الأسلحة البيولوجية: معضلات أخلاقيّة تبدأ من البحث العلمي

وأدى تقدم التكنولوجيا الحيوية وسهولة الوصول إلى المعرفة والمواد البيولوجية إلى زيادة مخاطر انتشار الأسلحة البيولوجية، حيث أصبح لدى الجهات الفاعلة غير الحكومية الآن القدرة على تسخير العوامل البيولوجية، كما يتضح من هجمات الجمرة الخبيثة في الولايات المتحدة في عام 2001

الأسلحة البيولوجية: معضلات أخلاقيّة تبدأ من البحث العلمي

(Getty)

تمثل الأسلحة البيولوجية، المعروفة أيضًا على أنّها "أسلحة محرّمة"، أحد أكثر جوانب الحرب رعباً في التاريخ الحديث، حيث تستخدم هذه الأسلحة الكائنات الحية، مثل البكتيريا والفيروسات والسموم، لإحداث المرض أو الموت أو العجز لدى البشر أو الحيوانات أو النباتات بشكل جماعي، ويثير تطوير الأسلحة البيولوجية وامتلاكها واستخدامها مخاوف أخلاقية عميقة، حيث يمكن أن تسبب معاناة واسعة النطاق وتعطل النظم البيئية وتتحدى المعايير الدولية.

وتقدم الأسلحة البيولوجية مجموعة فريدة من التحديات الأخلاقية في التاريخ الحديث، حيث تثير الطبيعة العشوائية لهذه الأسلحة، إلى جانب احتمال انتشار المعاناة والاضطراب البيئي، معضلات أخلاقية عميقة، حيث إن طبيعة الاستخدام المزدوج للبحوث البيولوجية تزيد من تعقيد المشهد الأخلاقي، إذ يمكن للتقدم العلمي أن يساهم دون قصد في تطوير أسلحة فتاكة.

وتعود الحرب البيولوجية إلى العصور القديمة، مع استخدام سهام مسمومة ومصادر مياه ملوثة لإلحاق الأذى بالأعداء، ومع ذلك، ظهر الاستخدام المنظم والمنهجي للعوامل البيولوجية كأسلحة في القرن العشرين، وتشمل الأمثلة البارزة استخدام الجيش الإمبراطوري الياباني للأسلحة البيولوجية خلال الحرب العالمية الثانية، مثل الوحدة سيئة السمعة 731، حيث تعرض السجناء لتجارب مميتة تشمل العوامل المعدية.

ويثير استخدام الأسلحة البيولوجية العديد من المخاوف الأخلاقية، أبرزها المعاناة الإنسانية الهائلة التي تسببها، على عكس الأسلحة التقليدية التي تستهدف المقاتلين، فإن الأسلحة البيولوجية عشوائية، وتؤثر على السكان المدنيين أيضًا بشكل جماعي، حيث أن فكرة الأضرار الجانبية هذه تتحدى المبادئ الأساسية لنظرية الحرب العادلة، التي تؤكد التناسب والتمييز في الأعمال العسكرية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي استخدام الأسلحة البيولوجية إلى عواقب وخيمة، حيث قد تنتشر العدوى إلى ما وراء الهدف المقصود وتتسبب في أوبئة لا يمكن السيطرة عليها، وهذا السيناريو يفاقم المعضلة الأخلاقية، حيث يفقد الجاني السيطرة على آثار السلاح، مما يؤدي إلى معاناة وموت غير متوقعين.

وتكمن إحدى المعضلات الأخلاقية الكبرى في طبيعة الاستخدام المزدوج للبحوث البيولوجية، حيث يمكن استغلال العديد من مسببات الأمراض التي تمت دراستها لأغراض علمية كأسلحة بيولوجية محتملة، وفي حين أن البحث ضروري لفهم الأمراض وإيجاد العلاجات وتطوير اللقاحات، فإنه يوفر أيضًا المعرفة والأدوات للجهات الفاعلة الحاقدة لخلق عوامل مميتة.

ويشكل تحقيق التوازن بين التقدم العلمي والإشراف المسؤول والتنظيم تحديًا، ةيتطلب تحقيق التوازن الصحيح بين الحرية العلمية وإساءة الاستخدام المحتملة للمعرفة تعاونًا دوليًا ومبادئ توجيهية أخلاقية قوية لمنع التسليح غير المقصود للعوامل البيولوجية، بحسب مختصّين.

وإدراكًا للأخطار الكامنة في الأسلحة البيولوجية، اتخذ المجتمع الدولي خطوة مهمة إلى الأمام مع اتفاقية الأسلحة البيولوجية (BWC) في عام 1972، حيث تهدف اتفاقية الأسلحة البيولوجية إلى حظر تطوير وإنتاج وتخزين العوامل البيولوجية للأغراض العسكرية الهجومية وتعزيز الاستخدامات السلمية للتكنولوجيا الحيوية،و اعتبارًا من آخر تحديث معرف في سبتمبر 2021، صادقت أكثر من 180 دولة على الاتفاقية.

ولعبت اتفاقية الأسلحة البيولوجية دورًا حيويًا في زيادة الوعي بالتهديدات التي تشكلها الأسلحة البيولوجية وتعزيز التعاون الدولي في مجال السلامة البيولوجية والأمن البيولوجي، ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، حيث تفتقر الاتفاقية إلى آلية تحقق قوية، ولا تزال هناك مخاوف بشأن الامتثال والتطوير السري المحتمل للأسلحة البيولوجية.

وأدى تقدم التكنولوجيا الحيوية وسهولة الوصول إلى المعرفة والمواد البيولوجية إلى زيادة مخاطر انتشار الأسلحة البيولوجية، حيث أصبح لدى الجهات الفاعلة غير الحكومية الآن القدرة على تسخير العوامل البيولوجية، كما يتضح من هجمات الجمرة الخبيثة في الولايات المتحدة في عام 2001.

ومع استمرار تسارع التقدم في التكنولوجيا الحيوية، تبرز أسئلة أخلاقية فيما يتعلق بتطوير واستخدام التقنيات الجديدة. أدوات تحرير الجينات مثل CRISPR / Cas9 لديها القدرة على تغيير التركيب الجيني لمسببات الأمراض، مما يجعلها أكثر ضراوة أو مقاومة للعلاجات، وفي حين أن هذه التقنيات لديها إمكانات هائلة لعلاج الأمراض والوقاية منها، فإن إساءة استخدامها لأغراض خبيثة أمر مثير للقلق، ولمواجهة هذا التحدي الأخلاقي، بحسب مختصّين، فإنّه من الضروري اتخاذ تدابير قوية للأمن البيولوجي على كلّ الأصعبة، حيث يتطلب ضمان الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا الحيوية التعاون بين العلماء وواضعي السياسات والهيئات التنظيمية لوضع مبادئ توجيهية تمنع إساءة استخدام هذه الأدوات الفتّاكة.

والبحث ذو الاستخدام المزدوج المثير للقلق (DURC) هو مفهوم تم تقديمه لتحديد البحث العلمي الذي يحتمل إساءة استخدامه لأغراض ضارة، بما في ذلك تطوير أسلحة بيولوجية، وتهدف إرشادات DURC إلى تعزيز الوعي بين العلماء فيما يتعلق بالمخاطر المحتملة لأبحاثهم وتشجيع الشفافية في إعداد التقارير، ومع ذلك، فإن تنفيذ سياسات DURC ينطوي على التعامل مع الاعتبارات الأخلاقية المعقدة، حيث يثير تحقيق التوازن بين الحرية العلمية وتقييد البحث مخاوف بشأن إعاقة التقدم العلمي وإمكانية إساءة الاستخدام.

التعليقات