21/03/2020 - 19:18

المتسولون المسنون في كولومبيا.. الموت جوعًا أو الموت من كورونا

داهم فيروس كورونا الفقراء المسنين في كولومبيا، وفرض عليهم إخلاء الشوارع التي كانت مصدر رزقهم، وبات هؤلاء الأشخاص المحرومون من العائلة والمساعدات الاجتماعية الكافية يخشون الموت جوعا أكثر من الإصابة بالفيروس.

المتسولون المسنون في كولومبيا.. الموت جوعًا أو الموت من كورونا

توضيحية (pixabay)

داهم فيروس كورونا الفقراء المسنين في كولومبيا، وفرض عليهم إخلاء الشوارع التي كانت مصدر رزقهم، وبات هؤلاء الأشخاص المحرومون من العائلة والمساعدات الاجتماعية الكافية يخشون الموت جوعا أكثر من الإصابة بالفيروس.

فمع أكثر من مئة وخمسين إصابة بالفيروس منذ السادس من آذار/ مارس في كولومبيا، فرضت الحكومة الحجر الصحي المنزلي بالمقام الأول على الأشخاص فوق سن السبعين والبالغ عددهم 2,6 مليون شخص، منذ الجمعة وحتى 31 أيار/ مايو.

ويعيش كثير من هؤلاء المسنين الأكثر عرضة لخطر الإصابة بفيروس كورونا، في حالة بؤس وفقر مدقع في أحيان كثيرة وهم يتلقون من السلطات مخصصات شهرية توازي قيمتها 19 دولارًا ويفيد منها 1,6 مليون شخص.

وتوازي هذه المساعدة 8,1% من الحد الأدنى للأجور في هذا البلد الذي يسجل الهوة الاجتماعية الأكبر بين السكان بين بلدان منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي. ويمثل الاقتصاد غير الرسمي 47% من مجمل الأنشطة الاقتصادية في كولومبيا.

وبات مئات المسنين أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحجر المنزلي أو التعرض لخطر الفيروس ومواصلة أنشطتهم في الشوارع سعيًا لكسب القوت اليومي وتوفير تكاليف السكن.

وتوفر السلطات عناية صحية منزلية. لكن لويس كارلوس رييس من المرصد الضريبي في جامعة خافيريانا في بوغوتا، يبدي قناعته بأن "البعض لن يلتزموا شروط الحجر الصحي".

ويقول الخبير إن "ثمة نقص مقلق في الحماية بفعل عدم وجود دولة رفاه حقيقية". وينتمي خوليو ومارييلا وغوستافو إلى هذه الفئة من الكولومبيين ذوي الوضع الهش. في سن الرابعة والثمانين، يجر خوليو ألبرتو خيرال عربته على طول شوارع العاصمة.

ومنذ أن ألزمه حادث على التخلي عن عمله في ورش البناء قبل عقدين، يعتاش هذا الكولومبي من إعادة تدوير النفايات التي يجمعها من حاويات القمامة. وفيما حوّل فيروس كورونا المستجد أي احتكاك جسدي إلى تهديد محتمل، يدخن الرجل الثمانيني ما تبقى من سيجارة التقطها من قارعة الطريق.

توضيحية (pixabay)

وفي ظل القرار الحكومي بفرض الحجر المنزلي، يتساءل خوليو ألبرتو خيرال عن مصيره. ويقول "إذا لم أمت من المرض سأموت من الجوع. كيف سأدفع ثمن الإيجار؟".

وتحضر حكومة الرئيس إيفان دوكي خطة مساعدة غذائية للفئات الأكثر ضعفا، وفق مصدر رسمي. وهي تلحظ تقديم مساعدة إضافية بمقدار 38 دولارًا للأشخاص الذين يفيدون من المخصصات الغذائية الشهرية.

إلا أن خوليو لا يعوّل كثيرا على هذه المساعدة التي ستتيح له بالكاد دفع ما يوازي إيجار شهر للغرفة التي يعيش فيها، من دون احتساب تكاليف شراء الطعام. ويقول إنه "سيتعين عليّ الاستمرار في التسكع على الطرقات إذ لا يمكنني التمدد على الرصيف بانتظار أن يتصدق عليّ أصحاب القلوب الطيبة".

وتعي مارييلا فارغاس الخطر الجاثم عليها. لكنها تواصل بيع الحلويات والسجائر على الشارع مع وضع كمامة على وجهها. وهي تعيش منذ عقدين من متجرها الجوال المقام على عربة خشبية.

وتأسف هذه المرأة البالغة من العمر 74 عاما المنفصلة عن زوجها من دون أطفال، لغياب التقديمات الحكومية السخية. وتقول "نحن الأشخاص في خريف العمر معتادون على ألا نحصل على شيء من أحد".

وهي لا تتقاضى أي مخصصات تقاعدية، وهو امتياز لا ينعم به سوى ما يقل عن مليون شخص في هذا البلد الذي يضم حوالى 49 مليون نسمة.

وعن واجب الحجر المنزلي تقول مارييلا، إنه "حتى لو رفضت الحكومة ذلك، ينبغي علي العمل لأنهم يطلقون وعودا لكنهم لا يفون بها، فيما المعدة لا يمكنها الانتظار".

وتعيش مارييلا وحيدة، شأنها في ذلك شأن 10,9% من السكان فوق سن الستين والبالغ عددهم مليون شخص بحسب إحصاء في بوغوتا سنة 2018.

ويعاني غوستافو أوسا ابن الـ71 عامًا من سرطان القولون، حتى أنه يبدو أكبر سنا مما هو فعلا بسبب ما خلفه الزمن على وجهه وجسمه. لكن لا يبدو فيروس كورونا مصدر قلق لغوستافو إذ يقول، إنني "لست خائفا. لا أصدق ذلك. أنا مصاب بالسرطان وأعيش على المهدئات".

وإضافة إلى الشوارع شبه المقفرة، لاحظ غوستافو تغييرًا لدى الناس الذين يتصدقون عليه أمام مدخل الكنيسة. ويقول "إنهم في حال أعطوني المال، يرمون لي القطعة النقدية من بعيد كي لا أقترب منهم".

وهو يشتري بهذا المال الأدوية ويدفع ما يوازي أربعة دولارات في غرفة في وسط العاصمة.

وما يثير القلق لدى هذا السبعيني هو المرسوم الصادر عن رئيسة بلدية بوغوتا كلوديا لوبيز، بإرغام جميع السكان ملازمة المنزل من الجمعة إلى الإثنين، بانتظار الحجر الشامل اعتبارا من مساء الثلاثاء حتى 13 نيسان/ أبريل. وقد فرغت شوارع المدينة من المارة ما يلغي إمكانية التسول.

وتلقى غوستافو إنذارا بضرورة إخلاء غرفته في حال عدم دفع الإيجار. ويقول "ماذا عساي أفعل؟ هذا ما أفكر به".

التعليقات