03/09/2023 - 18:59

خفض البصمة الكربونيّة: هل يكون الحلّ من خلال الذكاء الاصطناعيّ؟

خلصت دراسة مشتركة لغوغل وجامعة بيركلي مؤخّرًا إلى أنّ تدريب الروبوت التوليديّ "جي بي تي 3" تسبّب بانبعاثات كربونيّة قدرها 552 طنًّا، وهو ما يوازي انبعاثات سيّارة تسير مليوني كيلومتر

خفض البصمة الكربونيّة: هل يكون الحلّ من خلال الذكاء الاصطناعيّ؟

(Getty)

إن كانت مراكز البيانات قوام عالمنا الرقميّ، فهي تطرح بتزايد انتشارها تحدّيًا بيئيًّا كبيرًا وسط المخاوف حيال البصمة الكربونيّة للقطاع التكنولوجيّ. فهل يأتي الحلّ من الذكاء الاصطناعيّ؟

والتحدّي هائل إذ من المتوقّع بحلول 2025 أن يستهلك هذا القطاع 20% من الكهرباء الّتي يتمّ توليدها في العالم وأن يصدر 5,5% من إجماليّ انبعاثات الكربون.

ومع تزايد الاستخدامات والتطبيقات الّتي تستهلك كمّيّات متزايدة من الكهرباء، قد تتسارع الوتيرة أكثر.

وأقرّ آرون ينغار رئيس شركة "أنتيذر إيه آي" المتخصّصة في صنع رقائق إلكترونيّة والّتي تسعى لتطوير أشباه موصّلات للذكاء الاصطناعيّ أقلّ استهلاكًا للطاقة، "فتحنّا صندوق باندورا".

وقال "بإمكاننا استخدام الذكاء الاصطناعيّ بصورة تتناسب مع متطلّبات المناخ، أو يمكننا تجاهل هذه المتطلّبات ومواجهة العواقب".

إلّا أنّ تكييف الخوادم يجب أن يتمّ الآن، في وقت يجري تعديلها لمواءمة حاجات الذكاء الاصطناعيّ، في ما وصفه مسؤول في مجموعة غوغل بأنّه "نقطة تحوّل لا نشهدها سوى مرّة على مدى جيل في عالم المعلوماتيّة".

يجري تطوير الأدوات للذكاء الاصطناعيّ التوليديّ مثل "جي بي تي 4" لروبوت الدردشة "تشات جي بي تي"، و"بالم 2" الّذي طوّرته مجموعة غوغل للبوت "بارد"، عبر مرحلتين هما "التدريب" و"الوضع في الخدمة"، وكلاهما مستهلك للطاقة.

واكتشف باحثون من جامعة ماساتشوستس قاموا بتدريب هذه الأدوات، في 2019 أنّ تدريب واحد من هذه النماذج يصدر انبعاثات توازي انبعاثات خمس سيّارات خلال مجمل دورة حياتها.

وخلصت دراسة مشتركة لغوغل وجامعة بيركلي مؤخّرًا إلى أنّ تدريب الروبوت التوليديّ "جي بي تي 3" تسبّب بانبعاثات كربونيّة قدرها 552 طنًّا، وهو ما يوازي انبعاثات سيّارة تسير مليوني كيلومتر.

أمّا خلفه "جي بي تي 4"، فتمّ تدريبه على عدد من الإعدادات يفوق النسخة السابقة بـ570 مرّة، وهذا العدد سيتزايد مع تطوّر الذكاء الاصطناعيّ وتزايد انتشاره وقدراته.

وما أتاح هذا التطوّر معالجات صغرى تنتجها شركة نفيديا العملاقة للرقائق الإلكترونيّة، وتعرف بـ"وحدات معالجة الرسوميّات" GPU. وبالرغم من أنّ هذه المعالجات متفوّقة على الرقائق الإلكترونيّة العاديّة من حيث كفاءة الطاقة، فهي تستهلك كمّيّات كبيرة من الطاقة.

وبعد انتهاء التدريب، فإنّ وضع أدوات الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ قيد الخدمة عبر السحابة يحتاج إلى الطاقة من خلال الاستهلاك المرتبط بالطلبات على البيانات الّتي يتمّ تلقّيها، وهذا ما يتطلّب كمّيّة من الطاقة أكبر بكثير من المرحلة السابقة.

غير أنّ الشركات قد تختار بهذا الصدد حلولًا أكثر مراعاة للبيئة بما أنّ خوادم السحابة لا تحتاج إلى معالجات فائقة القوّة.

وتؤكّد "أمازون ويب سيرفيس" ومايكروسوفت وغوغل، كبرى شركات الحوسبة السحابيّة، أنّها ملتزمة بأعلى قدر ممكن من كفاءة الطاقة.

وتعهّدت أمازون ويب سيرفيسز حتّى بتحقيق الحياد الكربونيّ بحلول 2040، فيما التزمت مايكروسوفت بأن تكون "شركة ذات انبعاثات سلبيّة وبلا فضلات" بحلول 2030.

وتشير العناصر الأوّليّة إلى أنّ هذه المجموعات مصمّمة على تحقيق أهدافها. فبين 2010 و2018، ازداد استهلاك مراكز البيانات في العالم للطاقة بنسبة 6% فقط، فيما ازداد استخدامها بنسبة 550%، وفق أرقام الوكالة الدوليّة للطاقة.

في المقابل، تؤكّد شركات الذكاء الاصطناعيّ الكبرى أنّ البصمات الكربونيّة لهذا القطاع الحديث ليست على المحكّ، بل إنّ الجدل بشأنها يحجب قدرته على إحداث ثورة حقيقيّة.

وقال سام ألتمان، مؤسّس "أوبن إيه آي" المطوّرة لـ"تشات جي بي تي"، إنّ "معالجة مشكلة التغيّر المناخيّ لن تكون صعبة بعد أن نمتلك ذكاء اصطناعيًّا خارق القوّة".

وأضاف "هذا يظهر إلى أيّ مدى يجب أن تكون أحلامنا كبيرة... تصوّروا نظامًا يمكن أن تطلبوا منه قل لي كيف أنتج كمّيّة كبيرة من الطاقة النظيفة بثمن زهيد، كيف ألتقط الكربون بصورة فعّالة وكيف أبني مصنعًا قادرًا على القيام بذلك على مستوى العالم".

من جانبه، رأى رئيس نفيديّا جنسن هوانغ أنّ انتشار الذكاء الاصطناعيّ على صعيد واسع والعمليّات الّتي يمكنه إنجازها بسرعة فائقة ستحدّ من الطلب على الخدمات السحابيّة، ما سيخفض استهلاك هذا القطاع.

فبفضل الذكاء الاصطناعيّ، قد تتحوّل أجهزة الكمبيوتر المحمول والهواتف النقّالة والسيّارات إلى أجهزة كمبيوتر فائقة ذات كفاءة عالية على مستوى استهلاك الطاقة لا تحتاج إلى استخدام بيانات من السحابة.

وقال هوانغ لصحافيّين "في المستقبل سيكون لديكم معالج فائق الدقّة في هاتفكم، وسيتمّ توليد 90% من البيكسل، بدل 100% حاليًّا، و10% فقط منها سيتمّ سحبها، ما يعني أنّ استهلاككم سيتراجع".

لكنّ بعض الخبراء يرون على العكس أنّ السباق لتطوير الذكاء الاصطناعيّ يحوّل الانتباه عن المخاطر على البيئة.

وقال آرون ينغار "المجموعات الكبيرة تنفق حاليًّا مبالغ طائلة لنشر الذكاء الاصطناعيّ. لا أعتقد أنّها تقلق في المرحلة الراهنة على الوطأة البيئيّة، لكن أعتقد أنّ هذا سيحصل لاحقًا".

التعليقات