تأثيرات خطة الفصل الأُحادية الجانب على النظام الصحي والأوضاع الصحية في قطاع غزة/ د.مجدي عاشور*

-

تأثيرات خطة الفصل الأُحادية الجانب على النظام الصحي والأوضاع الصحية في قطاع غزة/ د.مجدي عاشور*
مقدمة

يمكن إعتبار خطة الفصل الاسرائيلية الأحادية الجانب عن قطاع غزة وإستمرار بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية مكونان أساسيان ومترابطان لمشروع إسرائيلي يتم فيه فرض حل مؤقت من جانبٍ واحد للتخلص من أكبر عدد من الفلسطينين الذين يخضعون لاحتلالها وأقل قدر من الاراضي ويتم فيه تكريس وقائع تقطيع أوصال الضفة الغربية إلي بانتوستانات معزولة عن بعضها، ومنفصلة عن القدس الشرقية، وعن قطاع غزة، ليتم فيما بعد إقناع العالم والأطراف العربية الرسمية وبعض الجهات الفلسطينية بأنة الحل الممكن والنموذج الأفضل للحل النهائي .

وبالتالي لا يمكن لأي فلسطيني حريص إلا أن يرفض هذة الخطة التي تسعي إلي الإجهاز علي المشروع الوطني الفلسطيني، عبر إقامة كيان فلسطيني، ذووظيفة أمنية، يتم عبرة إعاده إنتاج تجربة أُوسلو، وقد يتم توسيع هذا الكيان لاحقا إلي التجمعات ذات الكثافة السكانية العالية في الضفة الغربية الموصولة فيما بينها بالأنفاق وبالجسور وبخطوط السكك الحديدية السريعة، بينما تبقي المستوطنات الاسرائيلية في الضفة جاثمةً علي الأرض الفلسطينية، وبينما يتكرس الشتات مصيراً لأغلب اللاجئين الفلسطينيين .

ولكن الرفض المبدئي للخطة الاسرائيلية الأحادية الجانب بفصل قطاع غزة، والوعي بأن هذه الخطة ما هي إلا خطة اسرائيلية تهدف إلى الإجهاز علي المشروع الوطني الفلسطيني، ولا يمكن لها أن تكون جزءً منه بل نقيضاً له، لا يعني بأي حالٍ من الأحوال الإستنكاف عن التعامل معها ومع نتائجها، أوالترفع عن الاستعداد لإدارة شئون أي منطقة يُخليها الاحتلال، بل على العكس من ذلك فإن هناك حاجة للتعامل الإيجابي مع نتائج الخطة، خصوصا مع اقتراب تنفيذ الجدول الزمني المعلن عنة لتنفيذها، عبر دراسة جوانب الخطة، وبلورة تصورات عن إنعكاساتها وأثار ها علي المجالات القانونية، الاقتصادية، وقطاعات الخدمات الاجتماعية، وعبر الإستعداد لمواجهة التحديات والمخاطر التي ستنتج عن تنفيذ الخطة والإمكانيات والفرص قد تجلبها.

فحسب إعلانات المصادر الرسمية الاسرائيلية سيتم قريبا وفي الفترة الواقعة حتي
17/8/2005 تشجيع المستوطنين الاسرائليين علي اخلاء المستوطنات، وبعد ذلك ولمده شهر وحتي 22/9 سيقوم الجيش الاسرائيلي باخلاء المستوطنين. وبعد إنهاء الجيش الاسرائيلي لمهمته بإخلاء المستوطنين سيقوم بتدمير ما يقارب من 3000 منزل ومنشأة، وسيستمر في تنفيذ الخطة حتى موعد قد يطول حتى نهاية العام الجاري.

هناك مجموعه من الدراسات التي تناولت التأثيرات الاقتصادية والقانوينة، والأبعاد السياسية وغيرها لخطة الفصل، علي مستقبل قطاع غزة ؛ وتركزت أعمال اللجان الفنية التابعة للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى ما سبق، على قضايا كالمستوطنات والأراضي والأصول والبنية التحتية والمرافق الموجوده فيها، وعمليات إخلاءها وتحوليها إلي السلطة وسبل ادارتها، والقضايا الأمنية، ومصير المنطقة الصناعية، وقضايا المعابر والربط الاقليمي مع الضفة (الممر الأمن).

ولقد صدر تقريران عن تأثيرات وعلاقات خطة الفصل بالصحة وبالرعاية الصحية في قطاع غزة، فلقد اصدرت " منظمة اطباء اسرائيليون من أجل حقوق الانسان" في ربيع العام الحالي ورقة موقف تحت عنوان " الصباح التالي بعد تنفيذ خطة الفصل"، تتحدث فيها عن مسؤلية اسرائيل عن ضمان حرية تنقل المرضي إلي ومن قطاع غزة، وعن تدني مستوي الخدمات الصحية في قطاع غزة وعن ضرورة تحمل اسرائيل لهذة المسئولية عبر مشاركتها في إعادة تأهيل البنية التحتية للنظام الصحي الفلسطيني . كما أن منظمة الصحة العالمية كانت قد اصدرت مؤخرا ملخصا عن الرعاية الصحية اثناء تنفيذ عمليات الفصل في غزة تتحدث فية عن الأثار المباشرة والأنية التي قد تنتج عن عملية إخلاء المستوطنات وإعادة انتشار القوات الاسرائيلية خارج قطاع غزة علي الرعاية الصحية في القطاع والجاهزية لمواجهة أثار ذلك علي الخدمات الصحية في غزة.

وبالرغم من صدور التقريرين السابقين، فلم تنشر أي جهة فلسطينية أية دراسة عن أثار خطة الفصل علي الصحة وعلي النظام الصحي في قطاع غزة، ويعكس ذلك إنحصار نقاش القضايا المتعلقة بالصحة بين مجموعات ضيقة جداً، وغياب مشاركة مجتمعية حقيقية وفاعلة في نقاش تلك القضايا.وبالرغم من إعلان بعض المسؤولين في وزارة الصحة عن جاهزية الوزارة للتعامل مع الأثار الآنية لخطة الفصل فإن الوزارة لم تنشر أية دراسة عن الجوانب الصحية للخطة، ولم تعلن عن خططها بشان التعامل معها سواء اثناء الفترة التي سيتم فيها تنفيذ إجلاء المستوطنين وإخلاء المستوطنات وإعادة إنتشار القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، أوفي الفترة التالية التي ستعقب تنفيذ الخطة، ويعكس ذلك نمط عمل الوزارة، فلقد إهتمت منذ تسلم السلطة المهام الصحية في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية لاحقاً، بالادارة اليومية وبتقديم الخدمات الصحية علي حساب التخطيط ووضع التصورات والسياسات لمستقبل القطاع الصحي والرقابة وترخيص الخدمات الصحية ومقدميها.

ومن هنا فإن هذة الورقة تحاول تقييم أثار تنفيذ خطة الفصل علي تقديم خدمات الرعاية الصحية اثناء عمليات إجلاء المستوطنين، وإخلاء المستوطنات، وإعادة انتشار القوات الاسرائلية من قطاع غزة، والاثار المترتبة علي النظام الصحي والأوضاع الصحية في القطاع في الفترة التي ستعقب تنفيذ الخطة، وفي نهاية هذه الورقة سأحاول تقديم ملخصاً للتلك الأثار المتوقعة، وسأحاول إقتراح بعض التوصيات التي قد يساهم العمل بها في تقليل الأذى الذي سيلحق بالأوضاع الصحية أثناء تنفيذ إسرائيل لعملياتها بإعادة الإنتشار من غزة، والتي قد تساهم في إفادة الاوضاع الصحية والنظام الصحي في الأراضي الفلسطينية بشكلٍ عام وفي قطاع غزة بشكلٍ خاص في المرحلة التي ستعقب تنفيذ إسرائيل لخطة الفصل.


خلفية عن خصائص الوضع الصحي والنظام الصحي في الاراضي الفلسطينية المحتلة

قد يكون من المفيد، في البداية، إستعراض خصائص الوضع الصحي والنظام الصحي في الاراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام وفي قطاع غزة بشكلٍ خاص.

يتمتع الفلسطينيون بمستوى معقول من الوضع الصحي، ويتجلى ذلك في أن المؤشرات الصحية الكلاسيكية، مثل وفيات الاطفال والنساء في سن الوضــــع، تشابة تلك المؤشرات الخاصة بالبلدان ذات نفس المستوى من التطور الاقتصادي والخلفية الثقافية والجغرافية، الا أنها أسوء بكثير من مثيلا تها في إسرائيل، بل وحتى أسوء من تلك المؤشرات الخاصة بفلسطينيي الداخل (1948).

وتعتبر الصحة قيمة مجتمعية إيجابية حيث أن المواطنون الفلسطينيون يولون صحتهم أهتماماً ملحوظاً. كما يوجد عدد جيد نسبياً من المهنيين الصحيين الذين يتمتع الكثييرين منهم بقدرٍ كافٍ من التأهيل والخبرة والكفاءة. ويكْمُنُ تَمَيُزْ الأوضاع الصحية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة في ترافقِ النسب المرتفعة لمعدلات الإنجاب مع نسب الوفيات المنخفضة، حيث أنه من المتعارف عليه أن تـتجه كل من معدلات الإنجاب والوفيات نحوالإرتفاع معاً في البلدان النامية بينما يـتجه كلاهما ً نحوالإنخفاض غالبـاً في البلدان المتطورة.

وفي ذات الوقت فإن هنالك الكثير من السمات المميزة للنظام الصحي الفلسطيني التي تثير القلق وتستحق الإهتمام، ويمكن تلخيص ذلك بالنقاط التالية:

1- الهيكلية والتنظيم:

تتميز هيكلية وبنية النظام الصحي الفلسطيني بالفسيفسائية والتفتت علي الصعيدين الكلي والجزئي؛ فعلى الصعيد الكلي، يعتبر هذا النظام خليطاً مركباً من الجهات الاربعة التي تقدم الخدمات الصحية، وهي الجهاز الصحي الحكومي، الذي يتمثل بوزارة الصحة وبمديرية الخدمات الطبية للأمن العام، ووكاله الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والقطاع الغير الحكومي، والقطاع الخاص الربحي؛ وتتميز العلاقة بين مكونات هذا النظام بالضعف الواضح للتنسيق فيما بينها. أما على الصعيد الجزئي، فوزارة الصحة تعاني من عدم وجود هيكلية واضحة لها ومن الصراع بين مراكز النفوذ فيها ووجود فصل بين جزئيها في الضفة وغزة، أما الوكالة فلا توجد بين فرعيها في الضفة وغزة أية علاقة مباشرة ولا يربطهما سوى صلة كل فرع منهما بالمركز الموجود خارج الأراضي المحتلة، والقطاع غير الحكومي هوعبارة عن العشرات من المؤسسات التي تقدم الخدمات الصحية بشكل منفصل عن البعض الأخر، والقطاع الخاص غالباً ما يكون عبارة عن مجموعة من الأفراد والمهنيين الصحيين أوالمشاريع الصغيرة، في ظل ندرة المؤسسة.

كما أن هنالك ضعفاً واضحاً في قيام وزارة الصحة بدورها في القوامة Stewardship علي النظام الصحي فلقد كان تقديم الوزارة للخدمات الصحية على حساب الدور المفترض للوزارة في الرقابة والإشراف على نظام الرعاية الصحية، وفي تقييم الاحوال الصحية، وفي وضع القواعد المنظمة للعمل الصحي ورسم السياسات الصحية والخطط المستقبلية للنظام الصحي.

2- ألأداء والجاهزية (الكفاءة):

يتميز الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحدوث إنتقالٍ وبائي متسارع إلى نمط الأمراض المزمنة، مثل إرتفاع ضغط الدم الشرياني وداء السكري، ومضاعفاتهما مثل السكتات القلبية والدماغية، وامراض السرطان؛ والأمراض النفسية، والإصابات والحوادث. وبالرغم من توثيق بدء هذا الإنتقال إلي الأمراض المزمنة منذ عشرين عاماً، إلا أن الخدمات الصحية والموارد البشرية الصحية المتاحة محلياً غير معدة وليست مهيئة للوقاية من هذه الأمراض ولعلاجها، ولمنع مضاعفاتها ولعلاج تلك المضاعفات عند حدوثها. وبذا فإن جاهزية النظام الصحي الفلسطيني لتلبية هذه الإحتياجات الأساسية للسكان في الضفة والقطاع ليست على المستوى المطلوب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جودة الخدمات الصحية العمومية تواجه معضلات حقيقية ؛ ويتجلى ذلك في إكتظاظ المرافق الصحية، ونفاذ الأدوية والمستلزمات الطبية من مراكز الرعاية الصحية بشكل دوري بعد نهاية الثلث الأول من الشهر، والتعطل المزمن للأجهزة في المستشفيات، والإفتقار إلى المقدرة على تقديم خدمات ضرورية، والنقص أوالإفتقار إلى أطباء متخصصين في كثير من المجالات، والنقص الواضح والملموس في بعض الموارد البشرية الصحية مثل التمريض والمهن الطبية المساعدة. ولقد أدى ذلك إلى التراجع المضطرد في ثقة الناس بالخدمات الصحية العمومية وبالتالي إتجاههم نحوالخدمات الصحية المُكْلِفة التي يقدمها القطاع الخاص المحلي اوإلي العلاج في الدول المجاورة، ولقد ساهم ذلك في الزيادة الوبائية المضطردة والمتسارعة لظاهرة العلاج في الخارج التي تستنزف جزءاً ملموساً من الموارد المالية للنظام الصحي الحكومي.

3-التمويل والإنصاف:

ثمة معضلات حقيقية تواجه طرق تمويل النظام الصحي ومستقبل إستدامة هذا التمويل، وهنالك خشية مبررة علي إستمرار حصول الفقراء والمهمشين علي الرعاية الصحية في ظل عدم وجود آليات تضمن الحماية المالية من المرض. وبينما تستمر نسبة الإنفاق الحكومي علي الصحة كجزء من ميزانية السلطة بالإنخفاض سنةً بعد أخرى ليُشَكِلْ جزءاً ضئيلاً منها، فإن نسبة الإنفاق العام على الصحة كجزءٍ من الناتج الإجمالي المحلي تستمر سنةً بعد أخرى لتصل إلى أرقامٍ غير مسبوقة عالمياً. فنسبة الإنفاق الحكومي علي الصحة هو6.8% من ميزانية السلطة لعام 2005، وإذا خصمنا مساهمات المؤمنين صحياً والرسوم التي يدفعها مستهلكي الخدمات الصحية الحكومية فإن نسبة الإنفاق الحكومي علي الصحة كجزء من ميزانية السلطة سيبلغ 4.7% لذات العام. وإذا صدقت تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن نسبة الإنفاق العام على الصحة كجزءٍ من الناتج الإجمالي المحلي تكون قد وصلت إلى أرقام فلكية، فنسبة ال13% التي أعلن عنها الجهاز تقع في مقدمة النسب العالمية. وإن دل ذلك على شيئ فإنما يدل على أن الناس، الذين إنخفض معدل دخل الفرد منهم بنسبةِ 40% عما كان قبل إندلاع الإنتفاضة وأضحى أكثر من نصفهم (68% من سكان غزة و38% في الضفة) تحت خط الفقر، هم الذين يدفعون من جيوبهم النفقات اللازمة مقابل تلقيهم الرعاية الصحية، بدلاً من أن تقوم السلطة بذلك. وبينما يمتلك البعض أكثر من نوع من التأمين الصحي فإن 25% من الفلسطينيين، على أقل تقدير، ليس لديهم أي نوع من انواع التأمين الصحي وبذا فإن النظام الصحي، في ظل غياب نظام وطني شامل للتأمين الصحي، يقع تحت وطأة عدم وجود آليات تضمن إستمرار تمويل الخدمات الصحية، وتوفر الحد الأدنى من الإنصاف والعدالة لكل الفلسطينيين في الحصول على حقهم في الرعاية الصحية.

وتجدر الإشارة إلى أن النظام الصحي الفلسطيني يقع تحت وطأة الإغلاقات وتقييدات الحركة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وبين أجزائها ومنها وإليها، التي بدأت تفرضها القوات الإسرائيلية بعد حرب الخليج الثانية، والتي إشتدت بعد إندلاع إنتفاضة الأقصى، كما أن الاوضاع الصحية تتميز بوجود عدد كبيرمن الوفيات والإعاقات الناتجة عن الحوادث والإصابات، فهناك أكثر من 3500 شهيد و50000 مصاب منذ بدء الإنتفاضة بينهم 2500 يعانون من الإعاقات الجسدية الدائمة. كما أن ترتيب الوفيات الناتجة عن الإصابات والحوادث أصبح الثـــاني في عام 2002، وهوالعام الذي إجتاحت فيه القوات الإسرائيلية معظم التجمعات السكانية الفلسطينية،، بعد ان كان ترتيبها السابع في السنوات التي سبقت اندلاع الإنتفاضه.

بالرغم من وحدة العناصر والسمات التي تميز النظام الصحي الفلسطيني في المناطق التي تشرف عليها السلطة الفلسطينية فإنه من الممكن الحديث عملياً عن نظامين صحيين مختلفين، واحد في الضفة الغربية وآخر في قطاع غزة، كما أن هنالك نظاماً صحياً آخراً في القدس الشرقية.

وهناك فروقاً في الأحوال الصحية ومحدداتها بين قطاع غزة والضفة الغربية، حيث ان معدلات الإنجاب والوفيات ووفيات الأطفال والفقر والبطالة والإكتظاظ السكاني في قطاع غزة أعلى من مثيلاتها في الضفة الغربية. كما أن هنالك إختلافاً في الخدمات الصحية والإستشفائية وتوزيعها، ودور مقدميها، وتوفر المهنيين الصحيين ودرجة تأهيلهم، والقوانين والنظم التي تحكم العمل الصحي وتنظمه، ومعدلات ونمط الإنفاق على الصحة.


الأثار الأنية لتنفيذ خطة الفصل علي النظام الصحي والأوضاع الصحية في قطاع غزة

من المتوقع أن يواجه نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة العديد من التحديات والمخاطر أثناء تنفيذ اسرائيل لإجلاء المستوطنين ولإخلاء المستوطنات ولإعادة تموضع قواتها خارجه. ويعتبر الوصول إلي الخدمات الصحية وحرية تنقل المرضي والطواقم الطبية والمقدرة علي إيصال الادوية والمستلزمات الطبية إلي مستهلكيها من أهم التحديات التي ستواجة نظام الرعاية الصحية أثناء تنفيذ خطة الفصل، كما ان هناك توقعات بوجود صدامات عند تنفيذ خطة الفصل، وخشيةً من أن تكون الإصابات الناتجة عن تلك الصدامات بحجم يفوق قدرة وجاهزية الخدمات الصحية والإستشفائية المتوفرة في قطاع غزة .

فلقد أوضح تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO)، الذي صدر في العشرين من شهر حزيران الماضي، أن الجيش الاسرائيلي سيغلق قطاع غزة عبر إغلاق إيرز ورفح، وسيقطع أوصال القطاع إلي 4 اقسام عبر اغلاقات داخلية وسيغلق البوابات المؤدية إلي التجمعات السكانية الفلسطينية المعزولة داخل المستوطنات الإسرائيلية في القطاع، مثل المواصي والسيفا والمعني وابوالعجين، بالاضافة إلي تطويق محيط المستوطنات والطرق التي تربط المستوطنات اسرائيل وإمكانية بإجتياح التجمعات السكانية المتاخمة لها.

كما أن هنالك مؤشرات وتهديدات بأن الجيش الإسرائيلي قد يقوم بعملية إجتياح واسعة لقطاع غزة قبل إعادة إنتشاره منه، أوبتوغلات وبعمليات عسكرية متفرقة كتلك التي يقوم بها من حين إلى آخر.



إغلاق القطاع :

سيقوم الاسرائيليون أثناء تنفيذ خطة الفصل بإغلاق معبري ايرز ورفح أمام الفلسطينين، وسيؤثر ذلك علي حركة المرضي الذين يحتاجون إلى التحويل للعلاج في الخارج، وقدر تقرير منظمة الصحة العالمية بأن ما بين خمسة مائة إلي سبعة مائة مريض سيحتاجون إلي التحويل للعلاج في الخارج خلال شهر، كما أن إغلاقات المعابر في رفح وفي ايرز قد تؤثر على انتظام استيراد الادوية والمستلزمات الطبية، وقد تواجة الطواقم الانسانية الدولية صعوبات واعاقات في دخول القطاع.

تقطيع أوصال قطاع غزة :

سيقوم الجيش الاسرائيلي أثناء تنفيذ خطة الفصل بتقطيع أوصال قطاع غزة بإغلاق مفرق صوفا - ميراج في الجنوب، وأبوهولي في الوسط، والطريق الساحلي في الغرب من نيتساريم، وقد تستمر هذه الاغلاقات الداخلية طوال فترة تنفيذ خطة الفصل بالرغم أنة قد يتم تعليق هذه الاغلاقات لفترات محددة خصوصا في أيام العطل وفي الليل . وسيؤثر ذلك بشكلٍ سلبي علي حرية تنقل المرضي والطواقم الطبية داخل القطاع.

وبالرغم من أن أغلب الناس والمرضى، ما عدا أولئك المحصورين في الجيوب والتجمعات الفلسطينية الموجوده في الاراضي التي تشغلها المستوطنات، لن يتأثروا بالأغلاقات الداخلية عند حاجتهم لخدمات الرعاية الأولية، إلا ان حدوث توغلات وإجتياحات عسكرية أوحظر تجول سيعيق مقدرة مقدمي الخدمات الصحية على تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية .

أما بالنسبة للخدمات الاستشفائية فهي متواجدة في المناطق الثلاث التي يتحول إليها قطاع غزة في حالات الاغلاقات الداخلية، إلا أن نوعية وكمية هذه الخدمات تتفاوت من منطقة إلي إخري، ففي المنطقة الواقعة شمال الطريق الساحلي في مدينة غزة والمنطقة الشمالية هنالك وفرة في أسرةِ المستشفيات وكذلك الأمر في المنطقة الواقعة جنوب أبوهولي وشمالي صوفا/ ميراج (منطقة خانيونس) بينما تعاني المنطقة الوسطي ورفح من شِحة في حجم الخدمات الصحية الاستشفائية. أما بالنسبة لنوعية هذه الخدمات الاستشفائية فإن المئات من المرضى في كافة المناطق سيحتاجون إلي الخدمات الاستشفائية أوالمخبرية أوالتشخيصية المتقدمة نسبياً المتواجدة شمالي مستوطنة نيتساريم، وبالتحديد في مدينة غزة.

التجمعات السكانية الفلسطينية المعزولة:

أما بالنسبة للجيوب والتجمعات الفلسطينية الموجوده في الاراضي التي تشغلها المستوطنات، وهي المواصي والسيفا، والمعني، وابوالعجين فإنه من المتوقع أن يتم اخضاعها إلي حظر التجول وأن تعاني هذه التجمعات من تقييدات صارمة لحرية الحركة وليس من المستبعد أن تخضع لتقييدات كامله لحرية الحركة مثل حظر التجول. كما ان مناطق محاذية للمستوطنات أوالطرق الواصلة بين المستوطنات واسرائيل قد تخضع لمثل تلك الاجراءات. ومن المتوقع أن تتعرض هذه الجيوب إلي إعتداءات متكررة من قبل المستوطنين أثناء إخلاءهم، مثل تلك التي حصلت مؤخراً في المواصي.

الإصابات والوفيات الناتجة عن الصدامات:

تتوقع منظمة الصحة العالمية أن يكون هناك عدد معقول من الإصابات والوفيات الناتجة عن الصدامات، وحسب ذات المنظمة ألأممية فإن الخدمات الصحية المتوافرة محليا اثبتت في الأزمات السابقة مقدرتها علي التعامل مع عدد معتدل من الإصابات، وأ ما إذا كان عدد الإصابات كبيرا، فإن الخدمات الصحية المتوفرة محليا لن تكون قادرةً علي التعامل معها. فالنوعية، الغير مستقرة اساسا، لخدمات الاصابات والطوارئ ستتأثر بزيادة عدد الاصابات كما أن مقدرة وزارة الصحة على توريد الأدوية والمستلزمات الطبية والاكسجين، والدم إلي المستشفيات ليست كافية إذا أصبح عدد الإصابات كبيرا. وسيكون ذلك واضحا بالتحديد في رفح، حيث من المتوقع أن يتأثر مستشفي أبويوسف النجار بأثار فك الارتباط وما قد ينتج عنة من إصابات أكثر من المستوي المعتاد، فمستشفي النجار وهوالمستشفى الوحيد في رفح لا يوجد بة مولد للاوكسجين، وقدرات بنك الدم فيه محدودة للغاية. كما أن مستشفي ناصر في خانيونس يقع في منطقة معرضة لخطر الوقوع في مرمى الاشتباكات ولقد كان معرضا لإطلاق النار خلال الاجتياحات، ومن غير المستبعد أن يتعرض المستشفي إلي إقتحامات من الجيش الاسرائيلي كما حصل مؤخراً في سلفيت.

ثمة إهتمام وقلق مبررين بخصوص منطقة تل السلطان في رفح، ومخيم خانيونس؛ فمن ناحية هناك خطر الإجتياحات، ومن ناحية أخري لا توجد خدمات للاسعافات الاولية ولا توجد مراكز صحية متقدمة من أجل استقرار المرضي الحرجين حتى يتم تحويلهم، كما أن حرية الحركة خارج المنطقة سيتم تقييدها وسيكون الإخلاء الطبي هاماً ومحورياً في تلك الحالات.

وليس من المستبعد أن تقوم إسرائيل بعملية إجتياج واسعة لقطاع غزة أولمناطق فيه، خصوصاً وأن اسرائيل غير معنية بخلق إنطباع لدى الفلسطينيين أولدى الإسرائيليين بأنها خرجت من قطاع غزة مهزومة، وكذلك فإن بعض القوي الفلسطينية ترغب في إظهار نفسها وكأنها هي التي قامت بإخراج اسرائيل من غزة وأن عليها بالتالي أن تشارك في إدارة القطاع بعد إعادة انتشار الجيش الاسرائيلي منة بمستوىً يوازي حجم مساهمتها في إخراجه منها .


مستقبل الأوضاع الصحية والنظام الصحي في قطاع غزة بعد تنفيذ خطة الفصل.

بعكس التحديات والمخاطر التي ستواجه الرعاية الصحية في القطاع أثناء تنفيذ عمليات إخلاء المستوطنات وإعادة انتشار القوات الاسرائيلية خارج قطاع غزة، فإنه إذا أتمت اسرائيل تنفيذ خطة فك إرتباطها بالقطاع فإن ذلك قد يولد أمالاً ببروز فرص جديدة أمام النظام الصحي في قطاع غزة كما أنة قد يخلق مخاطر وتحديات أمام النظام الصحي الفلسطيني، بشكل عام، وفي قطاع غزة بشكلٍ خاص .
في البدء يجب اعادة التأكيد بأن اسرائيل ستستمر بمسئوليتها القانونية عن القطاع كقوة محتلة ولن تحرر خطة الفصل اسرائيل من مسئوليتها القانونية حيث أن اسرائيل ستحتفظ لنفسها بحق اتخاذ خطوات عسكرية داخل قطاع غزة كما انها ستستمر بالتحكم بالمجال الجوي والمياة الاقليمية للقطاع، كما أن الأراضي الفلسطينية المحتلة هي وحدة اقليمية واحدة، حسب اتفاقية اوسلو، وما دامت الضفة محتلة فإن ما يسري قانونيا عليها يسري علي القطاع.

ويجب التذكير بمسئولية اسرائيل عن ضعف البنية التحتية للنظام الصحي في القطاع غزة، فعلى سبيل المثال، وللتدليل على ذلك، فإنه وبالرغم من أن عدد سكان القطاع قد تضاعف خلال السنوات ال 27 التي أشرف فيها الإسرائيليون بشكلٍ مباشر علي الجهاز الصحي في غزة فإن العدد المطلق لأسرة المستشفيات كان قد تقلص.


حرية الحركة في ومن قطاع غزة

إن تنفيذ خطة الفصل سيؤدي، بدون شك، إلي تحسن حرية حركة المواطنين داخل قطاع غزة، وهذا سيؤدي بدوره إلي تحسن حركة المرضي بين أجزائه. وسيكون سكان التجمعات الفلسطينية الموجوده في الاراضي التي تشغلها المستوطنات، في المواصي والسيفا، والمعني، وابوالعجين، هم الأكثر إستفادةً من تحسن حرية حركة المواطنين داخل قطاع غزة.

وبالرغم من الطابع الإيجابي لتحسن حرية حركة المرضي بين أجزاء القطاع، إلا أن ذلك سيخلق تحديات أمام نظام الرعاية الصحية، وأمام الخدمات الصحية الاستشفائية بالتحديد، خصوصا وان هناك ثلاث مراكز كانت قد أُعدت لتقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية تم تحويلها بعد إندلاع إنتفاضة الأقصى إلي مستشفيات صغيرة الحجم، للإستجابة للتحديات التي فرضتها الإنتفاضة، ومن غير المعروف إن كانت وزارة الصحة ستستمر بعد تنفيذ خطة الفصل في الإستثمار في هذه المستشفيات صغيرة الحجم، أم أنها ستبدأ بالتخطيط لخدمة المواطنين الذين تخدمهم هذه المستشفيات عبر إنشاء مرافق صحية أكبر ذات جدوى إقتصادية أكثر ؛ فالجدوى الإقتصادية لهذه المستشفيات مشكوك في أمرها في الأوضاع العادية، فالنفقات التشغيلية لهذه المستشفيات قد تفوق الفائدة التي تقدمها، وللتدليل على ذلك فمن المفيد الإشارة إلى أن أعلىتكلفة ليوم التداوي في عام 2003 كانت في مستشفى الشهيد أبويوسف النجار، وهومستشفى تم إفتتاحه في الأيام الأولى لإنتفاضة الأقصى في رفح ويتسع ل52 سرير، حيث بلغ معدل تكلفة يوم التداوي فيه 139دولار بينما كان معدل تكلفة يوم التداوي في مستشفيات الوزارة في غزة 80 دولار، كما أن أعلىتكلفة ليوم الاستيعاب سجلت في مستشفى الشهيد كمال عدوان، وهومستشفى تم إفتتاحه أيضاً أثناء إنتفاضة الأقصى ويتسع ل57 سرير، حيث بلغ معدل تكلفة يوم الاستيعاب فيه 83دولار بينما كان متوسط تكلفة يوم الاستيعاب في مستشفيات وزارة الصحة في غزة 64دولار.
.

وسيرافق تحسن حرية الحركة داخل قطاع غزة، الكثير من عدم الوضوح والضبابية في مصير الاتصال مع الخارج، سواء مصير الاتصال مع اسرائيل أومصر عبر معبري رفح وايرز، أومصير الاتصال مع الضفة الغربية، اومصير الاتصال بالعالم الخارجي عبر مطار غزة الدولي، أوعبر إمكانية وجود ميناء في القطاع . وقد يجد سكان القطاع انفسهم في مراتٍ عديدة، تحت ذرائع متعددة أوبدون ذرائع، في سجنٍ مكتظٍ كبير بعنبر واحد لا يستطيعون الخروج منة، بعد أن كانوا في ذات السجن ذوالعنابر الأربع، وهذا ما قد يضع النظام الصحي الفلسطيني في غزة في مأزق، خصوصا وان الألاف من المرضي الفلسطيني يغادرون القطاع سنويا للعلاج في الدول المجاورة نتيجة لعدم جاهزية ومقدرة المؤسسات الاستشفائية علي تقديم العلاج اللازم، ولافتقاد ثقة الجمهور بالمؤسسات الصحية العمومية الذي تحدثنا عنة سابقا، كما ان العديد من الخدمات الاستشفائية الغير متوفرة في قطاع غزة يتم الأستعاضة عنهامحليا بشراء بخدمات من مقدمي الخدمات الصحية الفلسطنية في الضفة الغربية وفي القدس، سواء من مؤسسات وزارة الصحة نفسها كمركز القسطرة في مستشفي رام الله الحكومي، أومن المؤسسات الخاصة الربحية والغير ربحية.

ومن غير المعروف إن كانت اسرائيل ستستمر بالسماح للمرضى الفلسطينيين بالعلاج في المرافق العلاجية والطبية الإسرائيلية خصوصاً وأن هناك نية إسرائيلية بوقف العمالة الفلسطينية في اسرائيل بنهاية عام 2007 . وبالرغم من التكلفة العالية التي تدفعها وزارة الصحة وشركات التأمين الخاص عند تحويل المرضى للعلاج في المرافق العلاجية الطبية الإسرائيلية أوالرسوم التي يدفعها المرضى عند لجوءهم إلى العلاج في إسرائيل، إلا أن القرب الجغرافي بين القطاع وتلك المرافق وعدم توفر بعض الأساليب العلاجية المنقذة للحياة محلياً في غزة أوفي الضفة الغربية والقدس الشرقية، والحاجة إلي وقت طويل للوصول إلي المرافق الطبية المصرية أوالأردنية التي بإمكانها تقديم تلك الأساليب العلاجية، فإن ذلك قد يبرر شراء بعض الخدمات الطبية من المرافق الإسرائيلية.

وسيؤثر الاتصال مع العالم الخارجي علي تدريب الموارد البشرية للصحة، فبالرغم من وجود فرع لكلية الطب البشري التابعة لجامعة القدس بأبوديس في قطاع غزة فإن التوفر الكامل للكادر التدريسي والمستشفيات التعليمية والتدريبية هوأمر مشكوك فيه، وهذا ما يتطلب التواصل مع مستشفى المقاصد بالقدس، وهوالمستشفي التدريبي الوحيد الموجود في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والإستعانة بالكادر التدريسي الموجود في الضفة الغربية؛ كما ان القطاع يفتقر حتي الأن إلى كلية لطب الأسنان،، وإلي برنامج لتدريب الاطباء بعد التخرج أوأثناء الخدمة .

التمويل الخارجي

قد ينتج عن تنفيذ خطة الفصل زيادة في فرص التمويل الأجنبي للأراضي الفلسطينية، وسيشكل ذلك نظرياً فرصة لزيادة تمويل المناحين للقطاع الصحي.

إلا أن نظرة علي التجربة الفلسطنية السابقة مع التمويل الخارجي للصحة توضح أنه وبالرغم من أن الدعم المالي الأجنبي قد لعب دوراً محورياً في تمويل القطاع الصحي فان حجم التمويل الموجه للصحة كان ضئيلا بالنسبة للقطاعات الأخري، ففي السنوات الأربع الأولى التي أعقبت توقيع أوسلولم يتجاوز نسبة الدعم الموجه للصحة ال8% من حجم الدعم الموجه لكافة القطاعات، ومن غير المتوقع أن تزيد هذه النسبة، فمن المتوقع أن يتجه الجزء الاكبر من التمويل الأجنبي إلي برامج خلق فرص العمل، لمنع احتقانات في الأوضاع الاقتصادية السيئة أساساً، وإلى تدعيم المقدرة المالية للسلطة عبر دعم ميزانيتها، وإلي إعادة تأهيل قوى الأمن الفلسطينية. كما تبين هذه التجربة أن التعهدات كانت أكبر من حجم التمويل الحقيقي، فالتمويل الأجنبي الذي تم توجيهه إلي القطاع الصحي في الفترة التي أعقبت توقيع إتفاقيات أوسلووالتي سبقت إندلاع إنتفاضة الأقصى يبين أن الوفاء بالوعود كان نصف حجم تلك الوعود.

ولم تكن الاستفادة من التمويل الأجنبي حسب حجم التمويل، فالتمويل الأجنبي للقطاع الصحي كان غالبا ضمن اجندة الممولين وغالبا ما كانت الاحتياجات والأجندة الوطنية غائبة اومغيبة، فعروض المانحين هي التي قادت تحديد طلبات المؤسسات الصحية المحلية؛ ويقدر أن أكثر من خمس (20%) تمويل القطاع الصحي قد تم إنفاقه على الإستشارات والدعم الفني الذي يتم في معظم الأحيان على أيدى مواطني نفس الدول التي تقدم التمويل، الذين يفتقرون، في كثير من الأحيان، إلى الإلمام بالواقع المحلي ؛ كما أن تعدد المؤسسات والدول المانحة قد ساهم في تشتيت الدعم المالي وأدى إلى إزدواجية في الكثير من المشاريع، لذا فإن القطاع الصحي الفلسطيني بحاجة إلي وضع أجندة وطنية واضحة تسعي لاعادة تأهيله.

وعند الحديث عن التمويل وعن الوعود بأن هناك إمكانية بزيادة التمويل، يجب أن تكون حاضرة قدرات الجانب الفلسطيني الإدارية والفنية علي الاستفادة من التمويل، فتجربة مستشفي غزة الاوروبي الذي أعيق افتتاحية لما يزيد عن اربع سنوات يجب ان تبقى ماثلةً في الاذهان.

كما أنه قد يكون من المفيد عند الحديث عن مستقبل التمويل بعد تنفيذ خطة الفصل طرح مجموعة من الأسئلة : إلى أي جزء من مكونات القطاع الصحي سيتم تركيز التمويل؟ وهل سنشهد إنحساراً في تمويل برامج ومشاريع المنظمات الغير حكومية مثل ذلك الذي حصل بعد أوسلو؟ وهل سيتم تركيز الدعم المالي للقطاع الغير حكومي إلي تلك المؤسسات التي أسسها أولائك المسؤولون في السلطة الذين يحاولون أن يديروا غزة بعد تنفيذ خطة الفصل؟ وهل سيتم تمويل القطاع الصحي ضمن أجندة التنمية المستدامة وإعادة تأهيل وتدعيم الخدمات الصحية المتوفرة أم ضمن أجندة الإستعداد لحالات الطوارئ؟ وهل سيكون تمويل القطاع الصحي في غزة بمعزل عن القطاع الصحي الفلسطيني بشكل عام؟
الإقتصاد
يعاني الإقتصاد الفلسطيني منذ تنفيذ إتفاقيات أوسلومن أزمة خانقة، ولقد تفاقمت هذه الأزمة الاقتصادية في السنوات الخمس الأخيرة بعد إندلاع إنتفاضة الأقصى، حيث بلغت نسبة الفلسطينيون الذين يعيشون تحت خط الفقر في غزة حوالي 68% وبلغت نسبة البطالة إلي 32%. وتأثيرات الحالة الأقتصادية علي الصحة والوضع الصحي معروفة، وإنعكاسات سوء الوضع الإقتصادي في غزة علي الصحة واضحة، ومن الممكن التدليل عليها بترافق التدهور التدريجي للمؤشرات الصحية التقليدية، وإرتباط سوء الوضع التغذوي للأُمهات والأطفال، وإنخفاض نسبة المشتركين في نظام التأمين الصحي الحكومي، مع التدهور الغير مسبوق للمؤشرات الإقتصادية الكلية.

بالرغم من أن السنوات الست الأولي من عمر السلطة لم تحمل تحسناً في المؤشرات الكلاسكية للوضع الصحي، فإن السنوات الخمس الأخيرة بعد التدهور الدراماتيكي في الوضع الأقتصادي قد شهدت تدهورا تدريجيا في أحد أهم تلك المؤشرات الصحية الكلاسكية، وهووفيات الأطفال في العام الأول، كما أن الوضع الأقتصادي قد أثر بشكلٍ سلبي علي الوضع التغذوي للأطفال وللأمهات في السنوات الأخيرة.
كما أنه من المعروف أن أحدي وسائل التأقلم مع الفقر هوالتخلي عن بعض الأطعمة والملابس وبعض الخدمات الصحية، وهذا ما أكدته في الحالة الفلسطينية معلومات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ونتائج دراسة موسعة أجراها برنامج الغذاء العالمي. ويؤثر الوضع الأقتصادي علي استثمارات القطاع الخاص في الخدمات الصحية، وعدد الأسر التي تشارك طواعيةً في التأمين الصحي الحكومي.


إن النظام الصحي والأوضاع الصحية سيتأثران إيجابيا إذا تحسن الأقتصاد، لكن التوقعات تشير أنه حتى في حالة تحسن الوضع الأقتصادي فإن هذا التحسن لن يكون جوهريا وملموساً، فحتى دراسات البنك الدولي الذي يعتبر من أكثر المتحمسين والمنخرطين في الإعداد لتنفيذ الخطة لا تتوقع تحسناً للحالة الإقتصادية في غزة، بل وعلى العكس فإنها ترى أنه إذا تمت عملية الفصل بدون فتح حدود القطاع في وجه حركة الناس والبضائع، فإن الفصل من شأنه أن يخلق وضعاً إقتصادياً أسوأ مما هوعليه الآن.


الوضع السياسي

ليس من الغريب أن يرتبط النظام الصحي ومستقبله بمستقبل الوضع السياسي، فلقد تطور النظام الصحي في غزة في خضم الصراع القائم وتأثرت الأوضاع الصحية بهذا الصراع؛ كما أن الإقتصاد والتركيبة السكانية ونمط العلاقات الإجتماعية قد تأثروا وأثروا كثيراً في هذا الصراع المزمن.

بإعتقادي أنه يجب أن ينظر إلى أن غزة ستعيش في حالة من عدم الأستقرار السياسي، حيث أنها قد تشهد تتالي دورات من الهدوء والإضطرابات، خصوصا وأن تنفيذ خطة الفصل يتم بمعزل عن المشروع الوطني الفلسطيني وضمن اجندة اسرائيلية.

وهنا يجب التذكير بأن التجربة السابقة في التعامل مع القطاع الصحي قد قامت علي فرضية ان البلد كانت تمر بمرحلة بناء السلام واالانتقال السياسي إلى الإستقرار بعد مرحلة من الصراع الطويل، ولقد اثبتت هذه الفرضية خطأها بمرور الأيام، فلقد أدت مرحلة ما بعد اوسلوإلي واقع مخالف لتلك التصورات، فبعد بضعة سنوات من توقيع اوسلوصار واضحاً أن حلا سلميا للنزاع لم يتحقق بل وأن الصراع قد تعمق بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ولقد تجلى ذلك عبر زيادة الحالة الأقتصادية للفلسطينيين سوءاً، بدلاً من تحسنها، وتسارع بناء المستوطنات في الضفة، بدلاً من هدمها، وإستمرار إعاقة حرية الحركة، بدلاً من تسهيلها، وتحويل الضفة إلي مجموعة من البانتوستانات، بدلاً من أن تتحول إلي نواة لدولة الفلسطينية. ولقد أدي ذلك إلي إصطدام محاولات بناء وتطوير قدرات النظام الصحي الفلسطيني علي اساس التنمية المستدامة، بضرورات الاغاثة والاستجابة للحاجات الطارئة للنظام الصحي، وبذا فإن استمرار ضبابية الوضع السياسي في ظل عدم انجاز المشروع الوطني الفلسطيني، وفي ظل استمرار الإحتلال الإسرائيلي وتواصل النضال الوطني التحرري سيؤدي إلي ضرورة أن يتجة الدعم الأجنبي إلي القطاع الصحي بناء علي أجندة وطنية توائم بين ضرورة بناء قطاع صحي قائم علي التنمية المستدامة وبين ضرورة الجاهزية لحالة الطوارئ.

وهكذا فإنه يجب عدم تبني إفتراضيات تقول بان غزة واالواقع الفلسطيني ستقع بعد تنفيذ خطة الفصل في حالة تحول سياسي بإتجاه الإستقرار، بل ينبغي التعامل مع الواقع المعقد والقاسي للصراع المستمر ويجب ان تتعامل سياسات المانحين الأجانب، وأصحاب القرار المحليين مع مبدأ التزاوج بين الإستعداد لتقديم خدمات الاغاثة والطوارئ من جهة، وإعادة تأهيل الخدمات الصحية، وبناء نظام صحي قادر علي الإستمرار من جهةٍ أُخرى.

كما أن حالة الإستقطاب السياسي الثنائي في الساحة الفلسطينية بين السلطة وحزبها الحاكم، من جهة، وحركة حماس وقوى الإسلام السياسي، من جهةٍ أُخرى، قد تؤدي، علي الاقل في الفترة الأولي التالية لتنفيذ خطة الفصل، إلي نوع من الاحتكاكات والتوترات الداخلية، وهذا يتطلب تطوير جاهزية النظام الصحي في غزة للتعامل مع حالات الطوارئ وطب الإصابات والحروب.

سيكون لطبيعة النظام السياسي الفلسطيني ومدي انفتاحة على القوى السياسية والإجتماعية الموجودة في الساحة الفلسطينية، ودرجة شفافية السلطة وتطبيقها لمبادئ الحكم الصالح تأثيرات وإنعكاسات علي الصحة. فالتجربة السابقة أوضحت أن إدارة القطاع الصحي الحكومي إنحصرت في أيدي أعضاء وقادة حزب السلطة الحاكم، وتم إهمال الكفاءات المحلية التي كانت خارج مدارات نفوذ الحزب الحاكم، كما أن طبيعة ونمط إدارة السلطة للقطاع الحكومي العام قد أديا إلي إنحسار متزايد في تمويل ميزانيتها للصحة، وإنعكس نمط عمل المجلس التشريعي على عدم إقرار أي قانون ينظم العمل الصحي على أسس عصرية، كما أن زبائنية النظام السياسي قد أدت إلي شراء الولاءات أوتدعيمها عبر توظيف الألاف في القطاع الصحي بغض النظر عن الكفاءة والمئات لمجرد الإنتماء الحزبي أوالعلاقات بمراكز النفوذ.
وسيكون للعلاقة السياسية مع مصر تأثيراتها علي القطاع الصحي في غزة، خصوصا وأن أن هناك علاقة بين وزارة الصحة الفلسطينية مع المصرين عبر شراء خدمات تخصصية من مصر، ويلجأ العديد من الغزيين إلي القطاع الخاص المصري للسياحة العلاجية، كما أن معظم الأطباء الغزيين الذين أنهوا دراسة الطب قبل العام 1985 كانوا قد تخرجوا من كليات الطب المصرية، فقد يتم إستقدام بعض الكفاءات الطبية المصرية للإستفادة منها في تطوير المرافق الصحية الحكومية أوبهدف إنشاء مؤسسات صحية خاصة، كما قد تدفع العلاقة الجيدة مع مصر أصحاب القرار في وزارة الصحة الفلسطينية إلى تنفيذ وعودهم التي قطعوها على أنفسهم منذ عام 2000 قبل خمس سنوات، ولم ينفذوها حتى الأن، بالبدء ببرنامج تدريبي للأطباء أثناء الخدمة مرتبط بالزمالة المصرية؛ ومن ناحية أُخرى فقد تؤدي العلاقة الجيدة مع مصر إلى الدفع، الغير الرغوب به، نحوزيادة هيمنة النموذج الطبي العلاجي على حساب النظرة الصحية الوقائية .
كما أن النظام الصحي في غزة سيتأثر بمستقبل العلاقة السياسية والتواصل الجغرافي مع الضفة الغربية، الذي تمت الإشارة إليه سابقاً.
مصير المستوطنات
ثمة إهتمام إعلامي رسمي فلسطيني مبالغ فيه بموجودات المستوطنات، إلي الحد الذي دعا البعض، في محاولةٍ لتجميل خطة الفصل وللإيحاء بأنه من الممكن لهذه الخطة أن تكون جزء من المشروع الوطني، إلي اعتبار المستوطنات الإسرائيلية وموجوداتها درر قطاع غزة.

وبالرغم من هذا الأهتمام الرسمي بالمستوطنات وموجوداتها، فإن إستلام الجانب الفلسطيني للأراضى التي أقيمت عليها هذه المستوطنات لن يترك أثاراً مباشرةً ذات شأن كبير علي الجوانب الصحية في غزة، ومن الممكن تلخيص الأثار المحتملة بالقضايا التالية:

المنشاءات: هناك مستشفيان صغيران سيتم تسليمها إلي السلطة وسيواجة هذان المستشفيان ما سيواجهه 3 مستشفيات تم افتتاحها في قطاع غزة خلال إنتفاضة الأقصى ومن المرجح ألا يشكلا إضافة، ذات شأن، إلى المرافق الصحية المتوافرة.

الأكتظاظ السكاني في قطاع غزة : الكثافة السكانية في قطاع غزة هي الأكثر في العالم، فالإكتظاظ السكاني في غزة يفوق مثيله في بنغلادش التي تعتبر أكثر دول العالم اكتظاظاً سكانياً وإذا إستمرت نسبة الزيادة السكانية على ما هي عليه خلال العشرين سنة القادمة فإن عدد سكان قطاع غزة سيتضاعف ليصل إلي 2.8 مليون نسمة عام2027 ؛ ومن المعروف أن نمط الأمراض في قطاع غزة يتأثر بالإكتظاظ السكاني، فالأمراض الجلدية والمعدية منتشرة بشكلٍ واسع. قد يفترض البعض أن المناطق التي تقوم عليها المستوطنات ستوفر مساحة إضافية إلي المساحات التي من الممكن أن تقام عليها مشاريع سكانية في المستقبل، لكن الدقة تنافي ذلك، فالبرغم من أن المستوطنات الواقعة في شمال القطاع يمكن دمجها بمخططات التطوير الحضري للأمكان السكانية، فإن المستوطنات الموجودة في مجمع غوش قطيف، وهي التي تشكل النسبة الأعظم لمساحة أراضي المستوطنات، مقامة علي أراضي رملية ويوجد فيها مخزون المياة في قطاع غزة ومن المستبعد ان يتم دمجها بمخططات التطوير الحضري للأمكان السكانية وبالتالي إستخدامها لاقامة مشاريع سكانية.

أولاً: أثناء تنفيذ خطة الفصل.

قد يشكل تطبيق خطة الفصل الأسرائيلية تحديا إضافياً في الفترة المحددة التي سيتم فيها تنفيذ إخلاء المستوطنين وإخلاء المستوطنات وإعادة إنتشار الجيش الاسرائيلي من قطاع غزة علي الاوضاع الصحية وعلي حرية حركة المواطنين والمرضي، فبالرغم من أن مقدمي الخدمات الصحية في قطاع غزة كانوا قد راكموا خبرات رائعة في التعامل مع فترات محدودة من الإغلاقات الخارجية والداخلية، وطوروا أليات تمكنهم من التعامل مع عدد معقول من الإصابات، إلا أنة في حالة استمرار الاغلاقات لفترات طويلة، فإن ذلك قد يعرض قطاع غزة لكارثة إنسانية، كما أن حدوث توغلات اسرائيلية في المناطق السكانية أوالقيام بعملية إجتياح واسعة وشاملة لقطاع غزة سيؤدي إلي كارثة إنسانية ليس بإستطاعة الجهاز الصحي في القطاع التعامل معها؛ وللتعامل مع مقتضيات تنفيذ خطة الفصل فإن علي كافة الاطراف العمل علي عدم الحاق اذي إضافي بالأوضاع الصحية والخدمات الصحية في قطاع غزة.

• علي الجانب الاسرائيلي إيجاد آليات تضمن عدم تقيد حرية حركة المواطنين والمرضي في قطاع غزة ومنة، وعلية إعلان جداول زمنية واضحة، والاعلان بشكل شفاف علي كافة إجراءاتة التي قد تؤثر علي الأوضاع الإنسانية والصحية بشكل مسبق، كما أن علية التنسيق مع السلطات الفلسطنية والمؤسسات الدولية. وعلي الجانب الاسرائيلي أن يأخذ بعين الاعتبار أن عملية عسكرية واسعة (شبيهه بعملية الجدار الواقي) سيعرض قطاع غزة إلي كارثة إنسانية.

• علي الجانب الرسمي الفلسطيني ممثلاً بوزارة الصحة قيادة عمل المؤسسات الصحية المحلية أثناء تنفيذ عمليةالفصل، والتنسيق بين تلك المؤسسات للإستخدام الأفضل للإمكانيات المتاحة محلياً، وعلي وزارة الصحة، ومقدمي الخدمات الصحية الآخرين، إيجاد مخزون من الأدوية وتجهيز المستودعات، واعادة انتشار الطواقم الطبية، والاستعداد لأسوأ الأحتمالات بما في ذلك الأستعداد لإغلاقات قد تطول من منتصف أغسطس حتي نهاية العام الحالي، واعداد الجاهزية للأستجابة لأثار عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة، أوعمليات في تل السلطان ومخيم خانيونس وفي مناطق أخرى متاخمة للمستوطنات وللطرق التي قد يستخدمها الجيش الإسرائيلي عند إعادة إنتشار قواته.

• وعلي الجانب الرسمي الفلسطيني ممثلاً بوزارة الصحة وبوزارة الشؤون المدنية نشر المعلومات المتوفرة حول تنفيذ خطة الفصل للجمهور وللمؤسسات الصحية المختلفة والعمل بشكل شفاف يساهم في إيجاد جاهزية فلسطينية للتعامل مع خطة الفصل.

• تجهيز طواقم طبية مدربة في التجمعات التي لا توجد فيها عيادة مثل المعني وأبوالعجين، وتدعيم العيادات الموجودة في مواصي رفح وخانيونس، والاستفادة من المتدربين على الإسعافات الأولية في مناطق قطاع غزة الأخري إستعداداً لعملية إسرائيلية واسعه في قطاع غزة.


• علي منظمات حقوق الانسان الاستمرار في مراقبتها للأوضاع الانسانية، والتركيز علي الشئون الصحية وعليها امداد المجتمع الدولي بتقارير عن الخروقات الاسرائيلية لحقوق الانسان، وقد يكون من المفيد دعوة وفود شعبية أجنبية مؤيدة للنضال الفلسطيني لمراقبة تنفيذ إخلاء مستوطنات غزة

• علي المنظمات الدولية العاملة في المجال الصحي سواء منظمات الامم المتحدة اوالمنظمات الدولية التنسيق فيما بينها، لضمان أداء فعال لها، ولضمان عدم ازدواجية النشاطات أوالتمويل أثناء تنفيذ خطة الفصل.
• علي المؤسسات الصحية المحلية توزيع الأدوية لمرضي الأمراض المزمنة، وضمان توفر المعدات اللازمة لذوي الحاجات الخاصة .

ثانياً:بعد تنفيذ خطة الفصل.

سيحسن تنفيذ خطة الفصل حرية حركة المرضي داخل قطاع غزة، إلا أنها ستبقي التنقل من وإلي قطاع غزة تحت رحمة القوات الاسرائيلية بعد تنفيذها، ولن تقدم الخطة الكثير من الفرص الأكيدة للنظام الصحي الفلسطيني في الفترة التي ستتلوإعادة الانتشار في قطاع غزة، بل وقد تكرس فصل النظام الصحي في قطاع غزة عن نظيره في الضفة الغربية وعن المؤسسات الصحية المتقدمة نسبياً الذي بدأت اسرائيل بة منذ حرب الخليج الثانية عام 1990، وقد يجد سكان القطاع وبالتالي الخدمات الصحية أنفسهم وكأنهم في سجن كبير. وبذا فإن التحديات الرئيسية التي كانت ماثلة أمام النظام الصحي الفلسطيني منذ استلام السلطة الفلسطينية ستظل كما هي، بل وقد تزداد المخاطر إذا إستمرت إسرائيل في سياستها بإغلاق غزة. ومن المفيد هنا ذكر بعض التوصيات التي قد يساهم العمل بها إفادة الاوضاع الصحية والنظام الصحي في قطاع غزة.
1- علي الجانب الاسرائيلي القيام بالتالي:
• السماح بحرية الحركة بين الضفة الغربية وقطاع غزة والسماح بوصول المرضي الفلسطنين إلي المؤسسات الصحية الفلسطينية في القدس الشرقية، كما ان علي الجانب الاسرائيلي تأمين إتصال قطاع غزة مع العالم الخارجي عبر السماح باستخدام مطار غزة الدولي برفح والبدء بإنشاء ميناء في غزة، وعدم عرقلة الحركة عبر المعابر.

• تحمل مسؤلياته عن ضعف البنية التحتية للنظام الصحي الفلسطيني، عبر التعويض عن ذلك، وعن مستحقات عشرات الألاف من المؤمنين صحياً الذين انتهت حقوقهم في إستخدام المؤسسات الصحية الاسرئيلية بإنتهاء المسئولية الاسرائيلية عن الخدمات الصحية الحكومية عام 1994 بعد توقيع اوسلو.

• تحمل مسؤولياته عن أي ازمة انسانية صحية قد تعقب تنفيذ خطة الفصل، خصوصاً وانة إذا ما استمرت إسرائيل في التضيق علي حرية الحركة من قطاع غزة فإن ذلك قد يؤدي زيادة نسبة الوفيات الناتجة عن عدم تحويل الحالات التي لا يستطيع النظام الصحي الفلسطيني التعامل معها.

2- علي المؤسسات الدولية المانحة:

• مواصلة تقديم العون الفني من أجل تقييم الأوضاع الصحية واحتياجات النظام الصحي في فلسطين، بمشاركة الشركاء الفلسطينيين، ومن أجل تحديد الإحتياجات متوسطة وطويلة الأمد اللازمة لتطوير درجة جاهزية النظام الصحي الفلسطيني ولإعادة تأهيل هذا النظام بحيث تضمن تنميتة المستدامة.

• مواصلة تقديم الدعم المالي لتطوير وإعادة تأهيل النظام الصحي، مع الأخذ بعين الاعتبارأن هناك حاجة لدعم كبير من أجل ذلك، فحسب مؤسسة أطباء من أجل حقوق الانسان فأن هناك حاجة إلي 500مليون دولار لتأسس بنية تحتية للإستجابة للأحتياجات الاساسية في الخدمات الصحية وبالذات في الامراض المزمنة والسرطان وطب الطوارئ وان من الممكن إنجاز ذلك خلال فترة زمنية قدرها 3 سنوات، كما أن ذات المؤسسة تقدر أن النظام الصحي في قطاع غزة هوبحاجة إلي 250مليون دولار سنوياً علي مدي عشرة سنوات للارتقاء بمستوي يوازي مستوي النظام الصحي الأردني. كما أن تقرير مؤسسة راند الامريكية قد قدر بأن النظام الصحي الفلسطيني بحاجة إلي مبلغ قد يصل إلي 1.6 مليار دولار من الدعم علي مدي عشرة سنوات لتأهيل النظام الصحي الفلسطيني.

3- علي المؤسسات الحقوقية الدولية والمنظمات الغير حكومية الدولية:
• مراقبة الأوضاع الصحية في غزة في الفترة التي ستتلوتنفيذ خطة الفصل، وعلي هذه المؤسسات تجنيد المجتمع الدولي من أجل الضغط علي إسرائيل لضمان عدم تدهور الوضع الإنساني والصحي في القطاع، ولضمان حرية التنقل بين غزة والضفة ومن غزة إلي العالم .

بالرغم من المسئوليات التي يجب أن يتحملها الجانب الاسرائيلي والأطراف الدولية والمانحين عن الأوضاع الصحية في الاراضي الفلسطينية بعد تنفيذ الخطة الاسرائيلية بفصل قطاع غزة، فإن المهمات الاساسية تبقي علي عاتق الفلسطينيين أنفسهم، ومن الواجب عليهم القيام بالتالي:

1_علي الجانب الفلسطيني الرسمي عدم تكرار التجربة السابقة خلال السنوات التي تلت اوسلو، بالعمل علي إحداث تكامل بين الجهاز الصحي في غزة مع الجهاز الصحي في الضفة ومقاومة محاولات الفصل بين جزءي النظام الصحي الفلسطيني في الضفة وغزة، مع إحترام خصوصية كل منطقة.

2_هناك حاجة إلى الإرتقاء إلي أكبر قدر ممكن من التنسيق بين الأطراف الاربعة المقدمة للخدمات الصحية، وضمان عدم وجود ازدواجية في تقديم هذه الأطراف لذات الخدمات لذات المناطق الجغرافية أوالقطاعات الإجتماعية، وضمان عدم إزدواجية تقديم دعم أجنبي إلي نفس المشاريع. وهناك حاجة إلى تحسين أنظمة الإدراة في كافة المؤسسات الصحية، حتى يتم إعادة الإعتبار للمؤسسة في كافة مكونات النظام الصحي بما تعنية المؤسسة من تحديد للصلاحيات، بدلاً من تداخلها ؛ ووضوح في الادوار والعلاقات، بدلا من ضبابيتها ؛ وبما تعنية من الاحتكام إلى الا نظمة والقوانين، بدلاً من الاحتكام إلي مزاجية أومصالح من يقف على قمة الهرم السياسي أوالاداري ؛ وعلي وزارة الصحة، بشكل خاص تطوير قدراتها الإدارية، ورسم هيكلية واضحة لها، والفصل بين دورها كمقدم للخدمات، ودورها المفترض كمشرف علي السياسات الصحية بشكل عام.


3_ الإنتقال من نمط الأدارة اليومية وإدارة الازمات للقطاع لصحي إلي نمط التخطيط الإستراتيجي والقيام برسم سياسات صحية تخطط لمستقبل النظام الصحي الفلسطيني وعلي وزارة الصحة الفلسطينية القيام بدورها بقيادة عملية القوامةStewardship علي النظام الصحي الفلسطيني مع ضمان مشاركة كافة شرائح المجتمع الفلسطيني في هذه العملية.
.
4_ تطوير نظام تأمين صحي شامل للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحيث يضمن هذا النظام وجود آليات تضمن استمرار تمويل الخدمات الصحية عبر استخدام آليات السداد المسبق التي توزع الخطر المالي وتبعد شبح الإنفاق الهائل علي الصحة.

5_ تطوير جودة الخدمات الصحية؛ ليس عبر تحديد معايير وطنية للجودة، والقيام بمشاريع لمراقبة ولتطوير الجودة فحسب؛ بل وعبر زيادة نسبة الانفاق الحكومي علي الصحة؛ وتطوير تدريب المهنيين الصحيين، سواء قبل أوأثناء الخدمة وتأسيس برامج التعليم الطبي المستمر؛ وتطوير وتوحيد معايير ترخيص المهنيين الصحيين ومؤسسات الخدمات الصحية؛ وتحسين أنظمة المعلومات الصحية؛ وضمان جودة وكفاية المرافق الإستشفائية وعدالة توزيعها بين المناطق الجغرافية، وتحسين برامج الرعاية الصحية الأولية؛ والإهتمام بالصحة الوقائية، وبصحة النساء وبالتحديد في فترة ما بعد الحمل، وتحديث برنامج التطعيم الوطني؛ وإبداء إهتمام أكبر بالامراض المزمنة والأمراض النفسية وبطب الاصابات والحوادث.

وفي النهاية؛ تتوجب الإشارة إلى أن علي المجتمع الفلسطيني المحلي البدء بالمساهمة في مراقبة الأوضاع الصحية ليس على اساس أن الصحة هي حق اساسي من حقوق الانسان ومن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فحسب بل على اساس أنها حق يضمنه القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية، وعلى أساس أن تحسين الأوضاع الصحية وتدعيم النظام الصحي يساهم في دعم مقومات صمود الفلسطينيين على أرضهم، وهذا يتطلب إعادة الإعتبار للمشاركة المجتمعية في العمل على ضمان جاهزية النظام الصحي، عبر الضغط على صانعي القرار المحليين والدوليين للإستجابة للاحتياجات الصحية الأساسية للفلسطينيين، وعبر مراقبة أي خرق بالحق في الصحة سواءً من قبل اسرائيل أومن قبل السلطة الفلسطينية أوكافة مقدمي الخدمات الصحية.




* طبيب فلسطيني من غزة مختص في الإدارة والسياسات الصحية

التعليقات