الرشيد.. قلعة مقاومة منسية في موريتانيا

لا يزال حيها القديم شاهدًا على معارك ضارية بين المقاومة والمستعمر الفرنسي، قبل أكثر من مائة عام، بلدة "الرشيد" الموريتانية صمدت في وجه الاستعمار، لكنها تتهاوى أمام الإهمال والجفاف وزحف الرمال.

الرشيد.. قلعة مقاومة منسية في موريتانيا

لا يزال حيها القديم شاهدًا على معارك ضارية بين المقاومة والمستعمر الفرنسي، قبل أكثر من مائة عام، بلدة 'الرشيد' الموريتانية صمدت في وجه الاستعمار، لكنها تتهاوى أمام الإهمال والجفاف وزحف الرمال.

البلدة، التي تقع وسط موريتانيا، اكتسبت شهرتها التاريخية، بالوقوف في وجه المستعمر الفرنسي، وأذاق رجالها المستعمرين، مرارة الهزيمة، لتتعرض لانتقام مرير من الآلة العسكرية الفرنسية، لاحقًا.

ففي 16 آب/أغسطس 1908، تعرضت البلدة لتدمير ممنهج على يد الفرنسيين، بعد قتال ضارٍ مع المقاومة بقيادة محمد المختار ولد الحامد (توفي عام 1915 في طريق مكة – المدينة بعد أن هاجر إلى أرض الحجاز، ودفن في البقيع).

وتأسست بلدة 'الرشيد'، كما يقول المؤرخون، قبل نحو ثلاثة قرون، وتحولت حينها إلى مركز تجاري مهم يقع على طريق القوافل المتجهة من بلاد السودان إلى الأطلسي والمغرب، ما جعلها ضمن المراكز النشطة في المنطقة.

وتقع البلدة في الجزء الشمالي من ولاية (محافظة) تكانت، وتحيط بها سلسة هضاب وكثبان رملية باتت تزحف عليها بشكل سريع وتهدد بابتلاع حيها القديم.

وظلت خلال السنوات الأولى لتأسيس الدولة الموريتانية، أحد أهم المراكز الحضرية في البلاد، لكن سنوات الجفاف التي ضرب البلاد سبعينيات القرن الماضي، أجبرت أغلب سكانها على الهجرة إلى العاصمة، نواكشوط، وبعض المراكز الأخرى.

ويقطن في البلدة، حاليًا، نحو 25 ألف نسمة، من أصل 3.89 ملايين، هم إجمالي عدد سكان البلاد.

ويقول الباحث في التاريخ الحديث ومدير 'دار قوافل للنشر'، سيد أعمر ولد شيخنا، إن بلدة الرشيد تعد المدينة الموريتانية الوحيدة التي دمرها المستعمر الفرنسي (16 آب 1908) بشكل كامل، مستخدمًا في ذلك المدفعية الثقيلة.

ويضيف ولد شيخنا أن الهجوم الفرنسي المباغت على الرشيد (1908) جاء في سياق رد الإدارة الاستعمارية على موقف سكانها وزعيمهم محمد المختار ولد الحامد، الذي كانت الإدارة الفرنسية، تراهن على موقفه المؤيد لها، وبموجب ذلك منحته سلاحًا فرنسيًا متطورًا.

لكن ولد الحامد انحاز يوم معركة أنيملان، بين المقاومة والمستعمرين (17 نوفمبر/تشرين الثاني 1906) للمقاومة.

ولعبت المجموعات، التابعة له بخبرتها القتالية وسلاحها المتطور، دورًا حاسمًا في ترجيح كفة المقاومة وتم إلحاق هزيمة مدوية بالقوات الاستعمارية.

ورأى ولد شيخنا أن هذه التطورات هي التي أغضبت الفرنسيين وتم التوجه للانتقام من ولد الحامد، الذي كان ينسق مع رجال المقاومة ووضع ثقله الروحي والاجتماعي في خدمة مشروع التحرير، كما قام بالانفتاح على المغرب المجاور من خلال الشيخ ماء العينين، الذي اشتهر بدوره في المقاومة.

ورأي الباحث سيد أعمر ولد شيخنا (وهو، أيضًا، مؤلف كتاب 'موريتانيا المعاصرة شهادات ووثائق')، أن بلدة الرشيد عانت بشكل خاص من انتقام المستعمر الفرنسي، وتنكر الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد.

وأضاف: 'لم تدرج قصة تدمير هذه المدينة العريقة، وشهدائها ومهاجريها ضمن مناهج التعليم بموريتانيا، كما لم يذكر أي من أبطالها وفي مقدمتهم محمد المختار ولد الحامد ضمن أبطال المقاومة، إنها مفارقة عجيبة'.

واستغرب ولد شيخنا عدم زيارة أي مسؤول موريتاني للمدينة المدمرة طيلة العقود الماضية، كما اتهم الأنظمة المتعاقبة على البلاد بتعمد 'تجاهل' هذه البلدة وتاريخها الذي وصفه بالعريق والمبهر.

وهو نفس منطق التجاهل والتبخيس الذي تعرضت له المقاومة والمقاومين طيلة العقود الماضية، بحسب قوله.

ورأى أن موضوع المقاومة الوطنية الموريتانية غُيِّبَ عن المناهج التعليمية، وتنكر له الإعلام، وسعى البعض لطمس هذا التاريخ.

ووصف الصحافي أحمد ولد سيدي، وهو من سكان البلدة، وصف وضعها بالقول: 'الرشيد منسية، لا أحد يذكر تلك الجهود والانتصارات التي شغلت الناس أيام المواجهة مع المستعمر، الكل ينسى أو يتناسى تلك التضحيات وذلك التاريخ المشرق، إنه أمر مزعج وغير منصف'.

ورأى ولد سيدي أن الزيارة الأخيرة للرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز، للبلدة ولحيها القديم المدمر، ربما تكون بداية أمل لإنصاف البلدة.

وزار ولد عبد العزيز، مؤخرًا، بلدة الرشيد، وأطل من حيها القديم المدمر، مطالبا بإعادة كتابة التاريخ الموريتاني من جديد، إنصافًا لرجال المقاومة.

وخضعت موريتانيا للاحتلال الفرنسي العام 1900، قبل أن تنال استقلالها رسمياً العام 1960.

التعليقات