24/09/2023 - 19:40

كوريا الشماليّة: من قبضة الاستعمار إلى الدولة الأكثر عزلة في العالم

شكّلت الحرب الكوريّة، الّتي بدأت في 25 يونيو 1950، لحظة محوريّة في تاريخ كوريا الشماليّة، حيث اندلع الصراع عندما غزت القوّات الكوريّة الشماليّة، بدعم من الاتّحاد السوفيتيّ والصين، كوريا الجنوبيّة، وتدخّلت الأمم المتّحدة بقيادة الولايات المتّحدة للدفاع عن كوريا الجنوبيّ

كوريا الشماليّة: من قبضة الاستعمار إلى الدولة الأكثر عزلة في العالم

(Getty)

تقف جمهوريّة كوريا الشعبيّة الديمقراطيّة، المعروفة باسم كوريا الشماليّة، كواحدة من أكثر الدول عزلة وغموضًا في العالم اليوم، حيث جعلها نظامها السياسيّ ونظامها الشموليّ وطموحاتها النوويّة موضع اهتمام دوليّ لعقود من الزمن، حيث تشكّلت هذه الحالة بدءًا من تاريخ الاستعمار الذي تعرّضت له كوريا الشماليّة، وتقسيم شبه الجزيرة الكوريّة، ثمّ الحرب الكوريّة.

وبدأ تاريخ كوريا الشماليّة الحديث مع استعمار اليابان لكوريا في عام 1910، وفي ظلّ الحكم اليابانيّ، واجه الكوريّون اضطهادًا واستغلالًا شديدين، حيث قمعت السلطات اليابانيّة الثقافة واللغة والتراث الكوريّ بينما كانت تستغلّ موارد شبه الجزيرة لصالحها، ما زرع هذا العصر بذور القوميّة والمقاومة الكوريّة، ومع انتهاء الحرب العالميّة الثانية في عام 1945، تمّ تحرير كوريا من الحكم اليابانيّ، حيث تمّ تقسيم شبه الجزيرة الكوريّة على طول خطّ العرض 38، حيث احتلّ الاتّحاد السوفيتيّ الشمال واحتلّت الولايات المتّحدة الجنوب، وهذا التقسيم، الّذي كان من المفترض أن يكون مؤقّتًا، مهّد الطريق لإنشاء دولتين كوريّتين منفصلتين.

وكان تقسيم كوريا نتيجة للتنافس الناشئ في الحرب الباردة بين الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفييتيّ، حيث كان لدى القوّتين العظميّين أفكار مختلفة حول كيفيّة حكم كوريا، ممّا أدّى إلى إنشاء حكومتين منفصلتين في الشمال والجنوب، وفي الشمال، اكتسب حزب العمّال الكوريّ المدعوم من السوفييت، بقيادة كيم إيل سونغ، السلطة، وفي 9 سبتمبر 1948، أعلن رسميًّا عن جمهوريّة كوريا الشعبيّة الديمقراطيّة (كوريا الشماليّة)، وكان كيم إيل سونغ أوّل رئيس وزراء لها، وأصبح تقسيم كوريا دائمًا، ممّا أدّى إلى تقسيم شبه الجزيرة الكوريّة إلى كوريا الشماليّة وكوريا الجنوبيّة.

وشكّلت الحرب الكوريّة، الّتي بدأت في 25 يونيو 1950، لحظة محوريّة في تاريخ كوريا الشماليّة، حيث اندلع الصراع عندما غزت القوّات الكوريّة الشماليّة، بدعم من الاتّحاد السوفيتيّ والصين، كوريا الجنوبيّة، وتدخّلت الأمم المتّحدة بقيادة الولايات المتّحدة للدفاع عن كوريا الجنوبيّة، استمرّت الحرب لمدّة ثلاث سنوات، وأدّت إلى دمار هائل وخسائر في الأرواح، وانتهت الحرب الكوريّة باتّفاقيّة هدنة في 27 يوليو 1953، ولكن لم يتمّ التوقيع على معاهدة سلام رسميّة مطلقًا، وكانت النتيجة تقسيم شبه الجزيرة الكوريّة، مع بقاء الشمال والجنوب في حالة حرب من الناحية الفنّيّة، كما تمّ إنشاء المنطقة المنزوعة السلاح شديدة التحصين (DMZ) على طول خطّ العرض 38، للحفاظ على التقسيم.

وقام كيم إيل سونغ، الّذي قاد كوريا الشماليّة خلال الحرب الكوريّة، بتعزيز سلطته في السنوات الّتي تلت الهدنة، حيث تبنّى عبادة الشخصيّة، وأصبح حكمه استبداديًّا بشكل متزايد، ووضع أسلوب قيادة كيم الأساس للحكم الأسريّ لعائلة كيم في كوريا الشماليّة، وقدّم كيم إيل سونغ أيديولوجيّة زوتشيه، وهي أيديولوجيّة الدولة الّتي تؤكّد على الاعتماد على الذات، والقوميّة، وفكرة أنّ الشعب الكوريّ يجب أن يكون سيّد مصيره، وأصبحت هذه هي الفلسفة التوجيهيّة للنظام السياسيّ في كوريا الشماليّة ولعبت دورًا مركزيًّا في تشكيل هويّة الأمّة.

وفي عهد كيم إيل سونغ وخلفائه، اتّبعت كوريا الشماليّة سياسة العزلة عن العالم الخارجيّ، حيث كان النظام يسيطر بشدّة على المعلومات، ويحدّ من الاتّصال بالأجانب، ويحافظ على اقتصاد مغلق، وكان هذا الموقف الانعزاليّ سمة مميّزة للسياسة الخارجيّة لكوريا الشماليّة، كما كان البرنامج النوويّ لكوريا الشماليّة، والّذي بدأ في ستّينيّات القرن الماضي، مصدرًا رئيسيًّا للقلق الدوليّ، وقد أدّى سعي النظام لامتلاك أسلحة نوويّة إلى توتّرات مع المجتمع الدوليّ، بما في ذلك العقوبات والجهود الدبلوماسيّة لإخلاء شبه الجزيرة الكوريّة من الأسلحة النوويّة.

وبعد وفاة كيم إيل سونغ في عام 1994، تولّى ابنه كيم جونغ إيل السلطة، واتّسم حكم كيم جونغ إيل بالصعوبات الاقتصاديّة والمجاعة والعزلة المستمرّة، ومع ذلك، فقد حافظ على سيطرة النظام على السكّان والجيش، وأدّت وفاة كيم جونغ إيل في عام 2011 إلى صعود ابنه، كيم جونغ أون، إلى منصب المرشد الأعلى لكوريا الشماليّة، حيث اتّسم حكم كيم جونغ أون بالسعي العدوانيّ لامتلاك القدرات النوويّة واتّخاذ موقف أكثر تصادميّة تجاه المجتمع الدوليّ، ويظلّ أسلوب قيادته سلطويًّا، وتستمرّ عبادة الشخصيّة المحيطة بعائلة كيم في لعب دور مركزيّ في المجتمع الكوريّ الشماليّ.

وظلّ سجلّ حقوق الإنسان في كوريا الشماليّة لفترة طويلة موضوعًا للإدانة الدوليّة، حيث تستمرّ التقارير عن القمع السياسيّ، ومعسكرات العمل القسريّ، وانتهاكات حقوق الإنسان، ممّا يثير المخاوف بشأن سكّان كوريا الشماليّة، كما أدّى النظام الاقتصاديّ المغلق وسوء الإدارة في كوريا الشماليّة إلى الركود الاقتصاديّ والفقر، على الرغم من المحاولات المتفرّقة للإصلاح الاقتصاديّ، لا تزال البلاد تواجه تحدّيات اقتصاديّة حادّة.

إنّ الجهود المبذولة لإشراك كوريا الشماليّة دبلوماسيًّا وإخلاء شبه الجزيرة الكوريّة من الأسلحة النوويّة مستمرّة منذ سنوات، أمّا المبادرات الدبلوماسيّة، مثل المحادثات السداسيّة الّتي تضمّ كوريا الشماليّة، وكوريا الجنوبيّة، والولايات المتّحدة، والصين، وروسيا، واليابان، فقد حقّقت نجاحًا متباينًا، ولا يزال مستقبل العلاقات الدوليّة مع كوريا الشماليّة غير مؤكّد.

التعليقات