18/06/2014 - 14:35

نهائي بطولة كرة السلة في لبنان من دون جمهور... حفاظا على السلم الأهلي

على ملاعب كرة السلة اللبنانية، اختلطت السياسة بالطائفية، وضاق المكان لجمهور الفرق الرياضية، الذي منع من حضور المباراة النهائية لبطولة لبنان، بعد أعمال شغب وعنف رأت فيها السلطات "تهديدا للسلم الأهلي".

نهائي بطولة كرة السلة في لبنان من دون جمهور... حفاظا على السلم الأهلي

أعلام منتخبات المونديال في بيروت. الرياضة أيضًا لا تخلو من الطائفية السياسية (أ ف ب)

على ملاعب كرة السلة اللبنانية، اختلطت السياسة بالطائفية، وضاق المكان لجمهور الفرق الرياضية، الذي منع من حضور المباراة النهائية لبطولة لبنان، بعد أعمال شغب وعنف رأت فيها السلطات "تهديدا للسلم الأهلي".
 
ففي بلد ذي تركيبة سياسية وطائفية هشة، أثارت هتافات شبان يهاجمون قيادات سياسية ورموزا دينية مسيحية، ومسيحيين يهاجمون المسلمين ورموزهم على مدارج ملاعب كرة السلة، استنفارا سياسيا وأمنيا، وتحذيرا من وزير الرياضة من أن تكون هذه المواجهات الكلامية التي ما لبثت أن تحولت إلى عراك بالأيدي وتأخير البطولة، مقدمة لـ"فتنة" في البلد الصغير الذي عرف حربا أهلية مدمرة على مدى عشرين عاما (1975-1990).
 
واستؤنفت البطولة أول من أمس الاثنين بعد 14 يوما من التوقف بسبب الاشكالات، وانتهت أمس الثلاثاء بفوز فريق الرياضي على فريق الحكمة، عدوه اللدود تقليديا، وغاب جمهور الفريقين في المبارتين عن الملعب الذي امتلأ بالقوى الأمنية، بحسب صور بثها تلفزيون "إل بي سي".
 
وتقليديا، فريق الرياضي مدعوم من جمهور مؤيد اجمالا لتيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وفريق الحكمة مدعوم من جمهور مؤيد بغالبيته لحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع.
 
وفي بلد تخضع فيه قوانين الأحوال الشخصية للطوائف، ويقوم النظام السياسي على المحاصصة الطائفية، ويحول الانقسام السياسي الحاد دون انتخاب رئيس للجمهورية أو إجراء انتخابات نيابية في موعدها، لا تنجو الرياضة من هذا الاصطفاف.
 
فبعد وصول الرياضي والحكمة إلى نهائي بطولة لبنان في نهاية أيار/مايو، حضر الدين في الملعب مع الكرة. فكان جمهور الرياضي يتلو الفاتحة، ويرد جمهور الحكمة بصلاة "أبانا الذي في السموات".
 
وعندما ترتفع حماوة المباراة، لا يخجل جمهور الحكمة من الهتاف ضد النساء المسلمات، فيرد جمهور الرياضي بالمس بمريم العذراء.
 
ويهتف جمهور الرياضي "الله، الحريري، الطريق الجديدة"، فيرد جمهور الحكمة "الله، قوات، حكيم (لقب جعجع)، وبس".
 
وعلى الرغم من أن القوات اللبنانية وتيار المستقبل حليفان متينان في السياسة ضمن ما يعرف بقوى 14 آذار المعارضة لحزب الله وللنطام السوري، فغن الرياضة فرقت ما جمعته السياسة، والشعارات هاجمت جعجع من جهة وقادة المستقبل من جهة ثانية.
 
وشتم جمهور نادي الحكمة جان عبد النور، قائد فريق الرياضي واحد اللاعبين المسيحيين القلة في الفريق، باعتباره "خائنا"، لكنهم أرفقوا الشتيمة بالتشفع بـ"مريم أم النور". وردد أنصار الرياضي عبارة "لا اله الا الله، محمد رسول الله"عند كل تقدم لفريقهم.
 
وعملت رابطتا الجمهورين على ضبط الهتافات الدينية داخل الملعب، لكن الأمور تفلتت على صفحات التواصل الاجتماعي حيث استهدف الاسلام والصليب بإهانات شتى.
 
ولا شك أن المشاغبين قلة، وتبرأ منهم محبو الرياضة، وتم شطب الكلام البذيء من صفحات "فيسبوك" و"تويتر" بسرعة. وامتنعت وسائل الإعلام ومحطات التلفزة عن بث الشعارات والهتافات المسيئة للدين.
 
 
ويقول فنسنت فواز (21 عاما)، من مشجعي الحكمة، لوكالة فرانس برس، إن "كرة السلة أجمل لعبة في العالم، أنا أمارسها كهاو. أسهر حتى السادسة صباحًا لأشاهد مباريات إن بي إيه. لكنني لم أعد ارغب بمشاهدة البطولة المحلية، أصابني الجمهور بالاشمئزاز".
 
في المباراة الرابعة من النهائي (يفترض أن يفوز الفريق باربع مباريات من سبع ليربح البطولة)، نزل أحد مشجعي الحكمة إلى أرض الملعب وصفع إسماعيل أحمد. فما كان من هذا الأخير إلا أن انهال ضربا على مشجعي الحكمة.
 
وحذر وزير الشباب والرياضة عبد المطلب الحناوي من أن الحكومة "لن تسمح بهز السلم الأهلي وإراقة الدماء من خلال الملاعب الرياضية التي يفترض أن تكون مساحة للتلاقي بين اللبنانيين وليس ساحات للفتنة".
 
وتحرك قياديو القوات اللبنانية وتيار المستقبل لإعادة الهدوء وعقدوا اجتماعات في ما بينهم. وفرض اتحاد كرة السلة غرامات مالية وأوقف اللاعب إسماعيل أحمد عن اللعب مرة واحدة.
 
لكن وزارة الداخلية ضغطت ولوحت بتعليق البطولة "لأسباب امنية"، فاتخذ قرار بمنع الجمهور، في خطوة يعتمدها اتحاد كرة القدم منذ 2005، عندما بلغ التوتر بين تيار المستقبل وحزب الله أوجه بعد مقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وتوجيه الاتهام بقتله إلى دمشق وحزب الله المتحالف معها.
 
ويقول رئيس قسم الرياضة في صحيفة "النهار" ناجي شربل إن "المشكلة طائفية ومذهبية بامتياز. والاتحاد أعجز من أن يدير الخلاف الطائفي المزمن في البلاد". ويضيف: "في موضوع حساس مثل هذا في بلدنا، لم يقدر أحد أن في الإمكان بسهولة أن نصل إلى مشكلة طائفية".
 
ويتابع: "كان على الاتحاد فور وقوع الإشكال الأول التحرك وفرض عقوبات ومنع المشاغبين من دخول الملعب. الجمهور تمادى بسبب غياب الحزم والتشدد في التعامل معه".
 
وتطبق المحاصصة الطائفية في لبنان في الرياضة كما في السياسة. فاتحاد كرة القدم تعود إدارته تقليديًا الى الشيعة، واتحاد كرة السلة للمسيحيين، واتحاد الشطرنج مثلاً للسنة.
 
ويقول مكرم عويس، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية والناشط في المجتمع المدني: "هذا الواقع يعكس جواً سياسيًا مشحونًا وعدم قدرة الطبقة السياسية على إيجاد حلول فعالة لاي شيء، لا لقضايا كبيرة مثل الانتخابات ولا لقضايا معيشية وحياتية ومؤسساتية ولا لمسائل الرياضة".
 
ويتابع "ما يحصل في الملاعب قد يحصل في كل دول العالم، لكن في العالم، هناك شرطة تضبط. هنا تفصل الحلول على قياس الحكام والناس المحسوبين عليهم. بدلاً من محاسبة من يثير الشغب، يؤمنون له الغطاء ويخلون الملعب من الجمهور. هذا مظهر إفلاس". 

التعليقات