كيف نهضت ألمانيا من تحت رماد الحرب العالميّة الثانية؟

كانت خطّة مارشال، المعروفة رسميًّا باسم برنامج التعافي الأوروبّيّ، عبارة عن حزمة مساعدات ضخمة من الولايات المتّحدة للمساعدة في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالميّة الثانية، وسمّيت الخطّة على اسم وزير الخارجيّة جورج مارشال

كيف نهضت ألمانيا من تحت رماد الحرب العالميّة الثانية؟

جنود ألمان يستسلمون في برلين عام 1945 (Getty)

جلبت نهاية الحرب العالميّة الثانية دمارًا هائلًا لألمانيا، سواء من حيث الأرواح البشريّة أو البنية التحتيّة، حيث دمّرت الحرب البلاد واقتصادها، وجعلتها في حالة من الفوضى الهائلة، ومع ذلك، وعلى مرّ السنين، تمكّنت ألمانيا من استعادة مكانتها لتصبح واحدة من أكثر الدول ازدهارًا في العالم.

وكان المستشار الألمانيّ، أولاف شولتز، في سياق الحرب الأوكرانيّة الروسيّة، قد صرّح في حزيران/ يونيو الماضي أمام البوندستاغ، إنّه يتوقّع استمرار الحرب في أوكرانيا، وعلى "غرار خطّة مارشال، يجب أن يستعدّ الغرب لإعادة إعمار طويلة للبلد: سنحتاج إلى المزيد من مليارات الدولارات لإعادة الإعمار، وذلك لسنوات قادمة".

ما هي خطّة مارشال؟

في نهاية الحرب العالميّة الثانية، تمّ تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق احتلال: المنطقة السوفيتيّة، والمنطقة البريطانيّة، والمنطقة الفرنسيّة، والمنطقة الأميركيّة، وكانت كلّ منطقة تسيطر عليها إحدى هذه البلدان، وكان الهدف هو نزع السلاح من ألمانيا وإنشاء حكومة ديمقراطيّة، ومع ذلك، لم تكن إعادة بناء ألمانيا عمليّة مباشرة، إذ كانت البلاد في حالة خراب شبه كامل، ودمّرت بنيتها التحتيّة. بالإضافة إلى ذلك، أصيب الشعب الألمانيّ بالإحباط والصدمة بسبب أهوال الحرب، وكان إعادة بناء أمّة من الصفر تحدّيًا كبيرًا، لكنّ ألمانيا تمكّنت من تحقيق ذلك بمساعدة خطّة مارشال، كما يقول خبراء.

كانت خطّة مارشال، المعروفة رسميًّا باسم برنامج التعافي الأوروبّيّ، عبارة عن حزمة مساعدات ضخمة من الولايات المتّحدة للمساعدة في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالميّة الثانية، وسمّيت الخطّة على اسم وزير الخارجيّة جورج مارشال، الّذي أعلنها في خطاب ألقاه في جامعة هارفارد في 5 تمّوز/ يونيو 1947.

عمّال ألمان في طريقهم إلى العمل عام 1950 (Getty)

وفي إطار هذه الخطّة، قدّمت الولايات المتّحدة أكثر من 13 مليار دولار من المساعدات لأوروبا الغربيّة، وكان ذلك مبلغًا ضخمًا في ذلك الوقت، والذي يصل إلى أكثر من نصف ترليون دولار تقريبًا في الوقت الحاليّ وكانت ألمانيا هي المستفيد الأكبر، حيث ساعدت ألمانيا في إعادة بناء بنيتها التحتيّة، بما في ذلك الطرق والجسور والمصانع، كما ساعدت البلاد على استيراد الموادّ الخام اللازمة لإعادة بناء قاعدتها التصنيعيّة.

وكانت خطّة مارشال حاسمة في إعادة بناء الاقتصاد الألمانيّ، حيث ساعدت ألمانيا على أن تصبح قوّة تصنيعيّة، ووفّرت رأس المال اللازم للاستثمار، وبالإضافة إلى ذلك، ساعدت حزمة المساعدات على رفع الروح المعنويّة للشعب الألمانيّ

وكانت المعجزة الاقتصاديّة، أو كما يطلق عليها الألمان اسم Wirtschaftswunder، فترة من النموّ الاقتصاديّ السريع في ألمانيا من أواخر الأربعينيّات إلى أوائل الستّينيّات. خلال هذه الفترة، تمكّنت ألمانيا من إعادة بناء اقتصادها لتصبح واحدة من أغنى دول العالم، إذ كان هناك العديد من العوامل الّتي ساهمت في هذه المعجزة، منها إنشاء المارك الألمانيّ، وهي العملة الجديدة لألمانيا الغربيّة في ذلك الوقت، وكان المارك الألمانيّ عملة مستقرّة، وساعد على استقرار الاقتصاد وتقليل التضخّم، ممّا سمح لألمانيا بالاستثمار في قاعدتها التصنيعيّة وزيادة الصادرات. ومن العوامل التي ساهمت في هذه المعجزة إنشاء اقتصاد السوق الاجتماعيّ، إذ تمّ تطوير هذا النظام الاقتصاديّ من قبل لودفيج إيرهارد، وزير الاقتصاد الألمانيّ حينها، وكان يقوم على مبادئ رأسماليّة السوق الحرّة، والرعاية الاجتماعيّة والتنظيم الحكوميّ، وسمح اقتصاد السوق الاجتماعيّ للمؤسّسات الخاصّة بالازدهار، مع توفير شبكة أمان للمحتاجين.

بوّابة براندنبرغ في برلين بعد الحرب (Getty)

بالإضافة إلى ذلك، فقد غذّت القوى العاملة الماهرة في البلاد المعجزة الاقتصاديّة، إذ كان لدى ألمانيا قوّة عاملة عالية التعليم والمهارة، ممّا ساعد البلاد على إعادة بناء قاعدتها التصنيعيّة وزيادة الإنتاجيّة، كما استثمرت الحكومة بكثافة في برامج التعليم والتدريب لضمان بقاء القوى العاملة ماهرة وقادرة على المنافسة. كما كان موقع ألمانيا في قلب أوروبا من الأسباب المهمّة الأخرى، إذ جعلها هذا الأمر مركزًا مثاليًّا للتجارة الدوليّة، وهو ما مكّن البلاد من الاستفادة من موقعها، وأصبحت لاعبًا رئيسيًّا في التجارة العالميّة، كما أنّ قاعدة التصنيع القويّة والقوى العاملة الماهرة في ألمانيا جعلت منها وجهة جذّابة للاستثمار الأجنبيّ.

ومع ذلك، لم تكن هذه المعجزة الاقتصاديّة تخلو من التحدّيات، إذ كانت هناك مشكلات تتعلّق بالتضخّم والتوتّرات الاجتماعيّة المتزايدة، وكان على الحكومة أن تتعامل مع هذه القضايا بعناية، ومع ذلك، فإنّ نجاح اقتصاد السوق الاجتماعيّ والقوى العاملة الماهرة سمح لألمانيا بأن تصبح واحدة من أغنى دول العالم، حيث وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.

التعليقات