أخبار الرئيس عباس…

انطباعات من لقاء الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مع ممثلين عن وسائل إعلام عربية في الداخل...

أخبار الرئيس عباس…

انطباعات من لقاء الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مع ممثلين عن وسائل إعلام عربية في الداخل...


بدت المقاطعة في رام الله مساء يوم الإثنين مظلمة وكأنها خالية من الناس بلا حراك سياسي ولا ديبلوماسي. بضعة حراس بزي عسكري ولباس مدني. فجأة وصل موكب من سيارات ألمانية فاخرة وجيبات “جيب” وفي مؤخرتها سيارة إسعاف. يبدو أن الرئيس محمود عباس وصل المقاطعة للقاء مجموعة صحافيين من الداخل بدعوة من لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي برئاسة محمد المدني، وهي اللجنة التي هنأت قبل أيام عضو الكنيست عن حزب “كولانو” الصهيوني اليميني، أكرم حسون، بزيارة منزلية لمناسبة دخوله الكنيست.

كان حضور الصحافيين أقل من المتوقع بل ضعيفا، بحسب عضو في لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، والمقاعد الخلفية في قاعة الصحافيين فارغة كلية، رغم أن اللجنة اهتمت بدعوة حتى المواقع المحلية وليس فقط القطرية، لكن الحضور خيب الآمال والتغطية كذلك.

تجمع الحضور في قاعة الإعلام، ومنع الصحافيون من الجلوس في الصف الأمامي، وطلب منهم التراجع إلى الصفوف الخلفية دون مبرر، ليتبيّن لاحقا أن الصف الأمامي مخصص لرجال الرئيس، لكن تمكن بعض الصحافيين من التسلل للصفوف الأولى.

صلب الموضوع…

دخل الرئيس عباس بصحبة رئيس لجنة المتابعة، محمد بركة، وأحمد مجدلاني ومحمد المدني وتولى عرافة اللقاء أحمد عساف. بادر أحد الصحافيين من الداخل إلى الوقوف والتصفيق للرئيس لكن الاستجابة كانت ضعيفة، بدا المشهد منافقا وكأنه مأخوذ من أتفه نظام عربي يحكمه ديكتاتور، ويعكس عقد النقص لدى بعض الصحافيين تجاه السياسيين.

باشر الرئيس عباس الحديث بأن مثل هذا اللقاء لم يعقد من قبل، وقال “ربما نحن المقصرون” وتابع: “نريد التحدث أخوة لأخوة، أهل لأهل… نتعامل مع بعضنا البعض على أننا أهل وإن اختلفت بعض الخصوصيات فهذه طبيعة الأشياء…”، وأردف أن “الأصل واحد” وكأننا لسنا شعبا واحدا ومصيرنا مشترك وإنما مجموعات لها ماض مشترك وأصل واحد.

وسرعان ما دخل الرئيس عباس في الحديث في صلب الموضوع، ودعا إلى رفع نسبة التصويت في الانتخابات في الكنيست، رغم أنها لن تجري في المدى المنظور، وتساءل: “لماذا تصل نسبة تصويت العرب في الانتخابات البلدية إلى ١٠٠ في المئة أو أكثر، بينما في انتخابات الكنيست لا تتجاوز ٦٥ في المئة”. هذا التصريح يوجز رؤيته لدورنا في إسرائيل. مصوتون.

كان هذا التصريح كافيا ليؤشر إلى رؤية الرئيس عباس للفلسطينيين في إسرائيل وتتمة حديثه. فهو يرى بهم مخزون أصوات للتأثير على السياسة الإسرائيلية وليس جزءا حيا من الحركة الوطنية الفلسطينية، إذ قال أنا التقي كل مكونات المجتمع الإسرائيلي و”بجيب كل الشرائح الإسرائيلية وبحكي معها”، وأضاف أنه يلتقي مع الحضور اليوم ليوجه من خلاله رسائلا للحكومة الإسرائيلية على اعتبار أن العرب في إسرائيل كأحدى شرائح المجتمع الإسرائيلي، على حد تعبيره، وفي هذا السياق التقى قبل أسابيع مع صحافيين يهود في المقاطعة.

وعندما سئل إن كان يدعم تدويل قضايا الفلسطينيين في إسرائيل، قال “أنا مالي ومالكم”، وأوضح: “أنتم تقررون ما تقررون ونحن ندعم”، وبعد أن همس أحد الجالسين إلى جواره، فقال “سفاراتنا لكم” أي في خدمتكم.

وبارك الرئيس عباس لانتخابات رئاسة لجنة المتابعة، وقال إن هناك الآن عنوان مشترك للعرب في إسرائيل.

“يسطفل”

ليس واضحا ما إذا كانت هذه علامات أو مؤشرات على تقدم الرئيس عباس بالسن أم أنها “حنكة” سياسية لدى إجابته على أسئلة طرحها الصحافيون. فعلى سبيل المثال عندما سئل عن قرارات مؤتمر حزب العمل برئاسة يتسحاق هرتسوغ، بأن حل الدولتين ليس واقعيا الآن وإقرار خطة “إنفصال” عن الضفة الغربية مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية واستكمال بناء جدار الفصل العنصري، بدا الرئيس عباس وكأنه لم يسمع بهذه التطورات وأنه ليس على علم مطلق بها، إذا قال لم يقدم لنا شيئا من هذا القبيل، متجاهلا أن الحديث يدور عن خطة أحادية الجانب أقرها حزب شريك له في وضع اتفاقيات أوسلو، واكتفى بالقول “هرتسوغ دايما بيجي عنا” ولم يقدم شيئا عن الموضوع وأننا لن نقبل بخطة أحادية الجانب.

مثال آخر هو عندما سئل عن حملة التحريض على نواب التجمع في القائمة المشتركة في الأيام الأخيرة، فتساءل “التحريض من عنا؟!”… فهمس له بركة بأن القصد عن التحريض الإسرائيلي على نواب المشتركة، فبدا الرئيس عباس وكأنه ليس على اطلاع على الموضوع وقال إن هذه عنصرية وأن المشتركة قائمة فيها عرب ويهود، وبذلك أنهى الإجابة دون إدانة التحريض والملاحقة أو التطرق لقضية احتجاز جثامين شهداء القدس.

وخلال الحديث للصحافيين، كرر الرئيس عباس استخدام كلمة “يسطفل” عندما كان يتحدث عن المفاوضات مع نتنياهو. وقال إن “حكومة إسرائيل خرقت كل الاتفاقات منذ أوسلو وأكبر دليل هو أنها تخترق منطقة أ بأي وقت تشاء…”، وأضاف أن “إسرائيل لا تريد المفاوضات… نحن أيدينا ممدودة للمفاوضات. تعالوا لنتفاوض… كيف نتفاوض؟ مستعدون أن نجلس على الطاولة لكي نتحدث عن قضايا الحل النهائي، لكن عليكم وقف الاستيطان خلال المفاوضات…”.

وحمّل عباس إسرائيل مسؤولية الهبة الأخيرة لأنها اخترقت كل المحرمات وأولها بأنها سمحت “لكل الناس بأن يعيثوا بالمسجد الحرام فسادًا”، وبسبب تسامحها إزاء اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، وقال إنه يدعم الهبة الشعبية السلمية وأن الاستيطان غير قانوني وغير شرعي وأنه يرفض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وتابع أن إسرائيل لم تطالب مصر أو الأردن الاعتراف بها كدولة يهودية في الاتفاقيات الموقعة فلماذا تطالبه بذلك. وقال الرئيس عباس إن إسرائيل تمارس الأبرتهايد في الضفة الغربية.

ودعا عباس إلى عقد مؤتمر دولي على غرار مؤتمر أنابوليس ليخرج “بمكانيكية لمعالجة القضية أو الصراع”، كما قال، على غرار المحادثات مع إيران أو محادثات جنيف السورية أو المحادثات الليبية. وأضاف أن الولايات المتحدة تعارض حتى اللحظة مثل هذا المؤتمر لكن دولا كبرى مثل فرنسا والصين وروسيا تبذل جهدا بهذا الشأن، وأنه في حال فشل المؤتمر فسيتوجه لمجلس الأمن لاستصدار قرار بشأن الاستيطان. وقال إننا نطالب بالحماية الدولية من اعتداءات الاحتلال ونزع سلاح المستوطنين. وأوضح أن حل قضية اللاجئين يجب أن يكون وفق ما ورد في مبادرة السلام العربية.

وشدد عباس على أن فلسطين أصبحت دولة باعتراف ١٣٧ دولة وأنها ليست سلطة وطنية فلسطينية، وإنما “دولة تحت الاحتلال ولكن دولة”، حسب تعبيره، وأن لها ١١٠ سفارات.

وفي ما يتعلق بالاتهامات الإسرائيلية بأنه يدعم أسر الشهداء، قال إن هذه ليست تهمة وأن السلطة تدفع لأسر الشهداء مخصصات شهرية، مثلما تدفع مخصصات لأسر فلسطينيين أعدموا بعد إدانتهم بالخيانة أو التجسس.

انطباعات…

بعد حوالي الساعة ونصف الساعة من الاستماع إلى حديث الرئيس عباس يبدو أنه يريد مواجهة إسرائيل واحتلالها واستيطانها بأدوات اتفاق أوسلو رغم أنه مات ودفن، ويبدو أنه لم يدرك أن إسرائيل تغيرت بالكامل في السنوات الأخيرة نحو أقصى اليمين، إذ ما زال  يصرح أنه يريد التحدث إلى من ينتخبه الإسرئيليون، إذا انتخبوا بنيامين نتنياهو فسنتحدث مع بنيامين نتنياهو، حسب تعبيره. ومؤشر آخر على أنه لا زال يتعامل مع الإسرائيليين بأدوات بائدة مثل تشكيل لجان متخيلة لاختراق المجتمع الإسرائيلي، مثل اللجنة التي رتبت اللقاء أمس، والتعامل مع الفلسطينيين في إسرائيل كمجموعة ضغط إسرائيلية، وأن مهتمها الأساسية خلق ثقل سياسي داخل الكنيست يدعم الاتفاقيات مع الفلسطينيين، رغم أنها غير مطروحة أصلا ولن تطرح في المدى المنظور.

انطباع آخر هو أن الرئيس عباس شدد أكثر من مرة خلال اللقاء على أنه رجل سلام ولا يريد إراقة الدماء. وإذا كان التساؤل هل هذه إستراتيجية محنكة لإدارة الصراع مع إسرائيل أم أنه الخيار الوحيد لديه ونابع عن قناعة شخصية، فإن الجواب أن هذه قناعته بعدما تنازل عن كل الخيارات البديلة لمواجهة إسرائيل وأنه لا يملك أي مشروع لمواجهة  المخططات إسرائيل باستثناء مؤتمرات دولية، علما أن التحرك الفلسطيني المؤثر على الصعيد العالمي، حملة المقاطعة الدولية والهبة الشعبية، يجري بمعزل عن السلطة الفلسطينية. 

لكن الانطباع الأهم هو أن الرئيس عباس لا يتصرف أو يصرح كزعيم لكل الشعب الفلسطيني وإنما كرئيس دولة لشعب الضفة الغربية.

خلاصة الحديث، كان اللقاء ليس ذا صلة بالواقع.

التعليقات