"الذهب الأبيض": زراعة القطن المصري في تراجع مستمر

يسمى القطن في مصر "الذهب الأبيض"، ويزرعه المصريون منذ عصور في دلتا النيل بقلب الحقول الخضراء، لكن المزارعين يعانون اليوم من أزمة بقاء، يعاني منها القطن المصري أيضًا.

يسمى القطن في مصر "الذهب الأبيض"، ويزرعه المصريون منذ عصور في دلتا النيل بقلب الحقول الخضراء، لكن المزارعين يعانون اليوم من أزمة بقاء، يعاني منها القطن المصري أيضًا.

وقال المزارع فتوح خليفة، الخمسيني والذي أمضى 30 عامًا من حياته في زراعة القطن "أنا ازرع 100 فدان من القطن تكلّف الكثير، لكن السعر هذه الأيام ضعيف جدا ولا نحقق ربحا".

ويشتهر القطن المصري، خصوصًا في منطقة الدلتا شمال القاهرة، بجودته في أنحاء العالم لما يتميز به من طول التيلة، وكان يمثّل مصدرا للثروة والتنمية في البلاد.

وخلال القرن التاسع عشر، جعلت جودة القطن العالية مصر مرجعا للعالم في "الذهب الأبيض"، أما اليوم فباتت هناك دول أخرى تنتج نفس النوع من القطن تحت مسمى "القطن المصري".

كذلك أدت عقود من المنافسة العالمية الشرسة، بما في ذلك القطن قصير التيلة الذي يشتهر به كبار صناعة النسيج، إلى تراجع هذه الصناعة المصرية.

وتعتبر الولايات المتحدة والهند والبرازيل وأستراليا من بين المصدرين الرئيسيين للقطن في العالم.

وانخفضت الصادرات المصرية بشكل ملحوظ، فبعد أن كانت تشكل ما بين 5 و15 في المئة من إجمالي الصادرات العالمية خلال الفترة 1960-1980، باتت اليوم تسجل حوالى 1 في المئة من هذا الإجمالي خلال السنوات الأخيرة.

ولا تزال مصر واحدة من أكبر المصدرين للقطن طويل التيلة، بعد الولايات المتحدة.

ويرى الرئيس التنفيذي لشركة النيل الحديثة للأقطان، إحدى كبرى شركات القطاع، أحمد البساطي، أنه من الضروري إنتاج القطن قصير التيلة لتلبية الطلب المحلي.

ويقول إن "انخفاض الأسعار ليس شيئا سيئا في حد ذاته، ولكنه يجب أن يحقق هدف جميع العاملين في حلقة الإنتاج".

بالنسبة له، يبقى التحدي الرئيسي هو ازدهار قطاع قديم وإنتاجه يخف، إذ قال "الإنتاجية هي التحدي الأكبر لمحصول القطن سواء القصير او الطويل".

ومن جهته رأى مدير معهد بحوث القطن في وزارة الزراعة هشام مسعد، أن "الإنتاجية مرتفعة".

وأوصى بإستخدام الماكينات في زراعة القطن على غرار زراعات القمح والذرة، بدلا من الزراعة اليدوية.

وتعتبر قلة المنتجات النهائية المصنعة تحديا آخر يواجهه القطن المصري.

ويقول مدير البحوث في معهد القطن بكفر الشيخ، محمد شتا "القطن (المصري) ننتجه حتى نصدره خاما، لأن مصر لا تمتلك المغازل أو الإمكانيات التي تحول الخام إلى النسيج".

وفي أحد مصانع النسيج شمال القاهرة، تقول مصممة الأزياء ماري لويس بشارة "نحن نحاول أن نعرّف العالم على أهمية الموضة المصرية، وأنه إذا اراد إنتاج سلعة فاخرة فيجب استخدام قطن الدلتا الطويل (التيلة)".

وأثرت الثورة المصرية عام 2011 على الحياة الاقتصادية والسياسية ومنها على جودة إنتاج القطن المصري، وهي القيمة المضافة الوحيدة له إذ أن تكلفة إنتاجه وسعر شرائه باهظي الثمن، لذلك فإن القطاع يحاول جاهدا استعادة هيبته السابقة.

إلا أن عام 2017 أعطى أملاً للمنتجين بعد ارتفاع سعر شراء قنطار القطن (100 كلغ) ليصل إلى 3000 جنيه (145 يورو) ، ولكن سرعان ما تلاشت الآمال وهبط السعر مرة أخرى إلى 2700 جنيه (130 يورو) هذا العام، وهو السعر "الضماني" او الاسترشادي الأدنى الذي حددته الدولة لشراء القطن.

ويتهم خليفة الشركات بأنها " تتحكم في الأسعار اليوم".

وتم تحرير تجارة القطن التي كانت تخضع لسيطرة الدولة في عام 1994، إلا أن الحكومة المصرية لا تزال تضمن أدنى سعر يبيع به الفلاحون محصولهم.

كما تسيطر الدولة على جميع الجوانب الأخرى في قطاع القطن، بما في ذلك زراعة الحقول ونوع المحصول ومنطقة زراعته، والحوافز المستخدمة مؤخراً لمحاولة إصلاح القطاع.

وفي السنوات الأربع الماضية، جعل تدخل الدولة من الممكن زيادة زراعة القطن من حوالى 50 ألف هكتار إلى أكثر من 140 ألف هكتار حاليا، وهذا ما يفسر هبوط الأسعار أيضا.

وفي أيلول/سبتمبر الماضي، وافقت الحكومة بشكل تجريبي على زراعة قطن منخفض الجودة (قصير التيلة)، باستثناء مناطق زراعات الدلتا "لتلبية احتياجات المصانع".

ولكن قرار الحكومة لم يقابل بالترحيب من الجميع. ذلك أن الخبراء يعتقدون أن مصر لن تكون ذا وزن ثقيل بمواجهة الدول الأخرى في هذه الحالة، كما أن المزارعين يخشون هذه المنافسة الجديدة. لكن الكثير من الشركات تعتبر هذه المنافسة ضرورة.

ووفقاً لأحدث الأرقام الرسمية، ارتفعت صادرات القطن المصري بنسبة 6.9 في المئة خلال الربع الثالث من عام 2017-2018 (آذار/مارس - ايار/مايو)، في حين انخفض معدل الاستهلاك المحلي بنسبة 57.9 في المئة خلال نفس الفترة بسبب اتجاه مصانع الغزل للأقطان المستوردة، حسب البيانات الرسمية.

التعليقات