السيدة زينب... أم العواجز والمساكين

يعتبر مولد السيدة زينب من أكثر المناسبات الدينية والاجتماعية حضورا لدى المصريين

السيدة زينب... أم العواجز والمساكين

السيدة زينب أم العواجز والمساكين، أقرب نسل النبي “صلى الله عليه وسلم” لقلوب المصريين على اختلاف ثقافاتهم وطبقاتهم الاجتماعية، فالسيدة زينب التي يطيب لأهل مصر تسميتها بـ”أم المصريين”، هي بنت علي بن أبي طالب ” كرم الله وجهه ” وبنت السيدة فاطمة الزهراء ، وجدها لأمها النبي محمد  صلى الله عليه وسلم ، وجدتها لأمها السيدة خديجة بنت خويلد ، وزوجها عبدالله بن جعفر، ونشأت السيدة زينب في بيت النبوة، ومهبط الوحي والتنزيل، ومركز العلم والفضل، فنهلت من علوم جدها وأبيها وأخويها الحسن والحسين، وقد غذتها أمها بالعفة والكرامة ومحاسن الأخلاق والآداب.

وللسيدة زينب مكانة لا تضاهي في قلوب المصريين، فهي تتربع على عرش الأولياء، وهناك اعتقاد سائد هو أن السيدة زينب جاءت إلى مصر واستقرت بها، وتوفيت في هذا المكان الذي شيد فيه جامعها، ولذلك يؤمن المصريون أنها دفنت في مصر حيث مرقدها الشريف لاشتماله على جسدها الطاهر، على الرغم من وجود ضريح لها يحمل نفس الاسم في دمشق، حيث يسود اعتقاد آخر بأنها دفنت هناك.

وعن تسميتها قيل إن جبريل عليه السلام هبط على النبي، وقال له: (سم هذه المولودة زينب)، فقد اختار الله لها هذا الاسم، وأخبره أن حفيدته هذه سوف تعاني من أهوال الخطوب والكوارث، فأغرق هو وأهل البيت في البكاء، وقد كنيت الصديقة الطاهرة زينب (بأم كلثوم)، أما ألقابها فإنها تنم عن صفاتها الكريمة، ونزعاتها الشريفة وهي: (عقيلة بني هاشم)، والعقيلة هي المرأة الكريمة على قومها، والعزيزة في بيتها، كما لقبت (بالعالمة)، حيث كانت مرجعا للسيدات من نساء المسلمين يرجعن إليها في شؤونهن الدينية، (وبالكاملة)، وهي أكمل امرأة في الإسلام في فضلها وعفتها وطهارتها، (وبالفاضلة)، وهي من أفضل نساء المسلمين في جهادها وخدمتها للإسلام، ويطلق عليها المصريون لقب (أم هاشم)، لذلك تكثر في نداءاتهم وأدعيتهم صيغ الأمومة (يا ماما) و(ويا أُمة).

في وسط العاصمة القاهرة، وعلى مقربة من المنطقة المعروفة تاريخيا في مصر بالقاهرة الخديوية، يقع جامع السيدة زينب في الميدان المعروف باسمها، وهو الحي الذي عرف قديما باسم “قنطرة السباع”.

مسجد ورواق

يتكون مسجد السيدة زينب من سبعة أروقة يتوسطها صحن مربع مغطى بقبة، ويوجد أمام القبة ضريح السيدة زينب، ويوجد محراب جديد يتوسط المسجد، بالإضافة إلى المحراب القديم، ويوجد أمام المسجد رحبة مغطاة مساحتها مماثلة لمساحة الصحن، وفي الطريق الشمالي الغربي يوجد ضريح السيد العتريسي.

ومسجد السيدة زينب يعتبر مركزا للإشعاع الروحي الأبرز لكثير من سكان القاهرة ومريدي “الطاهرة” من المحافظات المصرية الأخرى، وعدد من البلدان العربية التي تنتشر فيها الطرق الصوفية، إذ يلجأ إليه المصريون من كل مكان بحثا عن علاج لأمراضهم الجسدية والنفسية، أو رغبة في تحقيق رجاء أو أمل، وذلك ببركة السيدة الجليلة، والتي ترقد في هذا المكان الطاهر.

وإذا كانت السيدة زينب هي ولية النساء، فإنها ليست أقل أهمية إلى الرجال، فسلوك الرجال أثناء إقامة الطقوس عند زيارة الضريح لا يختلف كثيرا عن سلوك النساء، حيث يطلقون العنان لمشاعرهم خصوصا أثناء المولد، فالسيدات يحضرن التماسا للمعجزات والكرامات لحل المشكلات التي تصعب عليهن، أو للوفاء بالنذور التي قطعنها على أنفسهن، فمنهن من يحضرن بحثا عن شفاء من مرض ألمَّ بهن أو يأخذ ذويهن، فالجامع والضريح يجذبان المريدين على مدار العام، فيأتون من مشارق مصر ومغاربها للتبرك والاستغاثة، فللسيدة زينب وجود متأصل في نفوس المصريين.

مولد كرنفالي

ويعتبر مولد السيدة زينب من أكثر المناسبات الدينية والاجتماعية حضورا لدى المصريين، ففي الشهر الأخير من شهر رجب كل عام يتوافد نحو مليون مصري من مختلف محافظات مصر، بخلاف سكان العاصمة المصرية القاهرة والمدن المجاورة لها، للاحتفال بمولد “أم العواجز” وسط أجواء كرنفالية مميزة لهذا الاحتفال السنوي الذي يُقام كل عام في مصر منذ مئات السنين، بل إن نابليون بونابرت عندما جاء إلى مصر على رأس الحملة الفرنسية حاول التقرب من المصريين بأن شاركهم في الاحتفال بالمولد، وذهب بنفسه لمكان جامع السيدة زينب لمشاركة رجال الطرق الصوفية في الاحتفال بالمولد، وانخرط في حلقات الذكر الصوفية داخل الجامع، بعد أن أشاع وسط عامة المصريين بأنه أسلم، وسمح لمن يشاء من قواده وجنوده باعتناق الإسلام، بل وأرسل تكاليف الاحتفال بالمولد للشيخ البكري نقيب الأشراف في مصر خلال هذه الفترة، وهي حيلة لم ينجح في خداع المصريين بها.

وينتهز محبو السيدة زينب الذين يفدون خصيصا في هذا المناسبة، المولد للتعبير عن حبهم للسيدة زينب، حيث يحضر محبو ومريدو “عقيلة بني هاشم” إلى الضريح قبل بداية الاحتفال بفترة قد تصل إلى أسبوع، حيث تُقام السرادقات ويفترش الناس الطرقات بإقامة مخيمات فيها.

وفي المولد تُقام حلقات الذكر داخل وحول المسجد، وتُقام الاحتفالات والعروض ووسائل التسلية في الشوارع الجانبية والساحات، وفي شارع “السد”، وهو الشارع الذي اشتهر بعد أن قدمت السينما المصرية فيلما شهيرا باسمه.

ويعتبر مولد السيدة زينب من فترات السياحة الداخلية التي تنتظرها المنطقة المحيطة بالمقام والفنادق الشعبية الرخيصة في المنطقة، فكثير من الباعة الجائلين في مصر ببضاعتهم البسيطة والسلع التقليدية التي ينشط الطلب عليها في الموالد والمواسم والأعياد، مثل ألعاب الأطفال الشعبية البسيطة، والهدايا التذكارية كالسبح والمصليات وعبوات الحلوى.

اقرأ/ي أيضًا| هنا داكار “باريس الأفريقية الصغيرة”

ووسط حلقات الذكر التي تنظمها الطرق الصوفية داخل جامع السيدة زينب وحولها، ينتشر الأطفال الذين يشاركون الذاكرين حلقات الذكر طمعا في الحصول على حلوى أو “رغيف خبز به قطعة من اللحم وبعض الأرز المطبوخ بطريقة أهل الريف المصري”، حيث تفوح منه رائحة وملمس السمن البلدي والدهن.

 

التعليقات