القدس: ماذا يعني أن تُهجّر من بيتك؟

ماذا يعني أن تُطرد من بيتك؟ سؤال طارد حاتم أبو عصب (52 عاما)، من أهالي البلدة القديمة في القدس، فلم يقو على الإجابة، حاله حال العديد من الفلسطينيين الذين استهدفتهم سياسة الاحتلال الإسرائيلي بالتضييق والتهجير والسلب واغتيال الأحلام والطموحات.

القدس: ماذا يعني أن تُهجّر من بيتك؟

حاتم أبو عصب أمام منزله بالقدس (عرب 48)

ماذا يعني أن تُطرد من بيتك؟ سؤال طارد حاتم أبو عصب (52 عاما)، من أهالي البلدة القديمة في القدس، فلم يقو على الإجابة، حاله حال العديد من الفلسطينيين الذين استهدفتهم سياسة الاحتلال الإسرائيلي بالتضييق والتهجير والسلب واغتيال الأحلام والطموحات.  

لم يكن صباح 18 شباط/ فبراير الماضي كغيره من الأيام بالنسبة للمقدسي أبو عصب وعائلته كما سائر سكان البلدة القديمة في القدس، حيث سيشهد آخر إطلالة من نافذة بيته التي تطل على باحات المسجد الأقصى، بعد أن سلب المستوطنون بيته عنوة.


لحظات الاقتحام

لم تكترث قوات الشرطة الإسرائيلية للعائلة التي تسكن البيت ولا للشيوخ والنساء والأطفال، جاءت مدججة بسلاحها، عازمة على تنفيذ قرارها، وهو إخراج عائلة أبو عصب من البيت، وإن احتاج الأمر لاستخدام القوة، ولربما القوة المفرطة.

وقال أبو عصب، لـ"عرب 48" إن "أسطح البيوت امتلأت بعناصر من قوات القناصة والمراقبة، وانتشرت في الأزقة المؤدية إلى البيت مجموعات كبيرة من القوات الخاصة الإسرائيلية بعد أن قاموا بإغلاقها. تحولت المنطقة إلى ثكنة عسكرية".

وفي التفاصيل، أوضح صاحب البيت المقدسي: "بعد ساعات من احتجازنا في البيت حيث رفضنا أن نخليه، وبعد أن حاولنا بكل الطرق والوسائل إنقاذ البيت، قررت قوات الشرطة الإسرائيلية استخدام القوة المفرطة، ضربوني وضربوا شقيقتي وابني القاصر، وأخرجونا بالقوة من البيت".

ارتفاع نسبة المستوطنين في القدس

أحكمت الجمعيات الاستيطانية قبضتها على منزل أبو عصب في شارع الواد بالبلدة القديمة في القدس، وهو واحد من 63 منزلا استولت عليها الجمعيات الاستيطانية خلال الأعوام التسعة الأخيرة، لترتفع نسبة المستوطنين في القدس المحتلة إلى 60%، وفق تصريحات نُسبت لباحثين.

ووفق الباحث في شؤون الاستيطان في القدس، أحمد صب لبن، فإنه "لغاية العام 2017 سكن نحو 5 آلاف مستوطن في بيوت فلسطينيين تم الاستيلاء عليها بطرق مختلفة، على رأسها التزوير".

وُضعت كافة العقارات الفلسطينية في القدس بين عام 1948 ولغاية 1967 تحت الوصاية الأردنية، وفقًا للقانون الدولي، وكانت محمية إلى هذه الأعوام حتى تأسست ما تسمى بـ "دائرة أراضي إسرائيل" في العام 1960.

وبموجب عمل ما تسمى "دائرة أراضي إسرائيل" سُنت قوانين تسمح لها الاستيلاء على جميع العقارات الفلسطينية للاجئين الذين هجروا إبان النكبة، وبذلك تبسط سيطرتها على جميع أملاك اللاجئين الفلسطينيين وفق قانون "أملاك الغائبين".

عاش أبو عصب في حي يطل على المسجد الأقصى، سكن فيه والده وجده من قبله، حتى سُرب العقار إلى الجمعيات الاستيطانية، وأخرج أبو عصب بالقوة من منزل العائلة.

وحمّل أبو عصب مسؤولية خسارة بيته لعدد من المؤسسات والمحامين، لم يذكر أسماءهم، وقال إن "التخاذل بدا واضحا من المحامين وبعض المؤسسات. لو كان بمقدوري أن أوفر أجر المحامين وحدي لما طلبت المساعدة من أحد. هذه ليست قضية بيت أبو عصب وليست قضية قانونية، هذه قضية سياسية عقائدية، وهذا البيت سلب بصورة غير قانونية كباقي البيوت التي سلبتها الجمعيات الاستيطانية".

وأكد أبو عصب أنه "منذ 20 عاما وهم يحاولون الاستيلاء على بيتنا، حاولوا بعدة طرق من خلال الإغراءات المالية لوالدي، ولكن حين رفضنا اتجهوا إلى طرق ملتوية. تركت وحيدا وسط هذه المعركة، لم يكن لي الجهد ولا المال الكافي كي أقاوم كل هذه المؤسسات المدعومة، توجهت إلى عدد من أعضاء الكنيست، ولم يسعفني ذلك. أؤمن أن الأقدار نازلة من السماء، وأنه ينبغي علينا أن نأخذ بالأسباب. عَوّدت أولادي أن نعيش على قدرنا، سواء امتلكنا المال، نلبس ثيابا غالية، وإن لم نملكه نعيش بما يسترنا، وهذا ما منحنا في العائلة القوة كي نقاوم عملية التهجير التي وقعت علينا. تشتتنا من المخيم إلى القرية ومن ثم إلى البلدة وعودة إلى المخيم، كانت الطريق مرهقة جدا".

"تضييق على المقدسيين"

وعن شعوره إزاء ما حدث، أكد أبو عصب: "أن يسلب بيتك وتطرد منه أصعب بكثير من أن يهدم بيتك. على الأقل في الحالة الثانية الأرض تبقى ملكك، وفي الحالتين الأمر صعب جدا، ولكن حالتنا أصعب، وليس هناك أشد وجعا من أن تخسر بيتك لمن احتل أرضك ووطنك".

وأكد أن "حياة العائلة انقلبت رأسا على عقب، الشغل، الحياة العائلية، الحياة الاجتماعية، كل شيء تغير، الوضع الاقتصادي ازداد سوءا. جميع ما كان في البيت مُنعنا من أخذه معنا، الأثاث والأدوات الكهربائية والملابس. الوضع الاجتماعي والاقتصادي في القدس سيء جدا. المشكلة معقدة جدا، ولكن على قدر الآلام الذي نتحملها في القدس كي نحافظ على أملاكنا هناك من يبعنا من أبناء جلدتنا بأبخس الأثمان وفي وضح النهار دون خجل. نحن لا نتحدث فقط عن أملاك أو عقارات بل إننا نتحدث عن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، أحلامنا وآمالنا ووطننا الذي دفع فيه أسلافنا دماءهم للحفاظ عليه".

استيطان في القدس

ولفت أبو عصب إلى أن "التزييف والتزوير، بالتعاون مع كل المؤسسات الحكومية الرسمية وغير الرسمية، والجمعيات الصهيونية هو السبب الأول والرئيس لتسريب العقارات العربية الفلسطينية في القدس، وهذا ما صادفته بالمحاكم، كنت أشاهد الظلم بعيني كيف تقبل المحكمة المستندات المزيفة على أنها حقيقية. معركة شرسة تهلكنا يوما بعد يوم، ونحن المقدسيون في هذه المعركة لوحدنا نواجه المؤسسات الصهيونية وسياسات التهويد، وهناك من يتآمر علينا. كقضية منزلي هناك 200 بيت في المحاكم معرضة للإخلاء، وإذا استمر الأمر على ما هو ستتهود هذه البيوت".

"المعركة ليست على الأملاك في القدس فقط"

وختم أبو عصب بالقول إن "المعركة ليست على الأملاك في القدس فقط، المعركة أكبر من ذلك بكثير، هي معركة الهوية واللون والدين والحضارة والثقافة والتاريخ. لم يترك الاحتلال بابا إلا وحاول اقتحامه، نحن صامدون، سلاحنا الصبر والثبات ويجب ألا نفرط بهما، إضافة إلى الوعي وأهمية نشره بين المقدسيين، وخصوصا فيما يتعلق بقضايا الأملاك والعقارات".

 

التعليقات