18/10/2011 - 02:31

50 عاماً على «مذبحة السين»

خمسون عاماً والحكومات الفرنسية المتعاقبة صامتة عما حصل في ذلك اليوم، رافضة الاعتراف به رسمياً كجريمة في حق الجزائريين، حيث تصرّ باريس على ترك الماضي وكل ما يتعلق بالذاكرة المشتركة بين الجزائر وفرنسا للمؤرخين. يُضاف إلى ذلك، أن كثيرين ممن حرّضوا على القتل ماتوا أو أصبحوا كهولاً، فبابون، المحرّض الرئيسي، توفي قبل أربع سنوات عن عمر يناهز 96 عاماً، فيما يصرّح الكثيرون من رجاله، الذين لا يزالون طليقي السراح، بأنهم غير نادمين البتة

50 عاماً على «مذبحة السين»

 

17 تشرين الأول 1961... في ذلك اليوم لم يكن نهر السين، رمز الرومانسية في أحد أهم المدن السياحيّة في العالم، هو نفسه، كان قد تحوّل إلى مشرحة لعشرات الجثث التي ظلّت سابحة فيه لأسابيع عديدة... لم يحمل أي مسؤول في فرنسا وزر المذبحة التي قُتل فيها 200 جزائري حينها، وألقوا في النهر، ولم يمثل أحد يوماً أمام العدالة لضلوعه في قتل مدنيين أبرياء بدم بارد في ذلك اليوم الخريفي. 

خمسون سنة مرّت على خروج مئات الجزائريين في مسيرة شعبية مع أولادهم وعائلاتهم تلبية لنداء الفدرالية الفرنسية لحزب جبهة التحرير الوطني وتضامناً مع ثوار جبهة التحرير الوطني الجزائرية الذين أعلنوا الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي في العام 1954. وقد تزامنت المسيرة الباريسية وقتها مع فرض مسؤول الشرطة الفرنسية موريس بابون آنذاك قانون منع التجوال في الخامس من تشرين الأول على جميع مهاجري شمال أفريقيا، لا سيما الجزائريين، من أجل عزلهم عن الثورة الجزائرية، ومنعهم من تقديم المساعدات المالية لها. 

خمسون سنة قد تبدو فترة طويلة لعدد من الشبان الجزائريين الذين أحيوا ذكرى المجزرة أمس، ولكنها لم تفارق ذاكرة أولئك الذين عايشوا تلك المرحلة وشاهدوا رجالاً ونساء يتعرّضون للضرب والتعذيب والقتل، إضافة إلى من ألقوا في السين. 

خمسون عاماً والحكومات الفرنسية المتعاقبة صامتة عما حصل في ذلك اليوم، رافضة الاعتراف به رسمياً كجريمة في حق الجزائريين، حيث تصرّ باريس على ترك الماضي وكل ما يتعلق بالذاكرة المشتركة بين الجزائر وفرنسا للمؤرخين. يُضاف إلى ذلك، أن كثيرين ممن حرّضوا على القتل ماتوا أو أصبحوا كهولاً، فبابون، المحرّض الرئيسي، توفي قبل أربع سنوات عن عمر يناهز 96 عاماً، فيما يصرّح الكثيرون من رجاله، الذين لا يزالون طليقي السراح، بأنهم غير نادمين البتة. 

كان بابون، كغيره من القتلة المتعاونين مع النازيين، قد تعلّم أساليب السيطرة على الحشود من البوليس السري الألماني «غستابو»، وكان خبيراً في طمس الحقائق، حيث صرّح حينها عن سقوط ثلاثة قتلى فقط في «معركة باريس»، ولم يتم فضح العدد الحقيقي الذي كان بالعشرات إلا بعد 40 سنة. 

وكان بابون، كغيره من القتلة، قد تنصّل من العقاب بتهمة قتل الجزائريين، وعندما سيق إلى المحكمة لارتكابه جرائم ضدّ الإنسانيّة، لم تكن مذبحة نهر السين من ضمنها، إذ حرص الجنرال شارل ديغول حينها، ثم الحكومات المتعاقبة، على محاسبته لما ارتكبه في الحرب العالمية الثانية وليس على ما فعله بالجزائريين. 

بعد كل هذه السنوات، لم يتغيّر الكثير. ما زال الجزائريون يُدفعون إلى البقاء بعيداً عن باريس السياحية، حيث يتمّ فرض حظر تجوال في كثير من الأحيان والاستعانة بالقوات التي تتحرّك في أوقات الاضطرابات. فعندما وقعت أحداث الشعب في العام 2005، قام وزير الداخلية آنذاك، نيكولا ساركوزي، بإعلان حالة الطوارئ، مستعيداً تشريعات الحرب الجزائرية التي أقرت في العام 1955. 

في الحقيقة، هناك اليوم أكثر من 40 في المئة من جزائريي فرنسا عاطلون عن العمل، حيث تنتشر الجريمة والغضب والتفلت الاجتماعي في أوساطهم نتيجة الفقر وسياسات الفصل الاجتماعي. ليس هناك من إحصاءات عن عدد الجزائريين الحالي في فرنسا، أو عن أوضاعهم الاجتماعيّة لأن فرنسا العلمانية لا تقوم بتسجيل عرق أو دين مواطنيها، ولكن ما هو جليّ أن الجزائريين في فرنسا يعانون من التمييز العرقي، وتتم معاملتهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. وما هو جليّ أكثر أن غالبيّة هؤلاء يشبهون أولئك الذين نزلوا إلى الشارع في العام 1961. 

صحيح أن كثيرين قد يستبعدون احتمال أن تكرّر قوات الأمن الفرنسية اليوم المجزرة التي ارتكبتها قبل 51 عاماً، ولكنهم يجمعون على أن
السياسات التمييزية الفرنسية، التي أدت إلى مثل تلك الفظائع في ذلك العام، لا تزال في فرنسا الحديثة على حالها. (عن «الغارديان»)

التعليقات