عبد الرحمن أبو الرب: آخر صانعي الرّحى في فلسطين

ما زال عبد الرّحمن أبو الرّب ينحت الحجارة النّاريّة لصناعة الرّحى، أو الجاروشة، منذ أكثر من أربعين عامًا في قريته جلبون، على أطراف مرج ابن عامر شماليّ الضفة الغربية، ليصير اليوم آخر صانعيها في فلسطين.

عبد الرحمن أبو الرب: آخر صانعي الرّحى في فلسطين

عبد الرحمن أبو الرب (الأناضول)

ما زال عبد الرّحمن أبو الرّب ينحت الحجارة النّاريّة لصناعة الرّحى، أو الجاروشة، منذ أكثر من أربعين عامًا في قريته جلبون، على أطراف مرج ابن عامر شماليّ الضفة الغربية، ليصير اليوم آخر صانعيها في فلسطين.

وعاش أبو الرّب مزارعًا 68 عامًا هي عمره، إذ كان يزرع الحبوب بكلّ أنواعها في قريته المعروفة بزراعة الحبوب، وبدأ صناعة الرحى قبل 40 عامًا حين صنع أول "جاروشة" وقدّمها لوالدته كهديّة.

وقال أبو الرّب في مقابلة له مع وكالة "الأناضول" للأنباء: "فرحت والدتي كثيرًا، كانت أغلى هدية، وفرتُ عليها عناء طحن الحبوب في بيوت أهل القرية"، وأضاف أنّه يحتفظ بها حتّى اليوم في منزله، قائلًا "رحلت والدتي وبقيت الجاروشة، وقد تعيش سنوات طويلة".

ورغم ندرة استخدامها حاليًّا، قال أبو الرّب إنّ "في السابق كانت الجاروشة ذات أهمية كبيرة، تجتمع نساء الحي ويبدأن جرش الحبوب، بعض العائلات استطاعت امتلاك آلة قديمًا"، إذ كانت الرحى قبل عقود آلة ذات أهمية كبيرة للأسرة الريفية، التي تطحن حبوب القمح والعدس والفول وغيرها.

ولا يستخدم صانع الرّحى سوى مطرقةٍ وإزميل لعمله المتواصل في صناعتها بساحة منزله، إذ يحتاج "نحو أربعة أيام لصناعة قطعة واحدة، تتطلب الصناعة دقة في العمل"؛ يقلب حجارة سوداء بين يديه، فيما يجلس على كرسي بلاستيكي، إذ يعاني آلامًا في قدميه.

 ورغم كبر سنه ومرضه، يرفض أبو الرب ترك المهنة قائلًا "أواصل العمل دون توقف، بعد هذا العمر باتت جزءًا من حياتي"؛ إذ يرى في صناعته تراثا يوشك على الاندثار، وقال "في قريتي أنا الوحيد الذي يصنع الجاروشة بشكل مستمر، فيما هناك بعض الهواة يصنعون القليل بحسب أوقات فراغهم".

ويشير أبو الرّب إلى أنه استطاع على مدى 40 عاما صناعة مئات الآلات، لكنه يخشى اندثارها بعد وفاته، قائلا "لا يوجد رغبة للأجيال بتعلم المهنة"، إذ أن "الرحى" تستخدم بشكل ضيق في يومنا الحاضر، وتستخدم منتجاته للمتاحف والديكور في المنازل.

وتصنع الرحى بأحجام مختلفة، بحسب رغبة زبائنه، وأغلبهم من فلسطينيي الداخل، إلى جانب الضفة الغربية.

ويرفض أبو الرّب بيع الرحى للإسرائيليين، ويقول "في بعض الأحيان أشك بجنسية الزبائن، أطلب رؤية بطاقاتهم الشخصية"، مضيفًا أنّهم "يزيّفون التاريخ، وينسبون كل ما هو قديم إليهم، هذه صناعة وتراث فلسطيني قديم.

ويراوح سعر الرحى بين 100 ـ 170 دولارا، بحسب حجمها، وتحتاج صناعتها دقة وتأنيًا وإتقانًا للنقش على الحجارة، ويشير أبو الرّب إلى وجود طلب كبير على الرحى، حيث يهتم البعض باقتنائها في منازلهم رغم عدم استخدامها، باعتبارها جزءًا من التراث.

ولا تستخدم أي حجارة لصناعة الرحى، ويجلب أبو الرب حجارته من محيط قريت ه التي يعتقد أهلها أن بركانا ثار قبل مئات السنوات في الموقع، مخلّفًا حجارة بركانية سوداء اللون، شديدة الصلابة.

والرحى أداة تطحن بها الحبوب، وتتكون من حجرين مستديرين يوضع أحدهما على الآخر، ويدار الأعلى يدويًّا بواسطة مقبض خشبي على محور ثابت.

التعليقات