11 مليون لغم فرنسي ما زالت تفتك بالجزائريين

لم يكن خروج الاستعمار الفرنسي من الجزائر عام 1962 نهاية لمأساة دامت 133 عامًا، بل استمرت مخلفاته في حصد الضحايا بسبب ملايين الألغام التي زرعها وبقيت تنفجر بعد رحيله؛ ليسقط على إثرها آلاف القتلى وأصحاب الإعاقات الجسدية عبر عقود، فيما تسارع

11 مليون لغم فرنسي ما زالت تفتك بالجزائريين

لم يكن خروج الاستعمار الفرنسي من الجزائر عام 1962 نهاية لمأساة دامت 133 عامًا، بل استمرت مخلفاته في حصد الضحايا بسبب ملايين الألغام التي زرعها وبقيت تنفجر بعد رحيله؛ ليسقط على إثرها آلاف القتلى وأصحاب الإعاقات الجسدية عبر عقود، فيما تسارع السلطات المحلية الزمن لنزعها في عملية انطلقت قبل نصف قرن وما زالت متواصلة.

وأزال الجيش الجزائري قرابة 80 بالمائة من مجموع الألغام التي زرعتها السلطات الاستعمارية؛ وتم ذلك على مرحلتين، الأولى بدأت في عام 1963 وتواصلت 25 عامًا، والثانية بدأت في عام 2004 ومستمرة إلى اليوم، فيما تعلن وزارة الدفاع بشكل دوري في بيانات عن تدمير مئات الألغام التي زرعها الجيش الفرنسي أثناء حرب التحرير (1954-1962).

ويفوق عدد الألغام الذي أزالتها وحدات الجيش الجزائري المتخصصة على المرحلتين 8.8 ملايين لغم أرضي، ما يعني أنه تمكن من تطهير أغلب المواقع التي كنت حقول ألغام في السابق، بحسب بيانات رسمية.

وقال أستاذ التاريخ في جامعة العاصمة الجزائرية، زعباب حسن، إن 'دراسات تاريخية عسكرية فرنسية تشير إلى أن الجيش الفرنسي زرع 11 مليون لغم في الجزائر أثناء حربه ضد جيش التحرير الوطني، أغلبها في المناطق الحدودية الجزائرية مع كل من تونس والمغرب، لمنع وصول الإمدادات للثوار ضد المستعمر.

وأضاف زعباب أنه 'لا توجد إحصائية دقيقة لعدد ضحايا الألغام الجزائريين، إلا أن عددهم التقريبي خلال 54 سنة من بعد الاستقلال يتعدى 50 ألف ضحية، منهم من قتل ومنهم من أصيب بجروح وحالات إعاقة خطيرة بسبب حالات بتر الأعضاء'.

وأفاد الضابط المتقاعد من الجيش الجزائري، زواهر بشير، من مدينة بشار: 'بدأنا في عام 1963 عملية نزع الألغام، كنا أعضاء في كتيبة هندسة بالتعاون مع خبراء من الاتحاد السوفييتي، وقد قتل في أثناء عملنا 5 عسكريين جزائريين في 4 أعوام وأصيب 6 آخرون بإعاقات نتيجة انفجار الألغام أثناء نزعها، التي كانت تتم بوسائل بسيطة في ذلك الحين'.

وأوضح أن 'عملية إزالة الألغام تواصلت طيلة 30 عامًا في الفترة بين 1963 و1988، حيث اضطرت السلطات لإيقافها بسبب الأزمة الاقتصادية، ثم عادت بشكل أكثر قوة في عام 2004'.

اليوم، كما يقول الضابط الجزائري 'توجد ألغام فقدت فاعليتها بسبب بقائها في باطن الأرض لـ60 عامًا تقريبًا، بينما توجد غيرها ما زالت فعالة وهي التي زرعت في مناطق جافة'.

الضابط الذي غادر الجيش الجزائري برتبة رائد بسبب إحالته إلى التقاعد عام 1989، يصف عملية إزالة الألغام في الحدود قائلًا: 'كانت عملية شاقة جدًا ومتعبة، حيث كانت تتم بوسائل تقليدية نسبيًا، مجرد أجهزة للكشف عن المعادن، وكان الجنود تقريبا لا يرتدون البزات الواقية المعروفة الآن، إلا أنهم تمكنوا في السنوات الأولى من تطهير مساحات واسعة من الأرض المزروعة بالألغام'.

وأشار بشير إلى أن القيادة العسكرية في ذلك الوقت، أي في الستينات من القرن الماضي، قررت الاستعانة بعمال جزائريين سخرتهم القوات الاستعمارية لإقامة خطي 'شارل وموريس'، وهما خطان من الأسلاك الشائكة وحقول الألغام أقامهما الجيش الفرنسي أثناء حرب التحرير الجزائرية على طول الحدود بين الجزائر وتونس ومع المغرب، حيث لا تملك الجزائر خرائط لحقول الألغام الموجودة، وهو ما صعب العملية.

من جانبه، قال الخبير العسكري، محمد تاواتي، إن الألغام المزروعة في الجزائر تنقسم إلى أنواع عدة، منها المضادة للأفراد والجماعات، والمضيئة، التي زرعت على الحدود الجزائرية التونسية والجزائرية-المغربية لمنع وصول الإمدادات لقوات جيش التحرير الوطني الجزائري، ثم قنابل عادية وأخرى عنقودية، ألقتها الطائرات الفرنسية ولم ينفجر أغلبها، وهي التي تسببت في أغلب الإصابات وسط المدنيين الجزائريين، لأنها ألقيت في مناطق جبلية وريفية، ثم قذائف المدفعية التي لم تنفجر بعد إطلاقها؛ وأخيرًا، قنابل في شكل أواني وعلب معدنية وتدعى 'شراك'، أو الفخ.

أحد ضحايا الألغام من مدينة بشار، شمس الدين باهي،  روى كيف فقد إحدى يديه في عام 1970 وكان عمره حينها 11 عامًا، قائلًا: 'كنت أرعى مواشي جدي رحمه الله، وقد حذرني كبار السن في قرية بوداغ القريبة من الحدود مع المغرب من السير في منطقة واسعة، حددها سكان القرية بعلامات هي حجارة ملونة'.

وتابع: 'أثناء رعي قطيع من الأغنام هرب مني خروف نحو حقل الألغام، وأثناء محاولة الإمساك به انفجر لغم تحت قدم الخروف الذي تفتت جسده، بينما أصابت شظية كبيرة قدمي'، مضيفًا: 'قد نقلت للعلاج على الفور، وقرر الأطباء بتر قدمي اليسرى'.

وهناك آلاف الرجال الجزائريين الذين يتعدى سنهم 50 سنة من أمثال شمس الدين يعيشون بإعاقات دائمة بسبب ألغام الاستعمار الفرنسي.
ويحصل اليوم شمس الدين على إعانة شهرية من الحكومة بسبب اللغم الذي أفقده رجله، وقد منحت له الحكومة، كما يقول، بيتًا يقيم فيه حاليًا.
بدوره، قال رئيس جمعية ضحايا الألغام المضادة للأشخاص في الجزائر، محمد جوادي، في تصريحات صحافية سابقة: 'تعمل جمعيتنا مع مختلف الوزارات، على غرار وزارة المجاهدين (قدماء المحاربين) والتضامن الوطني والصحة، من أجل وضع بنك معلوماتي حول الضحايا'.

وأوضح أن 'الجزائر تعد البلد الوحيد الذي يخصص منحة لهذه الفئة من بين 163 بلدًا موقعًا على اتفاقية أوتاوا لنزع الألغام'، معتبرًا أن 'تم تسجيل آخر الضحايا خلال شهر آذار/مارس الماضي في مدينة الأغواط، إذ لم تقع أي ضحية منذ 2011 بفضل جهود وحدات الجيش'.

اقرأ/ي أيضًا | 'الحركي': العميل يتحدث لأول مرة منذ الثورة الجزائرية

التعليقات