الشيطان في ملابس النيرد… كيف خدع سام بانكمان الجميع؟

قبل انهيار سوق العملات المشفرة هذا العام، بدا الأمر وكأن جزءًا كبيرًا من المستخدمين العاديين بدأوا الثقة في هذه الصناعة، لكن أزمة شركة FTX أعادت عقارب الساعة إلى الوراء لسنوات

الشيطان في ملابس النيرد… كيف خدع سام بانكمان الجميع؟

sanm bankman fried (getty)

في السادس عشر من أيلول/ سبتمبر 2022، بث برنامج Squawk Box على قناة CNBC مقطعًا عن سام بانكمان فريد - الرئيس التنفيذي، في ذلك الوقت، لبورصة العملات المشفرة FTX - وعن عمليات الاستحواذ التي قام بها مؤخرًا في أعقاب تراجع الصناعة. "يسمونه جي بي مورغان للعملات المشفرة، أليس كذلك؟" سأل المضيف، وقارن بانكمان فريد مع المموّلين، إذ إنّه دعم عددًا لا يحصى من البنوك الفاشلة، من أجل تحقيق الاستقرار في القطاع الماليّ بأكمله.

كانت تلك اللقطة لبانكمان فريد وهو يهرول في موقف السيارات عجيبة. إنّه ملياردير يبلغ من العمر 30 عامًا، ويقود سيّارة تويوتا كورولا، ويعيش في جزر الباهاما مع تسعة من رفقاء السكن. لقد أصبح واحدًا من أسرع الأغنياء في التاريخ، بعد أن أطلق شركته الأكثر شهرة عام 2019.

في مقابلة معه، جلس على الكرسيّ، وتحدّث عن التحرّكات التي أدّت إلى مقارنته بمورغان: الاستثمارات الهائلة التي قامت بها شركته من أجل الحفاظ على "النظام البيئي" للعملات المشفّرة، على حدّ قوله. وبعد شهرين، أُلقيت قصّة "الفارس الأبيض" في سلّة المهملات، بعدما نشر موقع "كوين ديسك" وثائق هزّت ثقة الناس بهذا الشخص. كانت سرعة هذا التحوّل في وسائل الإعلام الماليّة، كافية لإحداث صدمة للمستثمرين.

في 2021، عرضت مجلّة فوربس بانكمان فريد على غلافها لقائمة أغنى 400 أميركيّ، ضمن ملفّ شخصيّ يركّز على وعود هذا الشابّ بالتبرّع بثروته المتزايدة. وفي الخريف الماضي، نشرت المجلّة ذاتها مقطع فيديو بعنوان "الشيطان في ملابس المجهتدين… كيف خدع سام بانكمان فريد الجميع؟". وعلى يوتيوب، تميل التعليقات إلى أن تكون تلميحات ساخرة عن هذا التحوّل، ولم يروِ أحد قصّة متّسقة تجمع بين مرحلة ما قبل الانهيار وما بعده، حتّى أنّ أكثر المعلّقين غضبًا، لم يتحدّث إلّا بالقليل من التفاصيل، مثل افتقار بانكمان فريد للعمل الخيريّ، ومن هنا، بدأت تسود السذاجة.

ماذا نعرف عن انهيار FTX

FTX هي شركة مفلسة الآن وكانت واحدة من أكبر بورصات العملات المشفرة في العالم. الشركة كانت تمكّن العملاء من تداول العملات الرقمية بعملات رقمية أخرى أو أموال تقليدية؛ وكانت لديها أيضًا عملة مشفرة أصليّة تُعرف باسم FTT. قامت الشركة، ومقرّها جزر الباهاما، ببناء أعمالها على خيارات تداول محفوفة بالمخاطر غير قانونية في الولايات المتحدة.

من هو سام بانكمان فرايد؟ هو مؤسس FTX البالغ من العمر 30 عامًا والرئيس التنفيذي السابق للشركة. كان يومًا ما فتى ذهبيًا في صناعة العملات المشفرة، وكان مانحًا رئيسيًا للحزب الديمقراطي ومعروفًا بالتزامه بالإيثار الفعال، وهي حركة خيرية تحث أتباعها على التخلي عن ثرواتهم بطرق فعالة ومنطقية.

لماذا تم القبض على بانكمان فريد إذًا؟

أطلق انهيار FTX تحقيقات من قبل وزارة العدل، وركزت لجنة الأوراق المالية والبورصات على ما إذا كانت FTX قد استخدمت أموال العملاء بشكل غير صحيح لدعم Alameda Research، وهي منصة تداول عملات رقمية ساعد في إطلاقها بانكمان فريد في إطلاقها. في 12 كانون الأول/ديسمبر، ومن ثمّ ألقي القبض على السيد بانكمان فرايد في جزر الباهاما بتهمة الكذب على المستثمرين وارتكاب الاحتيال. في اليوم التالي، رفعت لجنة الأوراق المالية والبورصات أيضًا ضدّه اتهامات بالاحتيال المدني .

أصر بانكمان فريد على البقاء كشخصيّة رئيسيّة في هذه القصة وأجرى العديد من المقابلات المسجلة وظهر في مؤتمر DealBook Summit في The Times. نمت ملحمة صعوده وهبوطه بشكل أكبر وأكبر، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها تحكي قصة تشفير نادرة: النوع الذي يمكن التعرّف عليه، خاصّة عند أولئك غير المهتمين بالعملات المشفرة، حتّى قُبض عليه في جزر الباهاما ووجهت إليه تهمة مجموعة متنوعة من الاحتيال في الولايات المتحدة، وأصبح فيلم الإثارة المالي الضخم فيلمًا قانونيًا.

في طريقه إلى القمة، كان فاعل خير ناشئ. وفي طريقه إلى الهبوط، كان دليلاً لأولئك الذين كانوا دومًا يردّدون أن العملات المشفرة لم تكن أكثر من مجرد لعبة.

هناك العديد من القصص حول شبكات الإنترنت المبكّرة، مثل Theranos و WeWork، والتي بدأت جميعها تقريبًا كقصص عمل مثيرة حول الأشخاص والشركات التي بدت مستعدّة لإعادة تشكيل صناعها بطرق مبتكرة، وكان لديها رأس المال أو النموّ أو العوائد التي تشير إلى أنّها قد تكون كذلك. إلّا أنّه وفي نهاية المطاف، يكون صوت الحطام أعلى من أيّ صوت آخر، وصراخ المستثمرين هو الصوت المسموع.

وكانت منصّة FTX، قد شهدت أزمة ماليّة خانقة أواخر 2022، ممّا أدى إلى انهيار عملتها المشفّرة، وفي أثناء ذلك، وبعد عدم قدرة المستثمرين سحب أموالهم - أعلن بانكمان فريد عن استقالته من منصب الرئيس التنفيذيّ لشركة FTX، والتي رفعت دعوى إفلاس.

بلغ صافي ثروة بانكمان فريد 26 مليار دولار. وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر 2022، كانت ثروته الصافية المقدّرة بـ10.5 مليار دولار… وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ووسط الأزمة الماليّة، خسر بانكمان فريد 94٪ من ثروته في يوم واحد، ووفقًا لبلومبرج، فإنّ هذا الانخفاض يعدّ أكبر انخفاض في يوم واحد في تاريخ المؤشّر ككلّ. وبحلول 11 تشرين الثاني/ نوفمبر أعلن مؤشر بلومبرج للمليارات أنّ بانكمان فريد لم يعد ثريًّا ولا ضمن قائمة المليارديرات، ووصفتها بأنّها واحدة "من أعظم قصص ضياع الثروات عبر التاريخ".

قبل تآكل ثروة بانكمان فريد في تشرين الثاني/ نوفمبر، كان مانحًا رئيسيًّا للحزب الديمقراطيّ، وكان ثاني أكبر مانح فرديّ لجو بايدن في دورة انتخابات 2020، حيث تبرّع شخصيًّا بمبلغ 5.2 مليون دولار، وتبرّع بمبلغ 40 مليون دولار للحزب الديمقراطيّ خلال انتخابات التجديد النصفيّ للولايات المتّحدة 2022.

ما الذي حدث؟

جميع منصّات تداول العملات المشفّرة، تملك نسختها الخاصّة من العملة، والتي تعرف عادة باسم "العملة المشفّرة الأصليّة، وكانت FTX تملك عملتها FTT، والتي يستخدمها العملاء والمستثمرون عبر المنصّة لدفع رسوم المعاملات التي يجرونها، وفي العام الماضي، باع الملياردير الصيني تشانغبينج تشاو حصّته في شركة FTX إلى بانكمان فريد، والذي دفع جزءًا من تلك الصفقة بعملة FTT.

بانكمان فريد لم يكن يملك المنصّة فحسب، لكنّه كان يملك أيضًا شركة Alameda Research، وهي واحدة من صناديق التحوّط، وتعتبر شركة كبيرة في تداول العملات الرقميّة. وبعد قيام موقع "كوين ديسك" بتسريب وثائق من داخل الشركة، تظهر أنّ شركة Alameda Research تملك كميّة كبيرة من عملة FTT، الخاصة بمنصة FTX، وهو ما يعادل مليارات الدولارات، وتستخدمها كضمان للقروض، وبهذا الوضع، فإنّ أيّ انخفاض في قيمة عملة FTT سيتسبّب في ضرر للشركتين، بالنظر إلى الملكيّة المشتركة لبانكمان عليهما. لكنّ عملة الشركة نفسها، لم يكن لها في الحقيقة أيّ قيمة تتجاوز وعود الشركة التي أطلقتها، بشراء أيّ من هذه العمل بسعر 22 دولارًا للعملة الواحدة، وهو ما أثار المخاوف، بأنّ الشركة كانت مجرّد قلعة بنيت من الرمال.

ببساطة، كان الأمر أشبه بالآتي… "تخيّل أنّ بطاقة الـ ATM الخاصّة بك توقّفت عن العمل فجأة، لأنّ المدير التنفيذيّ للبنك قرّر أن يضع أموالك في صفقات عالية الخطورة، في شركة أخرى يملكها هو.

إلى الوراء در

إنّ انهيار سوق العملات المشفّرة، أصبح أمرًا معتادًا خلال الشهور الماضية، ولكن حتّى بالنسبة لهذه الصناعة المعروفة بتقلّباتها، فإنّ سقوط بانكمان كان بمثابة الضربة القاتلة للسوق، وهو المفروض أنّه كان الفتى المعجزة لهذا العام، وأنّه يملك رؤية لمستقبل الصناعة ككلّ، وكان يتخيّل فيها أنّ تداول العملات الرقميّة سيكون بسهولة التسوّق على أمازون".

لكن حتّى مع هذا الانهيار الكبير الذي هزّ أسواق العملات المشفّرة، فلا يزال حلم وفكرة التشفير قائمًا كما صاغه ساتوشي ناكاموتو، في أعقاب الأزمة الماليّة العالميّة 2008، وهو ببساطة، وضع حدّ لجشع البنوك، وجعل التعامل في الأموال يمرّ دون وسيط بين الناس، ولكن الآن، وبعد ما حدث، يبدو أنّ العملات الرقميّة في أضعف حالاتها، والأهمّ أنّها أظهرت مرّة تلو الأخرى، خضوعها لسيطرة صناعة تشبه النظام الماليّ العالميّ الحاليّ.

وقبل انهيار سوق العملات المشفرة هذا العام، بدا الأمر وكأن جزءًا كبيرًا من المستخدمين العاديين بدأوا الثقة في هذه الصناعة، لكن أزمة شركة FTX ستعيد عقارب الساعة إلى الوراء لسنوات.

التعليقات