإيقاف الهدم، قامت جرّافات الاحتلال بهدم 6 أعمدة من أصل 20 عامود كهرباء ربط القرية بالحي، وقال زغارنة إن 'الاحتلال هدم الأعمدة على الطريق للقرية، وبالتالي فإن خط الكهرباء لا يعمل حاليًا حتى صدور القرار النهائي'.

وأكّد الزغارنة على أن 'الخروج من الحي هو أمر مرفوض بتاتًا لدى الـ 30 عائلة المقيمة فيه، هذه أرضنا التي لن يستطيعوا إرغامنا على الخروج منها، وكما تصدينا لمحاولات اقتلاعنا وغيّرنا مسار الجدار في وقت سابق سنتصدّى لمحاولات التضييق علينا بهدف سلب الأرض'.

محاجنة: القضية تشكّل مثالًا صارخًا على سياسات إسرائيل الاستيطانية

بدوره، قال المحامي محاجنة إنه 'في حين ما زالت إسرائيل والمجتمع الدولي يتحدثون عن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل، تتصرّف إسرائيل على أرض الواقع وبشكل منهجي يتعارض مع الحل المطروح'.

وأضاف أن 'إسرائيل ومنذ عقود، ولا سيما في العقدين الأخيرين، وبالتحديد منذ توقيع اتفاقية أوسلو، ممعنة في تعزيز الاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، وبالتحديد المناطق التي تم تعريفها مناطق 'C' وفق اتفاقية أوسلو. فهي تبني المستوطنات وتوسع تلك القائمة من جهة، وتعمل على تهجير الفلسطينيين وتضييق الخناق عليهم من جهة أخرى بهدف فرض أمر واقع على الأرض يؤخذ بعين الاعتبار في كل حل مقترح مستقبلي'.

وتابع أن 'هذه القضية تعتبر مثالًا حيّا لهذه السياسات الإسرائيلية والذي تبنته نهجًا في كل الأراضي المحتلة، استطعنا في الوقت الحالي وقف المخطّط الإسرائيلي بتهجير سكان حي أم سدرة عن طريق قطع التيار الكهربائي عنهم، وذلك لحين إصدار قرار نهائي عن طريق المحكمة. حاولت إسرائيل استباق الامور عن طريق الشروع بشكل غير قانوني بعملية الهدم ولكن نجحنا في وقف هذا عن طريق استصدار أمر احترازي عن طريق المحكمة. القضية ما زالت بعيدة عن أن تنتهي، وواجبنا كشعب تعزيز صمود السكّان من أجل إفشال مخطط التهجير الذي يسعى بالأساس لتوسعة المستوطنة المجاورة على حساب أصحاب الأرض'.

التعليقات