العلم المرعب... تجارب علميّة غير أخلاقيّة أجريت خلال القرن الماضي

تجارب علميّة وتكنولوجيّة ونفسيّة واجتماعيّة، كان أساسها الذي انطلقت منه هو التقدّم العلميّ في مجالات مختلفة، إلّا أنّها كانت تجري خارج نطاق القانون

العلم المرعب... تجارب علميّة غير أخلاقيّة أجريت خلال القرن الماضي

من تجربة ميلغرام (أرشيف)

شهد العالم المعاصر خلال العقود المنصرمة، عددًا من التجارب العلميّة التي يمكن القول عنها إنّها كانت "وحشيّة"، والتي أُجريت خارج إطار القانون وسبّبت صدمات لاحقة للمشاركين فيها، وتنوّعت هذه التجارب في مواضيعها، فمنها الذي أُجري على البالغين، أو الأطفال، مثل تجربة "ميليزما" التي قام بها الدكتور كايلي ميلز على أطفال صغار في بيت التربية الخاصّ به في كندا، وقد استعمل فيها أدوية ممنوعة وعمليّات جراحيّة بلا هدف طبيّ، لتحقيق ما يراه على أنّه "علم جديد" فيما يخصّ العلم النفسيّ، وكانت نتائج هذه التجربة مؤلمة إلى حدّ بعيد، ولم يتمّ الكشف عن التجربة إلّا خلال عشرينات القرن الماضي، ولم تعترف الدولة الكنديّة بهذه التجارب، إلّا في عام 2010.

هذه التجربة وغيرها الكثير، جرت في معظمها خارج الإطار القانونيّ، وضمن مجالات متعدّدة، من تجارب علميّة وتكنولوجيّة ونفسيّة واجتماعيّة، والتي كان أساسها الذي انطلقت منه، هو التقدّم العلميّ في مجالات مختلفة، إلّا أنّها كانت تجري خارج نطاق القانون وعدم الامتثال للوائح المتعلّقة بمثل هذه التجارب، مثل تجربة "التحرير اللاسلكي"، أو التجارب النفسيّة التي قام بها الجيش الأميركيّ في سجونه المختلفة، وعلى الرغم من أنّ هذه التجارب هي غير أخلاقيّة في المقام الأوّل، إلّا أنّها بشكل أو بآخر، كانت قد مهّدت الطريق للمقاييس الأخلاقيّة المرتبطة بالعلم في وقتنا هذا.

نستعرض في هذا التقرير، أبرز 5 تجارب نفسيّة لا أخلاقيّة:

الوحش - 1939

كانت هذه الدراسة في الأصل دراسة في مشكلة التلعثم عند الأطفال، والتي أُجريت على أطفال يتامى في دافنبورت، آيوا عام 1939، وأُجريت من قبل ويندل جونسون في جامعة آيوا، حيث تعاون في هذه الدراسة مع الدكتورة ماري تودور.

وضع الباحثان الأطفال اليتامى في مجموعة التجربة ومجموعة أخرى للمراقبة، وأعطيا نصف الأطفال كلامًا إيجابيًّا، مادحين طلاقة ألسنتهم، والنصف الآخر قيل له الكلام السلبيّ والتقليل من شأنهم والسخرية منهم. كثير من الأطفال اليتامى، الذين كان معظم كلامهم طبيعيًّا، عانوا من آثار نفسيّة سلبيّة، وبعضهم أصبحت لديه مشاكل في النطق بعد هذه الدراسة. ويُطلق على هذه الدراسة بـ"تجربة الوحش"، نظرًا لقيام جونسون باختبار الأطفال اليتامى لإثبات نظريّته. وبقيت التجربة مخفيّة خوفًا من تلوّث سمعة جونسون، وذلك في الوقت الذي كانت تجري فيه تجارب خلال الحرب العالميّة الثانية، على أيدي النازيين.

ستانفورد (1971)

عُرفت هذه الدراسة بنتائجها الكارثيّة، والتي قام بها الطبيب النفسيّ الشهير فيليب زيمباردو، والتي حاول من خلالها دراسة سلوك الأشخاص داخل السجن، سواء لعبوا أدوار سجناء، أو سجّانين. وفي هذه التجربة، قام زيمباردو بوضع السجناء في مواقف مسبّبة لعدم الراحة، أو مواقف مهينة، وعلى الجانب الآخر، فلم يتمّ إعطاء الحرّاس أيّ توجيهات حول ما هو متوقّع منهم لتأدية أدوارهم.

خلال اليوم الثاني، قام السجناء بالتمرّد، ممّا أدّى إلى استنفار الحرّاس، وأصبح الجنون هو سيّد الموقف، إذ حاول الحرّاس منع السجناء من الهروب بكلّ الطرق الممكنة، وأدخلوا نظام امتيازات، كان الهدف منه كسر التضامن الموجود بين السجناء، ممّا أدى إلى مرور السجناء باضطرابات جديّة، إذ بدأوا بالتعريف عن أنفسهم بأرقام لا بأسماء… ببساطة، لقد أصبحوا سجناء حقًّا، بكلّ ما يحمل السجن في نفس السجين من معنى، ويمكن القول، إنّ فضيحة سجن أبو غريب التي ظهرت للعلن عام 2014، يمكن مقارنتها بهذه الدراسة.

التجارب السريريّة على القردة (1969)

قد تكون التجارب على الحيوانات مهمّة في تطوير العلاجات المنقذة للحياة، إلّا أنّ ما حدث عام 1969، من تجارب الأدوية على القرود والفئران، يصفه المجتمع العلميّ بتجربة لا أخلاقيّة. في هذه التجربة، قدم الباحثون للقردة لتعليمها الحقن الذاتيّ بعدّة مخدرات، مثل المورفين والكودين والكوكايين ومشّطات أخرى، وبعد حقنها، قام الباحثون بترك الحيوانات مع أدوات الحقن وكميّات كبيرة من المخدّرات، ممّا أثّر على نفسيّات القردة، لتظهر منها سلوكيّات غريبة، حيث بعضها كان مشوّشًا، وهناك من قام بمحاولة هرب فكسر يديه الاثنتين، وعانى عدد من القرود من التشنّجات وانتزاع الأظافر، وقام قرد آخر بانتزاع الفرو من ذراعه وبطنه. عدا عن عدد من القردة التي ماتت في غضون أسبوعين .

ألبرت الصغير (1920)

كان جون واتسون معروفًا بحبّه للعلم والتقدّم في مجال علم النفس، لكن أبشع ما قام به هو استخدامه للأيتام في تجاربه. في هذه التجربة التي أجريت عام 1920، وعُرفت باسم ألبرت الصغير، أراد واتسون معرفة ما إذا كان الخوف من العناصر المختلفة، مثل الأرانب والفئران والقردة والأقنعة والقطن وغيرها… هو استجابة فطريّة أم مكتسبة.

لتحقيق هذه المعرفة، قام واتسون بتعريض الرضيع الذي يُدعى ألبرت لهذه العناصر. إذ بدأ ألبرت بالاستجابة لهذه العناصر عبر الخوف منها، ممّا دلّل حينها على أنّ الخوف هو أمر مكتسب، وليس فطريًّا كما كان يُدّعى سابقًا. حظيت هذه الدراسة برفض المجتمع العلميّ لها، ورفض استخدام الأطفال الأيتام في أيّ تجارب سابقة.

دراسة ميلغرام (1961)

هي إحدى أكثر الدراسات والتجارب النفسيّة سيّئة السمعة في العالم. بدأ الأمر، حين أراد ستانلي ميلغرام، أخصّائيّ الطبّ النفسيّ الاجتماعيّ في جامعة يال، اختبار الأمر الأكثر أهميّة بالنسبة إليه، وهو فكرة الخضوع للسلطة. كان ستانلي ملغرام أول من شرحه في مقالة تحت عنوان (دراسة سلوكية للطاعة) عام 1963، ومن ثم وبشكل مطول قدمها في كتاب نشر عام 1974 تحت عنوان: (الانصياع للسلطة؛ نظرة خارجيّة). كان الهدف من الدراسة قياس مدى استعداد المشاركين إطاعة سلطة تأمر بتنفيذ ما يتناقض مع ضمائرهم.

نظّم ميلغرام تجربته مع معلّمين، والذين كانوا مشاركين فعليّين في هذه الدراسة، والمتعلّمون كانوا ممثّلين في الأصل. وأُخبر الجميع، أنّ هذه الدراسة تتعلّق بالذاكرة والتعلّم.

فُصلت المجموعتان في غرفتين، بحيث يستطيعون سماع أنفسهم فقط، ويبدأ طرح الأسئلة، وإذا كان ثمّة سؤال إجابته خاطئة، يتعرّض المتعلّم إلى شحنة كهربائيّة، يوجّهها لهم المعلّمون. لكن لم يتعرّض أحد منهم إلى أيّ شحنة كهربائيّة، وإنّما كان ثمّة مسجّل صوت يحتوي على صرخات تمّ تسجيلها مسبقًا، ويتمّ تشغيل الصوت مع كلّ ضغطة على زرّ الشحنة الكهربائيّ

تم إجراء نسخ أخرى من ذلك الاختبار في عدة أماكن ومجتمعات مختلفة. وجاءت النتائج متقاربة. لدى أكثر من ثلثي المشاركين استعداد للقيام بأعمال قد تخالف الأخلاق والمنطق، ولديهم استعداد لتعذيب شخصٍ لا يعرفونه أو قتله، على الرغم من صراخه وتوسلاته لمجرد أن شخصا ذا سلطة ما أمر بذلك، أو ادّعى أن تلك الإجراءات ضرورية، من أجل نجاح التجربة وخدمة العلم، ومن أجل المصلحة العامة.

كثيرون من شكّكوا بالتجربة. لكن فقط 14 من أصل 40 مشارك أوقفوا التجربة، قبل الوصول إلى الشحنة الكهربائيّة ذات الـ450 فولت.


التعليقات