أحياء تحت الأرض... قصص لعائلات سورية تعيش في الكهوف

بعد ستّ سنوات من الحرب الدائرة في سورية، بعد ثورة مدنية انطلقت للمطالبة بالحرية والكرامة والعيش كباقي شعوب الأرض، أجبرت الحرب السوريين على العيش بطريقة أخرى غير التي يعرفها سكّان الحرب، إذ يعيش عدد كبير في الكهوف والمغاور.

أحياء تحت الأرض... قصص لعائلات سورية تعيش في الكهوف

(رويترز)

بعد ستّ سنوات من الحرب الدائرة في سورية، بعد ثورة مدنية انطلقت للمطالبة بالحرية والكرامة والعيش كباقي شعوب الأرض، أجبرت الحرب السوريين على العيش بطريقة أخرى غير التي يعرفها سكّان الحرب، إذ يعيش عدد كبير في الكهوف والمغاور، هربًا من الحرب التي دمّرت منازلهم، ودفعتهم للعيش تحت الأرض وهم أحياء.

يعيش سكّان الكهوف في المناطق الأكثر سخونة في سورية، حيث تكون أغلبية هذه المناطق في ريف حلب وإدلب ودرعا، التي تتعرّض بشكل يومي لعشرات الغارات الجوية من الطيران الروسي والسوري، ومدفعيات قوّات النظام وحلفائه.

أدّى القصف الجوّي المتكرر على مدينة إدلب وريفها، والتي أصبحت ملاذًا لمقاتلي المعارضة الذين غادروا مناطقهم، إلى لجوء مئات الأسر السورية إلى الكهوف والمغاور والمناطق الجبلية والأثرية.

عبدو شاهين، وهو من ريف حلب الشمالي، غادر منزله الواقع على أطراف قرية رتيان في شمال غرب حلب، وذلك بعد هجوم القوات الحكومية مطلع العام الحالي، وخروج جميع سكّان القرية التي دمرت جميع بيوتها، حيث اشترى خيمة لتأويه هو وزوجته وأطفالهما الخمسة، إذ قام بنصبها قرب بلدة عندان، إلا أنّ المنطقة التي نصب خيمته فيها تعرّضت للقصف مرّة أخرى، الأمر الذي أجبرهم على العيش في مغارة تقع على سفح تلّة قرب بلدة عندان، والتي تعرف بمنطقة المغاور.

وقال عبدو شاهين ذو الـ42 عامًا، "لقد أمضيت أكثر من 10 سنوات أعمل في لبنان، حتّى استطعت بناء منزل في قريتي رتيان، ولكن البيت تحوّل إلى كومة ركام بعد قصفة خلال خمس دقائق، وذلك عندما قصفته طائرة مروحية ببرميل متفجر... لقد شاهدت منزلي وهو يتحول إلى كومة من الحجارة، ثمّ اشترينا أنا وجيراني خيامًا تمّ نصبها على أطراف مدينة عندان، إلا أنّ المنطقة تعرّضت لقصف من الطائرات الروسية، وعندها قرّرت أنا وخمسة من جيراني أن نسكن في مغارة تعود إلى عصور الرومان، وهي على أطراف البلدة".

وأضاف شاهين، "لقد أعدنا ترتيب المغارة وحفر بعض الجدران بداخلها، وجعلها على شكل شقة سكنية... هنا أستطيع النوم وعائلتي بدون خف من القصف الجوي".

وأشار شاهين إلى أنّ هذا الأمان من القصف والمعارك، جعلهم يدفعون ثمنه من خلال نقص الأكسجين في المغارة، حين يثومون بإشعال النار للتدفئة خلال فصل الشتاء، قائلًا "نقوم بإشعال النار خارج المغارة، وثمّ ندخلها، ومع ذلك نشعر بضيق التنفس لضيق المكان، وعدم وجود مكان يسمح بدخول الهواء".

ويضيف ابن بلدة رتيان التي تغطيها أشجار الزيتون "لم أكن أتخيل يومًا أن نصل إلى هذه الحالة، سمعنا أن هناك أشخاصًا منذ مئات السنين يعيشون في الكهوف، ولكن أن نعود في هذا الزمن للعيش في كهف... هذا ما لم يكن أحد ليتخيله!".

وتابع "لقد كانت هذه المغاور مكانًا مخيفًا، ولا يجرؤ أحد على دخولها خوفًا من وجود ذئاب وضباع، ولكن يبدو أنّها أصبحت مكانًا لسكنتنا بدلًا من تلك الحيوانات.

يعيشون تحت الأرض... حتّى وهم أحياء

ويقول المحاضر في قسم الجغرافيا في جامعة حلب، الأستاذ عبد القادر محمد، "انتشار المغاور والكهوف في مناطق ريف حلب وإدلب هي ظاهرة معروفة، إذ يوجد مئات الكهوف التي أنشأها الرومان، وكذلك تمّ توسعتها من قبل العثمانيين، وكانت هذه المغاور هي محطات استراحة لقواتهم أثناء تنقلاتهم، في مراحل أخرى أصبحت ملجأ للثوار إبّان الاحتلال الفرنسي، ولكنها الآن أصبحت مكانًا لسكن عائلات هربت من قصف النظام".

وفي ريف بلدة كنصفرة، في محافظة إدلب، والتي تضم العديد من مخيمات النازحين، ولكن هذه المخيمات التي تم بناؤها بشكل عشوائي، دفعت العشرات من العائلات إلى ترك المخيمات والعيش في كهوف تكثر في هذه البلدة الجبلية.

ويقول عبد السلام فاضل، وهو أحد سكّان كهوف بلدة كنصفرة، "أملك أرضًا زراعية في بلدة كنصفرة، وإلى جانبها يوجد كهف، وعلى مدى 45 عامًا لم أجرؤ يومًا على دخوله، ولكن بعد أن دمّر بيتي خلال قصف على المدينة، لم يكن أمامي سوى الكهف، وجمعت عددًا من أصدقائي وقمنا بترتيبه وتنظيفه".

وأشار إلى أنّ الكهف تتجاوز مساحته الـ400 مترًا، إذ قام بعزل جزء منه للأغنام والباقي للسكن، لافتًا إلى أنّ الكثير من العائلات النازحة وأبناء المدينة الذين تعرضت بيوتهم للدمار، اتجهوا إلى الكهوف الرومانية التي يتجاوز عددها العشرات في المدينة، ونظرًا للمساحة الواسعة في بعض الكهوف، هناك عدد من العائلات تتقاسم الكهف الواحد.

وشكّلت منطقة اللجاة ملاذًا لعائلات تعرّضت للملاحقة، أو قصف قراهم وبلداتهم، ولم يتجهوا إلى مخيمات الأردن، حيث يقول الناشط الإعلامي أيسر الزعبي "في منطقة اللجاة أكثر من 150 عائلة تعيش في المغاور، على الرغم من خطورتها على حياة أطفالهم، نظرًا لكثرة الزواحف ومنها الأفاعي والعقارب، إلا أنّهم اعتادوا على تلك الحياة من خلال تربية الأغنام وبعض الزراعات المنزلية التي توفر لهم الطعام والكهوف التي توفر لهم الأمان.

جلّ ما يتمناه سكّان الكهوف هو العودة للعيش في بيت يرون فيه ضوء الشمس، ويسمعون صوت الرياح، ولكن الحرب في سورية لها رأي آخر... ورأيها أن يعيشوا تحت الأرض، حتّى وهم أحياء.

التعليقات