الخليل.. حضارات ومواقع أثرية تسرد حقبات تاريخية

تقع البلدة القديمة في الجنوب الشرقي من مدينة الخليل ويتوسطها الحرم الإبراهيمي، تأسست في موقعها الحالي خلال الفترة الإسلامية المبكرة عندما انتقلت من تل الرميدة إلى جوار الحرم الإبراهيمي ومحيطه

الخليل.. حضارات ومواقع أثرية تسرد حقبات تاريخية

الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة بالخليل (عرب 48)

التجوال في محافظة الخليل يمكنك التنقل بين الحضارات المختلفة التي عايشت المنطقة قبيل الاحتلال الراهن الواقع عليها، إذ تشهد عليها نحو 10 آلاف معلم حضاري وتاريخي وأثري من مختلف الحقبات، تجوب خلالها القرى والبلدات الفلسطينية لتعيش تاريخ البلدات الفلسطينية وتتعرف عن كثب على معالمها الطبيعية والتاريخية رغم كل مخططات الاحتلال الرامية إلى طمسها وتهويدها.

التنقل بين أركان الحضارات في محافظة الخليل، يأتي لجذب السياح من فلسطينيي 48 والتعريف بالمواقع السياحية والأثرية في محافظة الخليل، وقد أطلقت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، البرنامج الترويجي الثالث تحت عنوان "الخليل هالمرة غير"، وذلك بالتعاون مع جمعيات القطاع السياحي الفلسطيني الخاص، وبدعم من الوكالة اليابانية للتعاون "جايكا".


افتتح المشروع الذي استمر على مدار 3 أيام، ورافقه "عرب 48" بالإضافة إلى وكيل وزارة السياحة والآثار صالح طوافشة، وممثل محافظة الخليل د. رفيق الجعبري، ورئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة، وممثل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي هوشي سان، ورؤساء وأعضاء جمعيات القطاع السياحي، ورؤساء بلديات ومدراء الأجهزة الأمنية ومجموعة من الشخصيات الرسمية والوطنية وعدد كبير من الصحافيين ووكلاء سياحة من فلسطينيي 48.

تشجيع السياحة الداخلية

وقال وكيل وزارة السياحة والآثار، صالح طوافشة، إن "هدف البرنامج الذي تنظمه الوزارة هو تشجيع السياحة الداخلية في فلسطين، والتعريف بالمنتج السياحي المتنوع لمدن وقرى وريف ومخيمات المدن والمحافظات الفلسطينية، وتسليط الضوء على المواقع الأثرية وتشجيع السياحة الداخلية وسياحة المسارات وتعزيز التواصل والتشبيك بين أبناء الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده، وخلق بيئة مناسبة للتشبيك ما بين القطاعات السياحية الفلسطينية".

ضريح النبي يوسف في مغارة الحرم الإبراهيمي في الخليل

بدوره، أكد ممثل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي "جايكا"، هوشي سان، على أهمية التعاون والشراكة مع وزارة السياحة والآثار الفلسطينية في دعم القطاع السياحي والأثري في فلسطين، مشددا على التطلع لمزيد من العمل والتعاون مع وزارة السياحة والآثار لدعم القطاع السياحي الفلسطيني.

وأوضح أن "هذه الشراكة توّجت من خلال العديد من المشاريع المشتركة والتي جرى تنفيذها في محافظات أريحا وبيت لحم ونابلس، وحققت النجاح المطلوب بتنشيط السياحة الداخلية لتكون رافعة للنمو الاقتصادي والتجاري والسياحي".

جدران القلعة الرومانية في بلدة السموع (عرب 48)

من جانبه، ذكر مدير عام التسويق السياحي في وزارة السياحة والآثار، ماجد إسحاق، أن "برنامج السياحة إلى محافظة الخليل شمل زيارات ميدانية لمدن الخليل ودورا والسموع والظاهرية وحلحول، لاكتشاف المواقع الأثرية وتنشيط السياحة في هذه البلدات، علما أن مجلس الحرف العالمي أعلن عن الخليل مدينة حرفية عالمية بالعام 2016، حيث تشتهر بالخزف والفخار والزجاج والمطرزات".

وخلال الجولات الميدانية، قال مدير عام التسويق السياحي في الوزارة الفلسطينية "جرى التعرف على التطورات التي حدثت في تلك المدن من حيث البنية التحتية وتأهيل مواقع أثرية والأحياء القديمة والخدمات السياحية من فنادق ومطاعم وملاهي، والتي تمثل مقاصد سياحية جذابة لأهلنا من مناطق الـ48، حيث تولي الوزارة أهمية لتسليط الضوء عليها وإبرازها والترويج لها".

خليل الرحمن

تعتبر مدينة الخليل أو خليل الرحمن واحدة من أقدم المدن المأهولة بصورة مستمرة في العالم، إذ مر على المدينة 36 حضارة وأقدم سكن فيها يقع في تل الرميدة إلى الجنوب الغربي من المدينة التاريخية الحالية، حيث يعود السكن بها وتاريخها إلى العصر الحجري النحاسي (نحو 4500-3200 ق.م).

المرشد السياحي جبر الرجوب خلال جولة بالمواقع الأثرية بالسموع (عرب 48)

عرفت المدينة بأنها مكان دفن الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وزوجاتهم، وخلال الفترة الرومانية بنى هيرودس الكبير (73-4 ق.م) جدارا ضخما حول المغارة التي تحوي قبور الأنبياء.

ولا زالت الهندسة المعمارية المقامة على الطراز المملوكي تهيمن على تخطيط مدينة الخليل، فهي من المدن العربية والإسلامية القليلة التي حافظت على شكلها الأصلي، ويظهر ذلك للعيان من خلال نسيجها الحضاري وهندستها المعمارية المرموقة.

أزقة البلدة القديمة في السموع (عرب 48)

وتعززت مكانة مدينة الخليل بفنونها الحرفية الفريدة، ومنها الأواني الفخارية والزجاجية والسيراميك التي تعود إلى أصول مملوكية، إضافة إلى الحياة التقليدية فيها.

البلدة القديمة

تقع البلدة القديمة في الجنوب الشرقي من مدينة الخليل ويتوسطها الحرم الإبراهيمي، تأسست في موقعها الحالي خلال الفترة الإسلامية المبكرة عندما انتقلت من تل الرميدة إلى جوار الحرم الإبراهيمي ومحيطه، ثم خضعت المدينة لسيطرة الصليبيين عام 1099 حتى حررها القائد صلاح الدين الأيوبي عام 1187.

التجوال في البلدة القديمة بالخليل (عرب 48)

ازدهرت البلدة القديمة في الفترة المملوكية وأصبحت مركزا حضاريا ودينيا مرموقا، ونسجت البلدة القديمة عمرانها في محيط الحرم وجنباته، وضمت أطيافا اجتماعية مختلفة عمرت حاراتها وأحواشها وشوارعها وأسواقها وخاناتها ومساجدها وزواياها ومدارسها، حيث تضم 13 حارة.

تعتبر المباني في البلدة القديمة نموذجا لفن العمارة الإسلامية التي يغلب عليها الطابع المملوكي والعثماني، ورغم عمليات الإعمار المستمرة حافظت على طرازها الأصلي ما سمح بالحفاظ على الهوية والقيم المعمارية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمركز التاريخي فيها.

الحرم الإبراهيمي

بني الحرم الإبراهيمي داخل السور الذي أنشأه الملك هيرود الأدومي حاكم فلسطين في الفترة الرومانية المبكرة (37– 4 ق. م.)، وهو مبني من حجارة منحوتة ضخمة يزيد طول بعضها عن سبعة أمتار ونصف وعرضها يقارب المتر، ويزيد ارتفاع جدران المسجد عن خمسة عشر مترا.

الحرم الإبراهيمي من الداخل ويظهر ضريح النبي إبراهيم

وفي الفترة البيزنطية بنيت كنيسة داخل السور، إلا أنها هدمت أثناء الغزو الفارسي لفلسطين عام 614. ثم تحول المكان إلى مسجد بعد أن استعاد صلاح الدين الأيوبي السيطرة على المدينة في عام 1187.

بئر حرم الرامة

يقع على بعد 3 كم شمال مركز مدينة الخليل، ويرتبط بالتقاليد الدينية التي تروي أن النبي إبراهيم نصب خيمته في هذا المكان بعد انفصاله عن ابن أخيه لوط، وظهرت له الملائكة وبشرته بابنه إسحق من زوجته سارة الكهل.

موقع بئر حرم الرامة في الخليل (عرب 48)

وكشفت التنقيبات الأثرية التي جرت في الموقع خلال عشرينيات القرن الماضي، عن بناء كبير بمساحة ثلاث دونمات تقريبا مبني من حجارة مماثلة لحجارة المسجد الإبراهيمي.

أصبحت هذه المنطقة مركزا تجاريا مهما خلال الفترة الرومانية، خصوصا في عصر الإمبراطور هدريان 135، وجذبت إليه العديد من التجار من سورية وفلسطين ومصر.

جدران بئر حرم الرامة حيث يعتقد أنها كانت حجر الأساس للحرم الإبراهيمي (عرب 48)

ويوجد بالموقع بئر ماء مسقوفة مبنية بالحجر، وبالقرب منها توجد أحواض حجرية صغيرة كانت تستخدم لسقي المواشي.

كنيسة المسكوبية

تقع في حديقة الروس الأرثوذكس في ظاهر مدينة الخليل الغربي، وقد بنيت الكنيسة في مطلع القرن العشرين وتبلغ مساحتها حوالي 600 متر مربع.

كنيسة المسكوبية في الخليل (عرب 48)

يوجد في الموقع بقايا بلوطة معمرة وهي اليوم ميتة، إذ تذكر بعض الروايات أن الملائكة ظهرت للنبي إبراهيم في هذه البقعة حين بشرته بابنه إسحق، إلا أن الرواية التقليدية تربط هذا الحدث بحرم الرامة.

متحف جامعة الخليل

يقع متحف جامعة الخليل داخل البلدة القديمة في المدينة ويعتبر من أهم المعالم الأثرية والوقفية في الخليل، ويعمل المتحف على توثيق العديد من الفترات التاريخية التي عاشتها المدينة، إذ يمكنكم مشاهدة العديد من الادوات والمقتنيات التي تعود للعصر البرونزي وصولا للعصر الحديدي، كما يضم المتحف مكتبة تحتوي على العديد من الكتب والمخطوطات التي توثق التاريخ الفلسطيني.

الفعاليات الفلسطينية واليابانية المشرفة على مشروع "الخليل هالمرة غير" لتنشيط السياحة

تكية النبي إبراهيم

بدأ العمل بالتكية المتواجدة قرب الحرم الإبراهيمي منذ عام 1279 للميلاد، حين أنشأها السلطان قالون الصالحي في زمن صلاح الدين الأيوبي مطلقا عليها اسم الرباط، وارتبطت التكية بالنبي إبراهيم الذي عرف بأبي الضيفان لكثرة كرمه وجوده، فباتت الخليل تعرف بالمدينة التي لا يعرف أهلها الجوع لوجود التكية الإبراهيمية فيها.

تجوال وفد من فلسطينيي 48 بالمواقع الأثرية في بلدة دورا (عرب 48)

حلحول

تقع هذه القرية الجميلة والخصبة على بعد 5 كم شمال مدينة الخليل، وتنتشر فيها كروم العنب واللوزيات، وتنتج كميات وافرة من عنب الخليل المشهور محليا وعالميا. ويقع على أطراف البلدة القديمة مسجد النبي يونس الذي بني على قبر النبي يونس.

البرج الأثري وبلدة السموع

برج السموع، أحد بقايا آثار المدينة الكنعانية "اشتموع"، يقع في بلدة السموع على بعد 22 كم جنوب مدينة الخليل.

المسجد والبرج الأثري في بلدة السموع (عرب 48)

نشأت السموع فوق رقعة جبلية من الأرض ترتفع نحو 730م عن سطح البحر وتنحدر أراضيها نحو الجنوب الغربي، إذ تبدأ المجاري العليا لبعض الأودية المتجهة إلى بئر السبع.

ويعد قطاع الأرض الممتد بين السموع والظاهرية آخر معالم جبال الخليل، ومن هناك تبدأ الأرض تهبط تدريجيا نحو الجنوب إلى صحراء النقب.

منظر عام لبلدة الظاهرية من وسط البلدة القديمة (عرب 48)

تتألف السموع من بيوت مكتظة في مخطط يتخذ شكل المثلث الذي يمتد رأسه نحو الشمال وقاعدته في الجنوب. واستخدم في بناء هذه البيوت الحجارة والإسمنت والطين، وتصل الطريق الضيقة والأزقة المتعرجة أحياء وحارات البلدة بعضها ببعض.

موقع عناب الكبير الظاهرية والبلدة القديمة

هي مدينة كنعانية عرفت قديما بـ"جوشن" وتعرف اليوم باسم "الظاهرية" نسبة إلى الظاهر بيبرس الذي رأى في موقعها مكانا إستراتيجيا عمل على تحصينه واتخاذه نقطة انطلاق لمواجهة "الفرنجة".

البلدة القديمة في الظاهرية (عرب 48)

تتربع البلدة القديمة في الجهة الجنوبية من الظاهرية التي تحوي نسيجا معماريا مكونا من نحو 972 مبنى قديم، يفصل بين شقيّها الشارع الرئيس، منها 32 مبنى أثريا تتنوع بين حصن ومسجد وكنيسة ومقام وقلعة وقصر، ويعود تاريخها لما قبل عام 1700 الميلاد.

استخدامات هذه التشكيلات المعمارية متنوعة فمنها ما كان يستخدم كمضافات أو دواويين وجوامع، ومنها ما كان مدرسة وعصارات للزيتون بالإضافة لاستخدامها كمساكن ودكاكين.

بيت الضيفة من أهم المعالم التراثية في البلدة القديمة بالظاهرية (عرب 48)

ويظهر في ثنايا هذا النسيج التاريخي مجموعة من السقايف والمغر والطوابين التقليدية، عدا عن عدد من المقامات كمقام أبو خروبة والمسجد العمري ومقام أبو الفصل ومقام الغماري ومقبرة ومقام أبو دبور. ومن المباني الأثرية الموجودة في الظاهرية حصن القيسرية الروماني الموجود وسط البلدة.

وتشير وزارة السياحة إلى عدد من الأديرة والكنائس التي تدل على عشرات القرى البيزنطية المسيحية التي كانت في تلك المنطقة، ومن أبرزها كنيسة عناب الكبيرة والصغيرة ورجم اجريدة في منطقة الدير وسط المدينة.

جولة سياحية في زقاق البلدة القديمة في الظاهرية (عرب 48)

دورا مقام النبي نوح ومدرسة الرازي والتكية

عادت الحياة إلى مقام النبي نوح في بلدة دورا جنوب مدينة الخليل بعد أن كان مهجورا لعقود، وأصبح عامرا وقبلة لكثير من أبناء البلدة وبعض الزوار كونه معلما دينيا وتاريخيا من العهد العثماني، فالمقام قائم منذ مئات السنين والتي تعاقب على حجارته أحداث كثيرة.

مقام النبي نوح في بلدة دورا (عرب 48)

كان المقام قبل عشرات العقود مقصدا للزوار لإقامة الطقوس وإشعال الأسرجة التي كانوا يعتقدون أنها تجلب البركة، واليوم بات عنوانا ومقصدا للمتصدقين الراغبين بإطعام الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل من خلال "تكية النبي نوح"، التي أصبحت تعد من أهم المؤسسات الخيرية والإنسانية في الخليل عامة ودورا خاصة.

أسست مدرسة الرازي في دورا عام 1921 من غرفة صغيرة، في موقع تاريخي يُعرف باسم "مقام النبي نوح"، وإضافة لهذه الغرفة كان سكن للمبيت مرفق بالمدرسة والمسجد للطلبة القادمين من القرى البعيدة، لتكون أول مدرسة تخدم دورا وريف الخليل قبل النكبة.

مجمع المدارس التراثية والتيكية في دورا (عرب 48)
وفد سياحي خلال تجواله في كنيسة المسكوبية (عرب 48)
رئيس قسم المواقع في وزارة السياحة والآثار في محافظة الخليل، جبر الرجوب
مواقع أثرية بالبلدة القديمة بالسموع (عرب 48)
إعادة تأهيل حوش العقيلي بالبلدة القديمة بالسموع (عرب 48)
المرشدة السياحية عبير الناظر تستعرض المحطات التاريخية لموقع بئر حرم الرامة
تدشين مقر جمعية لجنة البساط البلدي بالسموع (عرب 48)
معرض ومتحف التراث بالبلدة القديمة بالسموع (عرب 48)
المرشدة السياحية عبير الناظر (عرب 48)
معارض مطرزات في البلدة القديمة بالسموع (عرب 48)

التعليقات