ما بين التأييد والمعارضة: الحكومة العالميّة وإمكانيّة تطبيقها

تعود فكرة الحكومة العالميّة إلى العصور القديمة، حيث ناقش فلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو مفهوم الدولة العالميّة في أعمالهم

ما بين التأييد والمعارضة: الحكومة العالميّة وإمكانيّة تطبيقها

(Getty)

بعد تصريح رئيس الوزراء الهنديّ، ناريندا مودي، مع افتتاح اجتماع وزراء خارجيّة دول مجموعة العشرين في نيودلهي، حول إخفاق تجربة الحوكمة العالميّة، عاد الحديث في وسائل الإعلام حول المؤسّسات متعدّدة الأطراف، والفشل في مواجهة التحديات الأكثر إلحاحًا في العالم. وكان مودي قد صرّح أنّ "تجربة السنوات الماضية - الأزمة الماليّة والتغيّر المناخي والجائحة والإرهاب والحروب - أظهرت بوضوح أنّ الحوكمة العالميّة قد أخفقت.

ونوقش مفهوم الحكومة العالميّة لقرون ماضية، حيث جادل المؤيّدون بأنّ حكومة عالميّة ستوفّر نظامًا عالميًّا أكثر استقرارًا وعدالة، بينما ينظر إليها المعارضون على أنّها انتهاك للسيادة الوطنيّة وهدف غير واقعيّ.

وتعود فكرة الحكومة العالميّة إلى العصور القديمة، حيث ناقش فلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو مفهوم الدولة العالميّة في أعمالهم. ومع ذلك، لم تكتسب فكرة تشكيل حكومة عالميّة حديثة شعبيّة حتّى القرن الثامن عشر، بعد طرح مفكّري التنوير مثل إيمانويل كانط وجان جاك روسو بأنّ اتّحادًا عالميًّا للدول يمكن أن يوفّر نظامًا عالميًّا أكثر سلامًا وعدالة.

وفي أوائل القرن العشرين، أدّى الدمار الّذي خلّفته الحرب العالميّة الأولى إلى زيادة الاهتمام بفكرة الحكومة العالميّة، ومع دخول عام 1919، أُنشئت عصبة الأمم كمنظّمة دوليّة بهدف منع الحروب في المستقبل. ومع ذلك، فشلت في النهاية في تحقيق هذا الهدف، وتمّ حلّها في عام 1946، وبعد نهاية الحرب العالميّة الثانية، تأسّست الأمم المتّحدة في عام 1945 بهدف تعزيز التعاون الدوليّ ومنع النزاعات بين الدول. بينما حقّقت الأمم المتّحدة بعض النجاح في تحقيق هذه الأهداف، إلّا أنّها ليست حكومة عالميّة حقيقيّة؛ لأنّها تفتقر إلى القوّة لفرض قراراتها، وتعتمد على تعاون الدول الأعضاء فيها.

ويطرح أنصار الحكومة العالميّة ادّعاءاتهم التي تتعلّق بـ"فوائد عديدة" للحوكمة العالميّة، ومنها السلام العالميّ، حيث ستكون الحكومة العالميّة مجهّزة بشكل أفضل لمنع الحروب وحلّ النزاعات بين الدول، كما قال خبراء، بالإضافة إلى التنمية الاقتصاديّة، والتي يمكن أن تمكّن إنشاء نظام اقتصاديّ عالميّ أكثر إنصافًا، وتحدّ من الفقر، وتعزّز النموّ الاقتصاديّ، بالإضافة إلى حماية البيئة وتنسيق الجهود لمعالجة القضايا البيئيّة على نطاق عالميّ، مثل التغيّرات المناخيّة.

وعلى الجانب الآخر، يقول معارضون لفكرة الحوكمة العالميّة إنّ لها عيوبًا أكثر من فوائدها، منها فقدان السيادة، حيث سيتمّ فرض السيادة وتهديد السيادات الوطنيّة، على الرغم من الاختلافات الثقافيّة التي لا يمكن غضّ البصر عنها، والتي تحمل في طيّاتها قيمًا ومعتقدات مختلفة، ممّا قد يجعل من الصعب على حكومة عالميّة وضع سياسات مقبولة لجميع الدول، بالإضافة إلى عدم الكفاءة، إذ ستكون هذه الحكومة العالميّة كبيرة ومعقّدة، ممّا يجعل من الصعب اتّخاذ القرارات بسرعة وكفاءة.

وفي حين أنّ فكرة الحكومة العالميّة كانت موضع نقاش لعدّة قرون، إلّا أنّها لم تنفذ بالكامل. وكانت أقرب الصيغ لها هي الأمم المتّحدة، وهي منظّمة دوليّة تجمع الدول الأعضاء معًا لتعزيز السلام والتعاون والتنمية، ومع ذلك، تفتقر الأمم المتّحدة إلى القوّة اللازمة لتنفيذ قراراتها، وتعتمد على تعاون الدول الأعضاء فيها.

خلال السنوات الأخيرة، اقترح البعض إنشاء حكومة عالميّة من خلال توسيع المنظّمات الإقليميّة، مثل الاتّحاد الأوروبّيّ. ومع ذلك، لا تزال هذه المقترحات مثيرة للجدل، ولم تحظ بتأييد واسع النطاق بعد.

وغالبًا ما يكون للمجتمعات البسيطة ممارسات ومعتقدات ثقافيّة مميّزة تمّ تناقلها عبر الأجيال. إذ تكون هذه الثقافات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأرض والبيئة، وتلعب دورًا مهمًّا في تشكيل هويّات وقيم الأشخاص الّذين يعيشون هناك. ومع ذلك، يمكن لحكومة عالميّة أن يكون لها تأثير سلبيّ على هذه الثقافات بعدّة طرق؛ فمن المرجّح أن تعزّز حكومة عالميّة مجموعة من القيم والمعتقدات الّتي ستفرض على جميع المجتمعات، وقد يؤدّي هذا إلى فقدان التنوّع الثقافيّ، حيث ستضطرّ المجتمعات البسيطة إلى الامتثال لمجموعة واحدة من المعايير والممارسات. سيكون هذا ضارًّا بهذه المجتمعات؛ وسيجرّدها من هويّاتها الفريدة وتراثها الثقافيّ.

ويقول خبراء، إنّه من المرجّح أن تعزّز الحكومة العالميّة نظامًا اقتصاديًّا عالميًّا موجّهًا نحو الإنتاج الصناعيّ على نطاق واسع، وقد يؤدّي ذلك إلى تهميش اقتصادات المجتمعات البسيطة، حيث قد لا تتمكّن من المنافسة في هذا السوق العالميّ. ونتيجة لذلك، قد تضطرّ هذه المجتمعات إلى التخلّي عن ممارساتها الاقتصاديّة التقليديّة واعتماد ممارسات صناعيّة أكثر حداثة، كما يمكن أن تؤدّي الحكومة العالميّة إلى تفاقم استنفاد الموارد الّذي يحدث بالفعل في العديد من المجتمعات البسيطة، والتي قد يتمّ الضغط عليها لاستخراج المزيد من الموارد لتلبية متطلّبات السوق العالميّة. وقد يؤدّي ذلك إلى الإفراط في استغلال الموارد الطبيعيّة، الأمر الّذي سيكون له عواقب سلبيّة على البيئة والأشخاص الّذين يعتمدون على هذه الموارد في معيشتهم.

التعليقات