بن سلمان سعى لاستغلال المخيمات الفلسطينية لزيادة نفوذه بلبنان

يخشى المسؤولون اللبنانيون، بحسب ما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، خطة سعودية طويلة الأمد تسعى لتسليح ميليشيات في المخيمات الفلسطينية لمواجهة "حزب الله"، وتهدف هذه الخطة لزيادة النفوذ السعودي مقابل ضرب النفوذ الإيراني في لبنان.

بن سلمان سعى لاستغلال المخيمات الفلسطينية لزيادة نفوذه بلبنان

بن سلمان والحريري

يخشى المسؤولون اللبنانيون، بحسب ما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، خطة سعودية طويلة الأمد تسعى لتسليح ميليشيات في المخيمات الفلسطينية لمواجهة حزب الله، بهدف زيادة النفوذ السعودي مقابل ضرب النفوذ الإيراني في لبنان.

وقالت الصحيفة، في تقرير نشرته اليوم، الاثنين، إن مسؤولين لبنانيين وغربيين أبدوا قلقهم من زعزعة استقرار مخيمات اللاجئين وتشكيل الميليشيات فيها أو خارجها، في حين قال مسؤول سعودي إن السعودية لم تبحث مثل هذا الأمر أبدًا.

وأعرب مسؤولون عرب وغربيون عن قلقهم من ما قد تصل إليه السعودية بهذه الخطة، إذ من المرجح أن يؤدي نجاحها واستغلال الاضطرابات في لبنان إلى حرب جديدة.

ونقلت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، أمس الأحد، عن مصادر تفاصيل زيارة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى السعودية، حيث التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأن الأخير طلب منه التدخل في مخيمات اللاجئين في لبنان والضغط عليهم للانحياز للكتلة التي تدعمها السعودية وعدم التقرب من حزب الله وما أسماه "المعسكر الإيراني".

وبحسب الصحيفة البريطانية، حاول بن سلمان إقناع عباس بذلك باستخدام "الدبلوماسية الناعمة"، دون تهديد أو وعيد، لكنه لوح ببديل له في هذه المهمة، وقال "إن لم تستطع أداء هذه المهمة فهناك من يقوم بها"، في إشارة إلى المفصول من حركة فتح، محمد دحلان.

واعتبر محللون ومسؤولون، بحسب "نيويورك تايمز"، أن السعودية تسعى إلى إعادة تنظيم المشهد السياسي في لبنان وإشراك أكبر قدر من اللاعبين فيه لتقليل تأثير حزب الله، حتى لو كان الثمن انهيار حكومة الحريري التي يشكل حزب الله جزءًا منها.

تفاصيل إقامة الحريري الغامضة بالسعودية

كانت زيارة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، إلى الرياض، الشهر الماضي، عادية أو هذا ما اعتقده الحريري في البداية. لكنها تحولت إلى كابوس وشبه أزمة دولية، بعد أن قرأ، أو أجبر على قراءة، بيان استقالته على شاشة تلفزيون "العربية" السعودي، وهو الذي يملك شبكة قنوات خاصة باسمه.

في اليوم الثاني للزيارة، استدعي الحريري إلى المكاتب الملكية في الساعة الثامنة والنصف صباحًا، وهي ساعة مبكرة جدًا للزيارات الرسمية بالنسبة للديوان الملكي السعودي والعاملين فيه، وهناك بدأ ما لم يكن متوقعًا، بحسب ما روت صحيفة "نيويورك تايمز".

ارتدى الحريري سروال جينس أزرق وقميصًا قصير الأكمام، إذ كان يعتقد أنه سيذهب في رحلة صيد وتخييم في الصحراء مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. ولا عجب في مثل هذه الرحلة خاصة أنه حليف السعودية الأقرب في لبنان وقبله كان والده.

وبعد وصوله، تعرض للإهانة بعد أن جرده الحرس السعودي من هواتفه الخليوية وفصله عن طاقم الحراسة الخاص به، وقالت مصادر للصحيفة إن الحرس السعودي أطلق عليه النار بغية التهديد واعتدوا عليه، وكانت ذروة المهانة عندما سلموه خطاب الاستقالة وأجبروه على قراءته.

واتضح لاحقًا أن استقالة الحريري وإلقاء اللوم على إيران كان سبب استدعاء الحريري إلى السعودية منذ البداية، وتعاملت معه السعودية كما لو كان موظفًا لديها وليس رئيس وزراء لدولة ذات سيادة واستقلال، وحتى عندما نقل لقراءة البيان الذي كتبوه له، لم يسمح له بالذهاب إلى منزله، بل طلب من الحرس إحضار بدلة رسمية له ليرتديها خلال قراءة البيان.

تغيير قواعد اللعبة إقليميًا

واعتبرت الصحيفة ما حدث مع الحريري مجرد حلقة في سلسلة مغامرات ولي العهد، الذي يسعى لقلب نظام الحكم في السعودية والتأثير على الموازين الإقليمية والدولية، بدءًا من سجن أمراء من العائلة المالكة ورجال أعمال ووزراء في أرقى فنادق الرياض، الريتز كارلتون، تحت مزاعم مكافحة الفساد، وحتى الحرب التي شنها على اليمن.

وكان هدف بن سلمان من إجبار الحريري على الاستقالة وإلقاء اللوم على إيران هو كسب جولة في معركة التأثير الإقليمي المشتعلة بين الرياض وطهران، عن طريق تحجيم النفوذ الإيراني في لبنان مقابل زيادة النفوذ السعودي.

وقالت الصحيفة إنها حصلت على تفاصيل زيارة الحريري من 12 مسؤولًا لبنانيًا وأجنبيًا وكذلك شركاء ومقربين من الرئيس الحريري.

وقالت مصادر لبنانية للصحيفة إن أحدًا لم يتمكن من الاتصال برئيس الوزراء بعد إلقائه خطاب الاستقالة، ولا حتى مساعديه وأقربائه في بيروت، وذلك يعود إلى قضائه الليلة في الصحراء مع ولي العهد السعودي، بعد أن تم تجريده من هواتفه.

وكانت استقالة الحريري وإقامته الجبرية في الرياض حلقة في سلسلة خطوات لبن سلمان التي تضع الشرق الأوسط على حافة الانفجار، فبعد ترك لبنان في حالة ذهول وارتباك دراء الاستقالة المفاجئة، تواصلت الحلقات لتصل لاعتقال الأمراء وإطلاق الصواريخ من اليمن على العاصمة الرياض.

وكان بن سلمان قد شن الحرب بالفعل على اليمن منذ العام 2015، وقال إنها ضد حلفاء إيران هناك، الذين أطلق عليهم اسم "المتمردين الشيعة"، أي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وبعدها قام بحصار قطر، اقتصاديًا وسياسيًا وجغرافيًا، واعتبرها مقربة من إيران وداعمة للإرهاب.

وبإقالة الحريري، أو إجباره على الاستقالة، كان هدف بن سلمان إرسال رسالة واضحة للشرق الأوسط، تنص على أنه آن الأوان لوقف تنامي النفوذ الإيراني في لبنان، العسكري والسياسي، عن طريق وقف تمدد "حزب الله"، الذي اعتبره الممثل السياسي الأقوى في لبنان.

واليوم، بعد عودة الحريري لمنصبه، باتت واقعته تعتبر محاولة فاشلة لزعيم أراد تغيير استراتيجية وآليات عمل السعودية التي مارستها لسنوات طويلة، وأدت هذه المحاولة إلى عواقب لم تكن بالحسبان، إذ عاد الحريري إلى منصبه بشعبية أكبر وازدادت قوة حزب الله في لبنان.

"سياسة متشددة وخرقاء"

ونقلت الصحيفة عن مصادر رسمية قولها إن السياسات التي تنتهجها السعودية في المنطقة "متشددة وخرقاء"، قد تبعد عنها أقرب وأقوى حلفائها، مثل الولايات المتحدة والأردن ومصر والكويت وكثير من المتنفذين في كتلة المستقبل التي يتزعمها الحريري. واعتبر محللون أن السعودية كانت قادرة على الحصول على بعض التنازلات في لبنان، دون الحاجة لإثارة مثل هذه العاصفة الدبلوماسية.

وقالت الصحيفة إن المسؤولين الذين نقلوا تفاصيل زيارة الحريري للسعودية طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم لأن هذه التفاصيل تعتبر سرية ومحرجة للغاية بالنسبة لرئيس الوزراء. ولا تزال هناك بعض الثغرات في القصة بسبب حساسيتها أو بسبب عدم معرفة أحد بالقصة كاملة، باستثناء الحريري نفسه، الذي تراجع عن استقالته بعد عودته إلى لبنان جراء جهود دبلوماسية بذلت لإطلاق سراحه.

ورفض الحريري التعليق على ما حدث في السعودية وتنصل من الإجابة على الأسئلة المتعلقة بها، وقال إنه يريد ترك هذه الزيارة وراءه والمضي قدمًا، في حين أصرت السعودية، على لسان مسؤولين رسميين، على روايتها بأن الحريري استقال من تلقاء نفسه ولم يجبره أحد على ذلك، وأنه سيبقى صديقًا للمملكة.

ومنذ قراءة الحريري لبيان الاستقالة في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، توالت الأحداث بسرعة غير مفهومة، إذ أطلق صاروخ من اليمن باتجاه الرياض واتهمت السعودية على أثره إيران ولبنان بالقيام بعمل حربي، ومن ثم بدأت حملة الاعتقالات تحت مزاعم مكافحة الفساد، وبعدها بأيام طلبت من رعاياها الخروج من لبنان وحذرتهم من السفر إلى هناك، كما اتخذت البحرين، التي تعتبر تابعة للسعودية، ذات الخطوة.

 

التعليقات