أكبر موجات اللجوء العالميّة في العصر الحديث

بحلول عام 2021، بلغ عدد المهجّرين جرّاء الحروب والعنف والاضطهاد إلى نحو 89.3 مليون شخص، أي بزيادة تصل إلى 8٪ عن العام الذي سبقه

أكبر موجات اللجوء العالميّة في العصر الحديث

فارّون من الحرب في فيتنام (أرشيف)

حتّى عام 2015، كانت موجة اللجوء التي انطلقت من سوريا إلى دول الجوار العربيّة، مثل الأردن ولبنان وتركيا والعراق وبعض الدول الأوروبيّة مثل السويد والنمسا وألمانيا وفرنسا وغيرها، هي الأكبر منذ الحرب العالميّة الثانية، عند مقارنتها مع موجات لجوء أخرى انطلقت من أفريقيا وآسيا وأوروبا خلال العقود الماضية، إلّا أنّه وبعد إعلان الحرب الروسيّة على أوكرانيا، تغيّرت الموازين فيما يتعلّق بأعداد اللاجئين في العالم.

وصل العدد الإجماليّ للاجئين السوريين في عام 2015 إلى أكثر من 11 مليون نسمة، ومع ذلك، انخفض العدد الإجمالي للاجئين بعد ذلك، إمّا بسبب فرض شروط قاسية لدخول بلدان كثيرة، أو استعادة "بعض السلام" في مناطق كانت تحت النزاع.

في تقرير "الاتّجاهات العالميّة" الذي نشرته المفوّضيّة الساميّة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قالت إنّ ثمّة ارتفاع في عدد الأشخاص المجبرين على الفرار من ديارهم كلّ عام، وذلك على مدار العشر سنوات الماضية، ليبلغ أعلى مستوياته. بحلول عام 2021، بلغ عدد المهجّرين جرّاء الحروب والعنف والاضطهاد إلى نحو 89.3 مليون شخص، أي بزيادة تصل إلى 8٪ عن العام الذي سبقه، وهو أكبر بعشر أضعاف ممّا كان عليه الوضع قبل 10 سنوات فقط، وأدّى الغزو الروسيّ لأوكرانيا، إلى أكبر أزمة نزوح قسريّ منذ الحرب العالميّة الثانية، بالإضافة إلى موجات لجوء أخرى من بلدان أفريقيّة، ليتجاوز عدد النازحين من بلادهم 100 مليون شخص.

في هذا التقرير، نتعرّف على أكبر موجات اللجوء التي عرفتها البشريّة خلال القرن الماضي، وأسبابها المتعدّدة التي تتلخّص في النزاعات السياسيّة والحروب والجفاف والمجاعات والتضخّم وغيرها من الأسباب.

الشيشان

مع بداية عام 1944، اتّهم الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين، شعب الشيشان، بأنّهم يساعدون النازيين في ألمانيا خلال الحرب العالميّة الثانية، وبدأت المجازر التي قُتل فيها عدد كبير من الأشخاص ونزوح آخرين، وتقول تقديرات إنّهم كانوا يمثّلون ثلث عدد سكّان الشيشان، ويعترف البرلمان الأوروبيّ رسميًّا بهذه الهجرة القسريّة.

عواقب هذا النزوح كانت كارثيّة على المستوى الديمغرافي، إذ مات ربع الذين جرى ترحيلهم، حيث تشير بعض سجلّات الأرشيف الشيشانيّة إلى وفاة أكثر من 100 ألف شخص، حيث أُرسل العديد منهم إلى معسكرات العمل في جمهوريّة روسيا الاتّحاديّة الاشتراكيّة السوفييتيّة.

استمرّ النازحون في منافيهم المختلفة طوال 13 عامًا، ولم يعد الناجون منهم إلّا عام 1957، بعد إبطال العديد من سياسات ستالين في عهد نيكيتا خروتشوف.

فيتنام

في حرب فيتنام مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، وحتّى عام 1975، وبعد أن استولى الشيوعيّون على البلاد، فرّ الملايين من السكّان عن طريق البحر، إذ غرق الآلاف منهم في قواربهم التي اضطرّوا فيها مواجهة العواصف المميتة والجوع والعطش، ووفقًا للمفوّضيّة الساميّة للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، فقد ما بين 200 ألف و400 ألف شخص حياتهم في البحر.

ومن الصور التي انتشرت وخلّدت بداية الحرب على فيتنام ووحشيّتها، هي صورة الطفلة فان من فيتنام الجنوبيّة، والتي يُشار إليها بطفلة النابالم، وظهرت في صورة للمصوّر نيك آوت عام 1972 خلال الحرب، حين كانت تبلغ من العمر تسع سنوات، وهي تركض عارية مع عدد من الأطفال والجنود، وظهرت على جسدها حروق بالغة جرّاء هجوم بقنابل النابالم في جنوب فيتنام.

أفغانستان

غزا الاتّحاد السوفييتيّ أفغانستان عام 1979، ثمّ دخلت البلاد في حالة فوضى عارمة وعدم استقرار، وبدا أنّ الاتّحاد السوفييتيّ غير قادر على الانتصار على "المجاهدين" الأفغان المدعومين من قبل وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة، قبل الانقلاب عليهم لاحقًا. وبعد الحرب الدامية، وانسحاب الاتّحاد السوفييتيّ عام 1988، والجفاف والمجاعات التي حصلت وتسبّبت في بؤس عارم، اضطرّ ملايين من الأفغان للبحث عن ملاذ في الدول المجاورة، مثل إيران وباكستان، وحتّى يومنا هذا، لا تزال باكستان هي أكبر دولة مضيفة للاجئين الأفغان، برقم يقدّر بنحو 1.6 مليون إنسان. قُتل في هذه الحرب ما بين نصف مليون و 2 مليون أفغاني، وما بين 6٪ إلى 11٪ من السكّان الأفغان قتلوا في هذا الصراع الذي تسبّب في دمار كبير.

في عام 1980، أصدرت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة قرارًا يحتجّ على التدخّل السوفييتيّ، وبدأ "المجاهدون" الأفغان في تلقّي كميّات هائلة من الدعم والتمويل والتدريب العسكريّ في باكستان، بمساعدة كلّ من الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة، كما تمّ تمويلهم حينها بشكل كبير من الصين والأنظمة الملكيّة العربيّة في الخليج العربيّ.

الهند

بعد تقسيم الهند من قبل بريطانيا إلى باكستان والهند، فرّ نحو 15 مليون إنسان، بعد أن وجدوا أنفسهم محاصرين. من هُنا، انطلقت أكبر هجرة دوليّة في ذلك الوقت، مع هجرة جزء كبير من المسلمين في الهند إلى دولة باكستان المشكّلة حديثًا.

على كلا الجانبين، ارتُكبت فظائع كبيرة بالسكّان وممتلكاتهم، مثل الحرق والقتل والتمثيل بالجثث، وانضمّت بعض القوّات الحكوميّة إلى أعمال العنف هذه. وأحد الأحداث الذي يشهد على هذه الجرائم الجماعيّة، هو ما حدث في التاسع من آب/ أغسطس عام 1947، عندما تمّ اعتراض قطار من دلهي إلى كراتشي، وتمّ قتل من فيه، وسرعان ما بدأت قطارات المهاجرين بالوصول إلى وجهتها وهي مليئة بالجثث.

أوكرانيا

ارتفعت وتيرة موجات اللجوء في العالم، وحسب المفوّضيّة الساميّة للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، فقد كان هذا العام مزعجًا إلى حدّ بعيد، من حيث عدد النازحين، بعد الغزو الروسيّ لأوكرانيا، ممّا اضطرّ الملايين للنزوح والهرب من وقع القتال، حيث أدّت هذه العمليّة، إلى "أسرع وأكبر حركة نزوح شهدها العالم منذ عقود"، حيث أُجبر حوالي 14 مليون شخص على ترك منازلهم منذ 24 شباط/ فبراير الماضي، ويعيش 5.4 مليون لاجئ منهم خارج الأراضي الأوكرانيّة.

وكانت صحيفة الغارديان البريطانيّة، قد نشرت مقالًا حذّرت فيه من أزمة لجوء واسعة على الأبواب تتّجه نحو أوروبا، وهي غير مستعدّة لها، بسبب محاولات روسيا ضمّ أراض جديدة في أوكرانيا، ونقص إمدادات الغاز وارتفاع التضخّم وعودة تفشّي كورونا في جميع أنحاء العالم.

التعليقات