إن التجاهل الذكي أو المتعمد هو من أحد أهم الإستراتيجيات الفعالة والبسيطة التي يتم استخدامها في علم النفس، وغالبا ما يكون الهدف من هذه الإستراتيجية هو تقليل سلوكيات المشاكل البسيطة السلبية التي من الممكن أن يتعرض لها الإنسان، وليتم فهم المقصود بالتجاهل الذكي يمكن أن نعرفه على أنه المضاد أو العكس تماما من جذب الانتباه.
عادة ما يتم استخدام فن التجاهل الذكي لتحسين التعامل مع سلوكيات الأطفال السلبية، حيث أن العديد من المعلمين أو الآباء يقعون في فخ جذب الانتباه الذي يقوم به بعض الأطفال عن طريق إحداث صخب أو أي نوع من أنواع الأذية، حيث يبدأ المعلمون بإلقاء اللوم وكذلك التوبيخ ظنا منهم أن تلك الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذا النوع من الأطفال.
إلا أن مشاعر الطفل وردة فعله سوف تترجم هذا الأسلوب على أنه اهتمام، وبذلك يكون قد نجح في جذب اهتمامك إلى ما يفعله حتى لو بطريقة سلبية. ومن الممكن أن يعمل الطفل على إعادة تلك السلوكيات السيئة من أجل جذب اهتمامك مرة أخرى، أي أن استخدام الأسلوب السابق سوف يؤدي إلى تكرار السلوكيات السيئة. هنا أتى دور التجاهل الذكي الذي سنتعرف عليه بشكل أوسع.
ما هو التجاهل الذكي؟
التجاهل الذكي أو المخطط هو باختصار عندما يتجاهل أحد الوالدين أو المعلم العروض الطفيفة للسلوك غير المرغوب فيه من الطفل، حيث أن غالبية الأطفال في عمر المدرسة يحاولون جذب الانتباه بما يسمى "استعراض" لبعض سلوكيات غير محببة ظنا منهم أن هذا الأمر الوحيد الذي سيلفت الانتباه له.
إن الخطوة الأولى في التجاهل الذكي تتمثل في تحديد السلوك الذي يسعى الطفل من خلاله إلى جذب الاهتمام، أو السلوك الذي يحتاج إلى تدخل من أجل عدم تعزيزه. حيث يمكن لأحد الوالدين استخدام أسلوب التجاهل المخطط بشكل صحيح من خلال رفض منح الطفل الاهتمام الذي يتوق إليه بسلوكيات سلبية، الأمر الذي يمكن أن يساعد الطفل على رؤية ميزة اختيار سلوك أفضل.
أهم العناصر التي تجعل من التجاهل الذكي فعال
هناك 5 عناصر رئيسة تجعل من التجاهل الذكي فعالا بشكل جيد. هذه العناصر هي:
- تجاهل السلوكيات التي يقوم بها الطفل لجذب الانتباه فقط، إن كان الطفل يقوم بسلوك ما من أجل الهروب من شيء ما، فإن تجاهل هذا الشيء لن يكون مفيدا. من أمثلة جذب الانتباه هي المقاطعة وإصدار ضجيج والتحدث بشكل مفرط فيه في الصف.
- إن فن التجاهل الذكي لا يعتبر أبدا إستراتيجية مناسبة للتعامل مع السلوك الضار أو المؤذي للطفل، مثل السلوك العدواني أو التنمر أو غيرها، حيث أن السلوكيات السابقة ستتطلب إستراتيجيات مختلفة.
- تحديد سلوكيات معينة لتجاهلها. في حين أنه من الممكن أن يكون هناك الكثير من السلوكيات التي ترغب في تغييرها، إلا أنه من الأفضل أن يتم التركيز على سلوك واحد أو إثنين على الأكثر في كل مرة.
- وفر اهتماما إيجابيا للسلوك المناسب. تذكر أنك لا تزال بحاجة إلى تعليم الطلاب السلوكيات الإيجابية في الفصل الدراسي وأن استخدام التجاهل الذكي فقط لن يحقق ذلك.
- لا تولي اهتماما للسلوك، إذ إن السلوك الذي تتجاهله سيزداد سوءا قبل أن يزول، وذلك لأن السلوك كان يعمل على جذب الانتباه، لذا من المؤكد أن الطفل سيحاول جاهدا مرارا وتكرارا قبل أن يدرك أن السلوك لم يعد فعالا بعد الآن.
أهمية التجاهل الذكي
تتجلى أهمية التجاهل الذكي في كونه يؤدي إلى إيقاف الطفل عن أداء السلوكيات السيئة من أجل جذب الانتباه، حيث عندما ينتبه الطفل إلى أن سلوكه هذا لم يعد مؤثرا في لفت انتباه من حوله سوف يتوقف عنه ومن الممكن أن يحاول تعزيز سلوك إيجابي آخر من أجل لفت الانتباه بتشجيعه وإعطائه الاهتمام الإيجابي حتى يفهم في النهاية ما هي السلوكيات التي يجب أن يستمر عليها وما هي السلوكيات التي من المهم أن يتوقف عن فعلها.
مع ذلك، إلى جانب التجاهل المخطط من الممكن للأهل اتباع نوع من النهج التفاعلي جنبا إلى جنب مع التجاهل وإخبار الطفل متى يكون مخطئا. أو حتى مكافأة الطفل على اتباعه السلوك المناسب بشكل استباقي، حيث سيكون من المفيد في بعض الحالات أن يتم التركيز على الجوانب الإيجابية في الطفل، بحيث ترسل للطفل رسالة مضمونها أنه من الأسهل عليه الحصول على ما يريد إن اتبع سلوكات جيدة.
متى يمكن أن يصبح التجاهل الذكي سلبيا؟
هناك العديد من الجوانب المخفية وراء استراتيجية فن التجاهل الذكي. أهمها:
- من الممكن أن يرسل التجاهل رسالة عاطفية خاطئة للطفل بأن الشخص البالغ غير مهتم لما يفعله مهما كان ولن ينتبه له إلا في حال نفذ ما يطلبه منه.
- إن التجاهل يفترض أن سلوكيات الطفل التي يمكن ملاحظتها تكشف بدقة عن نواياه. في الواقع يفتقر العديد من الأطفال إلى القدرة على تنسيق الحركة واللغة من أجل التعبير عن أفكارهم الداخلية.
- التجاهل يبالغ في تبسيط سلوكيات الطفل دون محاولة تمييز الأفكار والمشاعر الكامنة.
- من المجهد وغير الطبيعي أن يتجاهل الآباء أطفالهم.
خطوات استخدام التجاهل المخطط بطريقة صحيحة
مع أن التجاهل الذكي هو إستراتيجية بسيطة، إلا أنه من الممكن أن يكون تنفيذها صعبا للغاية إن لم تكن معتادا على تجاهل السلوكيات. مع هذا، فإن التدرب المستمر على عدم الاهتمام بالسلوكيات من الممكن أن يجعلك تستخدم هذه الإستراتيجية بشكل فعال في أي وقت من الأوقات. إليك خطوات القيام بذلك في حال كنت معلم مدرسة:
الخطوة الأولى
حدد الطالب الذي يهمك واختر السلوك الذي يسبب مشكلة يجب أن يتم تجاهلها. ثم حدد السلوكيات المشكلة التي تريد التركيز عليها وأين لن تركز عليها. فكر في تلك السلوكيات التي تشعر أنها أكثر اضطرابا في الفصل الدراسي. كيف تبدو هذه السلوكيات؟ هل يختلف التعبير عن هذا السلوك بين طالب وآخر؟ ما هي الأوقات التي تحدث بها؟ من المفيد أن يتم وصف تلك السلوكيات بدقة حتى تعرف بالضبط متى يجب أن يتم استخدام فن التجاهل الذكي.
الخطوة الثانية
تدرب على تجاهل السلوكيات التي حددتها، يمكن أن يشمل ذلك الابتعاد عن الطالب ومحاولة تقليل الاتصال البصري معه قدر الإمكان واستمرار التعليمات عند حدوث السلوكيات. في المقابل، تأكد من الاهتمام الإيجابي بالطالب عندما يعرض السلوك الذي تود رؤيته، يمكنك أيضا الانتباه إلى الطلاب الآخرين لإظهارهم السلوكيات المناسبة لأنك تتجاهل السلوك السلبي لطالب آخر.
الخطوة الثالثة
تأكد من الانتباه إلى الأوقات التي تحدث فيها تلك السلوكيات، وحدد بنفسك متى قمت بتجاهل السلوك؟ وهل قدمت في المقابل اهتماما إيجابيا أم لا؟ إن تتبع تلك المعلومات سيساعدك على تحديد تقدمك فيما يتعلق باستخدام الاستراتيجية والمساعدة في حل المشكلة في وقت لاحق.
الخطوة الرابعة
من المهم تنفيذ الخطوات السابقة يوميا لمدة أسبوع لتعمل على تقييم النتيجة التي حصلت عليها منذ البداية، هل وجد أن استخدام الاستراتيجية قد أفادك في كل مرة يقوم فيها الطالب بأداء سلوكياته السلبية؟ هل تذكرت تقديم الاهتمام الإيجابي لتعزيز السلوكيات الجيدة من الطالب؟ وفي النهاية هل قلل الطالب من لجوئه إلى السلوكيات السيئة؟
التعليقات