نجيب محفوظ... "لو كان حيا لعاقبناه"

في خلاف معروف بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وبعد شهور قليلة من "هزيمة يونيو"، هدد عامر بالقبض على نجيب محفوظ بعد روايته المزلزلة حينها "ثرثرة فوق النيل"، إذ اتهمت الرواية حينها بالخلاعة وإفساد أخلاق الشعب المصري.

نجيب محفوظ...

في خلاف معروف بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وبعد شهور قليلة من "هزيمة يونيو"، هدد عامر بالقبض على نجيب محفوظ بعد روايته المزلزلة حينها "ثرثرة فوق النيل"، إذ اتهمت الرواية حينها بالخلاعة وإفساد أخلاق الشعب المصري، والتي وجدها عبد الحكيم عامر آنذاك تمسّ بشخصيته مباشرة، فما كان من عبد الناصر إلا أن ردّ عليه "احنا عندنا كام محفوظ يا حكيم".

يمكن القول إنّ كاتبًا بحجم نجيب محفوظ، حرّك المياه الراكدة في عصره، مما عرّضه للكثير من الهجوم، كما تعرّض لمحاولة اغتيال فاشلة، وبعد سؤال المتهم في المحكمة، تبيّن أنّه لا يعرف القراءة أو الكتابة، لكن هل اقترب نجيب محفوظ بتصوير شخصياته من الواقع إلى هذه الدرجة، ليطالب أحدهم بمعاقبته وهو ميت؟

بدأ برلمان السيسي في بدايته ببثّ الجلسات مباشرة على التلفزيون المصري، ولكن ما لبث النظام أن منع البث لاحقًا لمعرفته بمستوى هكذا برلمان، وما يمكن أن يصدر عنه من تصريحات مضحكة في كثير من الأحيان، وهو ما نراه اليوم، خاصة بعدما استجمع عضو البرلمان المصري أبو المعاطي مصطفى كافة قواه العقليّة، ليقول إنّ "أدب نجيب محفوظ هو خادش للحياء العام"، وخلال توضيحه لموقفه أجاب بفخر "نعم... قرأت له عندما كنت صغيرًا رواية الجبل" مما زاد الطين بلّة، وبغض النظر عن عدم وجود رواية لمحفوظ بهذا الاسم، إلا أنّ صاحب الثلاثيّة كان يكتب عن هؤلاء الذين يشبهون أبو المعاطي مصطفى.

منذ ذلك اليوم وحتى الآن، لا تختلف الأمور كثيرًا، وقد حدث هذا الأمر في عام 1960، عندما قدّم محفوظ لاستجواب برلماني، سيكون شبيهًا بما يحدث اليوم لو كان حيًّا، إذ هاجمه وزير الاقتصاد آنذاك حسن عباس زكي، بسبب إسناد جهاز الرقابة إلى محفوظ "المتهم في عقديته الدينيّة"، خاصة بعد كتابته لرواية "أولاد حارتنا"، التي تعرّض لمحاولة الاغتيال على إثرها، بعد تحريض مباشر من الأزهر والشيخ الغزالي.

من الأشياء التي اشتهر بها أبو المعاطي، هي مشاداته الدائمة في جلسات البرلمان، وكانت أوّلها مع رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور، والوصول إلى أقذر أنواع الشتائم فيما بينهما، ثمّ رفضه لإسقاط عضوية "عكاشة" وذلك من أجل "عدم إهدار التقاليد البرلمانيّة المتعارف عليها".

لم تكن هذه هي الواقعة الأولى للنائب المعاطي، إذ تمّ إبلاغ الشرطة المصرية قبل أيّام عن وجود تهديد للأمن القومي المصري في دمياط، ويجب التصدي لأيّ محاولات خبيثة، وبعد وصول الشرطة وجدوا طائرة صغيرة للعب تعود لأحد الأطفال!. وفي وقت سابق، كان النائب بطلًا لواقعة في أحد مساجد مدينة دمياط، إذ اشتبك بالأيدي مع الخطيب، بعد خطبة عن العلاقة بين المسلمين وغيرهم في مصر.

لا يقتصر الهجوم على الكتّاب في هذه الحادثة فقط، فمن خلال النظر سريعًا إلى واقعنا العربيّ، وطريقة تعاملنا مع الكتّاب والكتب، نكتشف أنّنا قد وصلنا إلى الدرك الأسفل ثقافيًّا، فقد شهدت مدينة طرابلس في لبنان عام 2014، إحراق مكتبة السائح التاريخية التي تضمّ أكثر من 80 ألف كتاب، وإحراق المكتبة المركزية في الموصل عام 2015 من قبل تنظيم داعش، وحرق أكثر من 200 ألف كتاب في المجمع العلمي في مصر، عدا عن الدعوات لإحراق كُتب بعينها، كما حدث مع الكاتبين الفلسطينيين إبراهيم المهوي وشريف كناعنة، عن كتابهما "قول يا طير" الذي  يحوي على حكايات شعبيّة، والدعوات لإحراق كتب سعدي يوسف، وحبس الروائي المصري أحمد ناجي بحجة "خدش الحياء العام"، واغتيال ناهض حتّر أمام قصر العدل في عمّان.

اقرأ/ي أيضًا | "جوجل" يحتفي بكاتبة "نساء صغيرات" لويزا ماي ألكوت

التعليقات